رحال «الأيام» تحط على شاطئ مياه معبق المقاطرة .. مشروع مياه معبق حلم مشروع يهدده استنزاف غير مشروع

> علي الجبولي :

>
آليات في انتظار الماء
آليات في انتظار الماء
في هذا الاستطلاع تتناول «الأيام» مشكلة نادرة الحدوث، تتناول مشروع مياه معبق (قيد الإنشاء) الوليد الذي لا يزال في انتظار رؤية النور في ظل مخاوف جدية باتت تهدد بإجهاضه قبل أن يتخلق. هذه المرة ليس بفعل الفساد والتحايل أو مماطلة جهة التنفيذ كما يحدث لمشاريع من هذا القبيل، ولكن مبعث المخاوف هذه المرة مثير للغرابة، يشبه ما يسميه العالم اليوم قضية (سرقة المياه) أي استنزاف مجتمع حصة مجتمع آخر من المياه بطريقة غير مشروعة.

«الأيام» زارت مشروع مياه معبق ورصدت مشاهد مروعة لتزاحم الورّاد (ناقلي الماء) بشتى الوسائل والآليات فوق بئري الماء، جلهم من مختلف قرى طور الباحة التي جفت مياهها وألمت بها اليوم فاجعة العطش.. وهاكم أبرز ما رصدت.

قدر مشروع مياه معبق (قيد الإنشاء) أن الماء ولد قبل أن تولد بقية مكونات المشروع، وفيما العمل مستمر لاستكمال بقية المكونات تعرضت مديرية طور الباحة المجاورة لأزمة المياه، أمام هذه الفاجعة لم يجد أبناؤها مفراً من البحث عن ماء شرب. في منطقة تسمى (غريب) كانت قبل الوحدة تنصب فيها خشبة الحدود بين دولتي شمال اليمن وجنوبه، وجدوا ضالتهم في بئر مشروع معبق على بعد نحو كيلو مترين فقط من مدينة طور الباحة، ذلك المنهل الذي ظل لسنوات طويلة مورد مناطق عديدة في معبق ومناطق طور الباحة التي لم يصلها الماء، لكن منذ مارس الماضي تفاقمت أزمة المياه في طور الباحة جراء نضوب معظم آبارها فتضاعف على بئري غريب أعداد الورادين، مشاة وفوق الحمير وعلى السيارات. إحدى هاتين البئرين كان قد تبرع بها صاحبها الشيخ محمد عبدالرحيم لجمعية المستفيدين من مشروع مياه معبق، غير أن هذا الاستنزاف بدأ يثير مخاوف الجمعية من نضوب الماء قبل اكتمال المشروع، مع ذلك أبت إنسانية مالك البئر ولجنة المشروع أن تسمح بالقول لمن أصبح ماؤهم غوراً في طور الباحة «لا تسحبوا ماء مشروعنا بعد أن استنفدتم ماءكم. لا تقتلوا مشروع معبق قبل أن يولد».

لا بد من الماء وإن طال الانتظار
لا بد من الماء وإن طال الانتظار
سنة الواردة من معبق

مع تفاقم أزمة المياه واشتداد المعاناة في طور الباحة كان لا بد من نقل صورة من الازدحام على ماء (غريب) الذي تحول إلى قبلة الورادين والمصدر الوحيد للشرب في غالبية مناطق طور الباحة. لم يبخل الزميل التربوي سرحان محمد سعيد بسيارته لنقلنا إلى موضع البئرين. كان المشهد حولية وليّ، تتخلله مشاهد تختزل وصور البؤس والعذاب، عشرات النسوة تتكدس حول خزان ماء متواضع لا أظنه يعرف شيئاً اسمه النظافة، عشرات الأطفال والطفلات أغلبهم لا يتجاوز السابعة من العمر، يركبون أو يسوقون حميرهم بين رائح ومغتد وعلى ظهورها (دبات) الماء، في رحلة مستمرة من وإلى قرى طور الباحة ومعبق. حركة لا تقف، بين من تملأ دبتها ومن يشد حمولة حماره. التقاليد الاجتماعية الساذجة حالت دون تصوير أغرب وأتعس المشاهد. لم يحالفنا الحظ بمقابلة صاحب البئرين السيد محمد عبدالرحيم، وجدنا ابنه الشاب بكيل الذي رحب بنا وأطلعنا على ما أردنا.

فوق البئر الثانية يقف رتل من صهاريج الماء (البوز) وسيارات (الشاص) الحبلى بمختلف الخزانات والبراميل من مختلف الأشكال والسعات في انتظار دورها لتعبئة الماء ثم نقله إلى مختلف مناطق طور الباحة والمقاطرة، حقاً إنه لزمن يستحق أن يؤرخ بـ(سنة الورادة من معبق). سألنا الشاب بكيل محمد عبدالرحيم عن حجم ازدحام الورادين والسيارات على البئر وتكلفة الماء التي يدفعونها. قال: «يصل عدد السيارات إلى نحو 80 سيارة يومياً ما بين سيارات كبيرة (صهاريج) وسيارات البوز المتوسطة والصغيرة (دينا، شاص) أما ازدحام الورادين من النساء أو على الحمير فلا يتوقف، يبدأ من الفجر إلى قرب صلاة العشاء، يأتون من قرى كثيرة من طور الباحة والمقاطرة ومن الصعب تقديرهم. سعر الماء رمزي لا يكفي تكلفة ديزل التشغيل، نأخذ أربعمائة ريال على صهريج السيارة الكبيرة, ومائتي ريال على خزانات السيارة الشاص، وبالنسبة للنساء أو من يردون بواسطة الحمير فيأخذون الماء مجانا منذ حفرت البئر قبل 25 سنة. بعد شحة الماء في طور الباحة تضاعف السحب من البئرين بشكل كبير، إحدى البئرين بدأت تفرغ الماء عدة مرات في اليوم».

استنزاف كبير ومتواصل استمراره لا محالة ينذر ماء البئرين بالمآل الذي آلت إليه مياه طور الباحة، وفعلاً بدأت ملامح هذا المصير تظهر، فأثناء زيارتنا كان هناك عمال يعمقون بأيديهم بئراً بدأ منسوب مائها بالانخفاض.

لوحة متداخلة لثلاثي جلب الماء (المرأة والطفل والحمار)
لوحة متداخلة لثلاثي جلب الماء (المرأة والطفل والحمار)
نأمل أن تفي السلطة بوعدها

هناك مشروع ماء يجرى أنشاؤه في منطقة معبق يعقد آماله على ماء إحدى البئرين تبرع بها صاحبها رجل الخير الشيخ محمد عبدالرحيم، إلا أن مخاوف لجنة المشروع أخذت تتزايد من استمرار الاستنزاف لماء البئر وسحبه إلى قرى طور الباحة.

يقول الأخ محمد طه قادري، أمين عام جمعية مشروع مياه معبق الذي سيخدم أكثر من سبعة آلاف نسمة: «بدأت الفكرة في فبراير الماضي وشرع العمل في المشروع بتمويل من بنك التنمية الدولية ومساهمات المواطنين بتكلفة نحو 296 ألف دولار. أنجز حتى الآن نحو 90 % من مكونات المشروع، تمثلت في مد الأنابيب وترميم الخزان وبناء مقر الجمعية وغرفة للمضخة، بينما تبرع الشيخ محمد عبدالرحيم ببئر الماء مجاناً لصالح المشروع ولم يبق سوى 10 % من مد الانابيب وتركيب محرك الضخ.. العمل في تنفيذ المشروع يسير بصورة مرضية، ويبذل الأخ صادق أمين مقاول المشروع جهوداً نادرة تستحق الاحترام والتقدير، من حيث تسريع وتيرة العمل والالتزام بالمواصفات وجداول الكميات والدراسة الفنية بمساعدة مهندس المشروع خالد علي دبوان. كان لتعاون مجموعة المغفور له بإذن الله هائل سعيد أنعم والأستاذ أحمد بن أحمد غالب أثر طيب في نفوس المستفيدين. كما أن تعاون الأهالي وتلاحم الهيئة الإدارية لجمعية المشروع ذلل كثيراً من المصاعب والمعوقات. هذا النجاح بفضل حكمة الشيخ الفاضل محمد عبدالرحيم، رئيس جمعية المشروع الذي لولا تبرعه بالبئر والماء لما وجد المشروع».

وعن مستوى توفر الماء قال: «كان التفاؤل كبيراً، ولكن بعد نضوب المياه في مديرية طور الباحة المجاورة بدأنا نقلق من الاستنزاف الكبير جداً للمياه الذي يصل إلى أكثر من الف متر مكعب يومياً- استناداً لسعة الخزانات التي تعبأ- هذا الاستئنزاف المتواصل على حساب مشروع مياه معبق، لكن يصعب أن تمنع إنسانا من ماء الشرب رغم خطورة الاستنزاف. هذا الوضع الطارئ يتطلب إيجاد بئر أو أكثر. معبق عاصمة المديرية ظلت بدون ماء عدا هذه المرة. غير أن المشروع يتكون من بئر واحدة عليها مضخة واحدة تضخ مباشرة إلى الخزان وبالتالي أي عطب يصيب أحد المكونات يوقف المشروع بكامله. هذه مصاعب لا محالة ستواجهنا نتمنى أن تستشعر السلطة المحلية في المقاطرة بواجبها وتبحث عن تمويل لحفر بئر أو أكثر وبناء خزان تجميعي ينظم إعادة توزيع التغذية، خاصة وأنها وعدتنا مراراً ونأمل أن تفي بوعدها هذا المرة، وتحرص على إنجاحه، فالمشروع لا يمون جميع قرى معبق فقط ولكن عاصمة المديرية أيضاً ومجمعها الإداري ومرافقها الحكومية».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى