ملاحظات بشأن المادة (54) من قانون الأحوال .. الشخصية اليمني الخاصة بفسخ الزواج للكراهية

> «الأيام» د. عبدالحكيم محسن عطروش:

> نصت المادة (54) من قانون الأحوال الشخصية اليمني رقم 20 لسنة 1992م على ما يلي: «إذا طلبت المرأة الحكم بالفسخ للكراهية وجب على القاضي أن يتحرى السبب, فإن ثبت له عيّن حكما من أهل الزوج وحكما من أهلها للإصلاح بينهما, وإلا أمر الزوج بالطلاق, فإن امتنع حكم بالفسخ وعليها أن ترجع المهر».

وأبرز ما يمكن ملاحظته بشأن هذه المادة أنها عبرت عن الفسخ للضرر بمصطلح آخر هو الفسخ للكراهية. قد يوحي هذا المصطلح بأن مفهومه ينصرف إلى الخلع بدليل العبارة الأخيرة من هذه المادة حيث تقول : «وعليها أن ترجع المهر». ولكن إذا تأملنا النظر فيها أرى أن المقصود بالكراهية هي تلك الكراهية الناجمة عن إضرار الزوج بزوجته. وفي هذا الخصوص يقول فضيلة العلامة محمد بن يحيى المطهر(1): «من الخيارات للