رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> الميلاد والنشأة:المكلا عروس البحر العربي. عرفت باسم (الخيصة) ولم تعرف باسم المكلا إلا عند نشوء الإمارة الكسادية عام 1115هـ وبرزت شهرتها ومكانتها بانتقال حاضرة الدولة القعيطية من الشحر إلى المكلا عام 1915م.

من أبرز معالم المكلا القديمة القلاع المنصوبة على الجبل المطل على المكلا كدفاعات عسكرية والحصون العسكرية على مدخلها وهما (القفل) و(الغويزي) وقد شيدا في عهد آل كساد عام 1716م بعد معركة عسكرية بين آل كساد وآل كثير (الدليل التعريفي لمحافظة حضرموت ص 14). سالم محمد عبدالعزيز من مواليد عام 1939م وكان والده محمد عبدالعزيز من أسرة مكلاوية عريقة وشخصية معروفة لدى الجميع وهو أول مصدر فوتوغرافي في المكلا وحضرموت بشكل عام وقد ارتبط الأستاذ سالم بوالده ارتباطا وثيقا وتعلم منه أشياء كثيرة كانت له معينا في حياته (ليلى عوض غانم: وداعا عميد اللغة والأدب الانجليزي- كتاب تأبين الفقيد- ص 179).

سالم عبدالعزيز والنبوغ المبكر

تلقى الأستاذ سالم عبدالعزيز دراسته الابتدائية في المدرسة الغربية بالمكلا على أيدي شيوخ أفاضل منهم الشيخ عبدالرحمن عبدالله بكير والشيخ محمد عتعوت والشيخ حمد حيتر والشيخ حسين بارباع والشيخ عبدالرحمن الجيلاني وغيرهم.

انتقل بعد ذلك إلى المدرسة العطرة الذكر «المدرسة الوسطى بغيل باوزير» (الغيل) في العام 1950م ومن زملاء دفعته: عمر أحمد الشاطري ومحمد سالم باعباد وصالح سالم لرضي ومحمد أحمد باصرة ومحمد عبدالرحيم باوزير وطالب سالمين بن مهري وعلي عبدالرحمن المفلحي وعلي ناجي الحوثري وأحمد محمد الفردي وعوض عمر القعيطي وسالمين سعيد المرشدي وعبدالكريم مسعود بامطرف ومحمد عمر بن غوث وعبدالله محمد باوزير وعوض عبدالله باظريس ومحمد حسين مخارش وعمر أحمد بن سلم، أما الشيوخ الأفاضل الذين درسوه في (وسطى الغيل) فمنهم: سيد أحمد الصادق وعمر البنا (من السودان) والشيخ عبدالله باعنقود والشيخ سالم يعقوب باوزير وغيرهم.

نبغ سالم عبدالعزيز في سني دراسته واطلع كثيرا على أعمال الأدباء والشعراء العرب وتأثر ببعضهم وتفتقت قريحته الشعرية وكتب عددا من القصائد منها (أظلمت ياغيل) ولمع نجمه أيضا في النشاطات اللا صفية ومنها نشاطه المسرحي.

سالم عبدالعزيز الطالب في كلية عدن وزمالة عبدالعزيز عبدالغني

انتقل سالم محمد عبدالعزيز في العام 1954م من مدينة المكلا إلى مدينة عدن والتحق بكلية عدن الشهيرة لتلقي دراسته الثانوية، التي أنهاها في العام 1957م بحصوله على شهادة الثقافة العامة GCE من جامعة لندن في عدة مواضيع، وكان رحمه الله من ضمن الطلاب المقيمين في القسم الداخلي BOARDING SECTION والقادمين من بعض سلطنات ومشيخات محميتي عدن الشرقية والغربية.

كان سالم عبدالعزيز من الطلاب المتفوقين في الكلية وكان الأستاذ عبدالعزيز عبدالغني (رئيس مجلس الشورى حاليا) من زملاء دراسته وكان آنذاك من سكان مدينة التواهي ووصف الأستاذ عبدالغني زميل دراسته سالم بأنه «كان من أنبغ الطلاب في كلية عدن (وسميت كلية البيومي بعد وفاة حسن بيومي رئيس وزراء عدن آنذاك) وكان أكثرهم تميزا وتفوقا» (راجع كتاب التأبين ص 165).

سالم عبدالعزيز بين لبنان والسودان ومصر

عاد سالم عبدالعزيز إلى حضرموت في العام 1957م حاملا معه شهادة الثقافة العامة وعمل مدرسا في مدارسها لمدة ثلاث سنوات حيث أوفدته إدارة المعارف بالسلطنة القعيطية إلى لبنان في العام 1960م والتحق بالجامعة الامريكية ببيروت وقرأ فيها الادب الانجليزي والادب الامريكي وحصل على درجة الليسانس (B.A) في العام 1964م وكانت فترة إقامته في بيروت من الفترات الخصبة في حياته حيث وقف على اعتمالات الساحة في لبنان بكل ألوان الطيف من التيارات الفكرية السياسية والأدبية والإصدارات الصحفية باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية والمجلات بمختلف الرؤى إلى جانب دور النشر وثمراتها الجمة من الكتب ناهيك عن نجومها الكبار في الأدب والشعر والفن ومضامير أخرى.

عمل سالم عبدالعزيز بعد عودته من بيروت ضابطا للمعارف EDUCATION OFFICER في السلطنة القعيطية الحضرمية وعمل بعد ذلك سكرتيرا للجنة المناهج التعليمية، وانتدب إلى السودان في العام 1965م في مهمة رسمية تتعلق بإنجاز الشهادة الثانوية واستقدام بعثات تعليمية للتدريس في مدارس حضرموت وكذلك تنسيق التعاون مع مكتب نشر معهد بخت الرضاء وبحث مساعدة السودان في مجال تعليم الفتاة الحضرمية.في العام 1966م غادر سالم عبدالعزيز إلى قاهرة المعز، حاضرة الجمهورية العربية المتحدة UAR والتحق بمعهد الادارة العامة لتلقي دورة تعليمية مدتها ثلاثة أشهر في مجال الإدارة حيث ورد في خطاب الوكيل الثقافي لمكتب الدولة القعيطية في حضرموت إلى مدير معهد الإدارة العامة في القاهرة: «آمل من سيادتكم النظر إلى هذا الموضوع نظرة خاصة وإعفاء السيد المذكور من الشروط الخاصة بمدة التخرج نظرا لما تعلقه السلطات في المكلا من أهمية على التحاقه بمعهدكم في سبيل إعداده اعدادا علميا في شؤون الادارة».

الأستاذ عبدالله فاضل يعطي شهادته للتاريخ

بعد عودته من القاهرة صدر قرار بتعيين الأستاذ سالم عبدالعزيز ضابط شؤون الموظفين ESTABLISHMENT OFFICER في المحافظة الخامسة (حضرموت)، حيث قام مع فريق عمله بإعداد التصورات لتنظيم عمل جهاز الخدمة المدنية على أسس جديدة وتكشفت قدرات الفقيد الإدارية وكان مثار إعجاب زملائه به في العمل الإداري، الأمر الذي دفع القائمين على الجهاز المركزي للخدمة المدنية في عدن بأن يوصوا في الاول من سبتمبر 1968م باستدعائه للعمل في عدن كضابط توظيف أول Senior Establishment Officer.

أعطى الاستاذ عبدالله فاضل فارع شهادته للتاريخ عن فقيدنا الأستاذ سالم عبدالعزيز حيث ورد في كتاب التأبين (ص 94) أن أول معرفته بالفقيد كانت في شهر رمضان المبارك 1388م، الموافق ديسمبر 1968م في المكلا، حيث وصل فريق وزارة التربية والتعليم من عدن برئاسة الأستاذ عبدالله فاضل فارع، القائم بأعمال وكيل الوزارة وعضوية الأساتذة محمد عبدالواحد ومحمود علي عبده وحميد محمد سالم الشعبي.

كانت المهمة المناطة بهم تتمثل في تنسيق سنوات الدراسة حتى نهاية الثانوية (11 عاما - عدن = 12 عاما - حضرموت) وكذا مناقشة فارق الرواتب في المنطقتين. كانت جلسات العمل تعقد مع الأستاذ سالم عبدالعزيز ضابط شؤون الموظفين بما يتصل بالرواتب. يضيف الأستاذ عبدالله فاضل: «في أيام بقائنا كنا نقضي حصة العمل من بعد الفطور حتى السحور في دار آل عبدالعزيز المضيافين».

ماذا قال الأستاذ فيصل بن شملان في شهادته

أمضى الأستاذ سالم عبدالعزيز حوالي عامين في الجهاز المركزي للخدمة المدنية، وفي العام 1970م كان الأستاذ الجليل فيصل عثمان بن شملان قد أصبح رئيسا تنفيذيا للهيئة العامة للقوى الكهربائية بعدن (بعد أن كان أول وزير للاشغال العامة في حكومة الراحل الكبير قحطان محمد الشعبي) فطلب استقدام الأستاذ سالم عبدالعزيز للعمل سكرتيرا للهيئة وعمل فيها حتى مايو 1972م وتم منحه شهادة إنهاء خدمة جاء فيها على لسان رئيسها التنفيذي آنذاك فيصل بن شملان بأن سالم عبدالعزيز قام أثناء عمله في الهيئة بتقنين ووضع الاختصاصات لأقسام الإدارة بكفاءة، وله شخصية طيبة ومحببة وكان يقوم بأعمال الرئيس التنفيذي أثناء غياب الأخير، ويستخلص من ذلك أن التكنوقراط الحضارم (وهناك شواذ لا حكم لهم) يتأففون من العمل في المستنقعات الآسنة (خذ على سبيل المثال فرج سعيد بن غانم وفيصل بن شملان).

سالم بن عبدالعزيز من الرعيل المؤسس لنواة جامعة عدن

ورد في شهادة عبدالله فاضل فارع (كتاب التأبين - ص 95/96): «كنت أقوم مع اليونيسكو وجامعة بغداد على إنشاء كلية التربية العليا (هكذا كان اسمها عند التأسيس - يابلي) معينا لعمادتها وكان المرحوم سالم عبدالعزيز من الرعيل الأول المرشح مع خير فتيان الخريجين ومن سبقهم من الأساتذة الأفاضل ليكونوا نواة الملاك المحلي من مدرسي الكلية وإداراتها (كان المسجل حينئذ المغفور له بإذن الله حسين سالم العطاس- يابلي) على أن تفتح في بداية العام الدراسي 1972-71م بعد عودتي من زمالة اعداد لعمادتها».وفي العام 1974م، حصل الأستاذ سالم عبدالعزيز على منحة للدراسة في بريطانيا حيث التحق بكلية Moray House College of Education في ادنبرة (اسكتلندا) ومن هناك كتب مجموعة من القصائد الشعرية عنونها بـ«حافونيات» (كتاب التأبين- ص 16). وفي أكتوبر من العام 1957م انتخب رئيساً لقسم اللغات الأجنبية بكلية التربية العليا Higher college of Education وترأس قسم اللغة الإنجليزية لمدة عشر سنوات متتالية، أبلى خلالها بلاء حسنا في اداء واجباته مدرسا ومربيا محباً لزملائه ولتلامذته. في إطار جهود الأكاديمية لتطوير الكلية أبرم عدداً من اتفاقيات التعاون العلمي والأكاديمي مع بعض الأقسام العلمية النظيرة من الجامعات الهندية وانتدب كوكبة من اساتذتها المتخصصين في الدراسات الإنجليزية من امثال البروفيسور كريشنا وماثيو ورزفي الذين أسهموا في وضع المناهج الدراسية لهذا القسم.

سالم عبدالعزيز في كوريا والنمسا والهند وبريطانيا

شد سالم عبدالعزيز الرحال إلى أصقاع العالم، شرقاً وغرباً، منها كوريا والنمسا والهند وبريطانيا وغيرها من الاصقاع وهدفت زياراته إلى إبرام اتفاقيات أو مشاركة في ندوات أو الاطلاع على تجربة التعليم الجامعي وتبادل الخبرات العلمية مع جامعاتها (خذ مثلاً زيارته لكوريا) أو المشاركة في ورشة عمل (خذ مثلاً مشاركته في ورشة العمل التي نظمها مركز دراسات الثقافة الأمريكية واللغة في سانز بورج في النمسا في الثلث الأخير من عام 1995م).

سالم عبدالعزيز ومحطات مكتبة الكونجرس والمكتبة البريطانية ومعجم البابطين

أودع الاستاذ سالم عبدالعزيز نسخاً من ديوانه (باللغة الإنجليزية):

(200 Closed Couplats) - «مائتا كوبليه مقفلة) في مكتبة الكونجرس الأمريكي والمكتبة البريطانية، كما اعتمدت مؤسسة سعود البابطين للإبداع الشعري اسم الاستاذ سالم عبدالعزيز في العام 1995م في المجلد الثاني من معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين، الذي يعد أول عمل موسوعي تتولى مؤسسة البابطين تأليفه والذي يضم تراجم ومختارات الشعراء العرب المعاصرين داخل الوطن العربي وخارجه ونشرت في ذلك المعجم ثلاث قصائد هي:(البلاغ) و(نداء الأعراق) و(الحب الصافي). (كتاب التأبين- ص18).

سالم عبدالعزيز وجهود قلمية في دائرتي الكتاب والتأليف

بالإضافة لديوان «200 كوبليه مقفلة» (باللغة الإنجليزية)، هناك ايضاً مجموعتان شعريتان معدتان للنشر باللغة العربية، هما (والعشق ايضاً يمانٍ) و(قصد حضرمية) وللأستاذ سالم عبدالعزيز قصائد مغناة منها (فين الهناء يا قمر) للدكتور عبدالرب إدريس.

للأستاذ سالم عبدالعزيز كتابات مبكرة نشرتها صحف ومجلات منها «الفكر» و«الطليعة» و«الحكم» كما كتب في السنة الأخيرة من عمره في مجلة الجامعة «آفاق جامعية» وكان له فيها عمود ثابت عنوانه (تقويم اللسان) حاول من خلاله تصويب بعض الأخطاء الشائعة في اللغة العربية. ترك الاستاذ سالم عبدالعزيز مشاريع علمية لم تر النور بعد وتعتبر رافداً في إثراء الفكر اليمني والعربي والإنساني منها: «قاموس المصطلحات اللغوية» (إنجليزي - عربي) و«التعابير الحضرمية في الليالي العربية (الف ليلة وليلة)» و«النظريات اللغوية عند العرب في القرن الرابع الهجري» (باللغة الإنجليزية).

سالم عبدالعزيز في موكب الخالدين

نعى الناعي وفاة الاستاذ سالم محمد عبدالعزيز، مدير مركز الدراسات الإنجليزية والترجمة بجامعة عدن عصر الأحد، الموافق 3 يوليو 2005م عن عمر ناهز الـ(66) عاماً بعد رحلة عطاء خصب جاوز الأربعين عاماً، وخلف الفقيد الكبير سجلاً ثريا وناصع الصفحات وقطاعاً واسعاً من الطلاب والأصدقاء الأوفياء وأرملة وأربعة أولاد هم: -1 عمر، -2 علي(أبو سالم)، -3 نادية، -4 نجوى، وللأربعة الأبناء مداخلات في كتاب التأبين المكرس لأبيهم الراحل، كما رثاه أخوه الاستاذ خالد عبدالعزيز بقصيدة طويلة ناهزت آلـ (63) بيتاً ورثاه أخواه أنيس محمد عبدالعزيز ومزهر محمد عبدالعزيز. أما الباحث جمال السيد وهو من طلاب الاستاذ سالم عبدالعزيز فقد كتب في مداخلته: «كان أخو خالد (أي الاستاذ سالم) مرجعاً ثقيلاً وهو يشكل مع الأساتذة: د. جعفر الظفاري وعبدالله فاضل فارع وأحمد الجابري أقطاب المعرفة في عدن، وحين نضع هؤلاء الأربعة في الميزان يكون سواهم كجرير في ميزان الأخطل.».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى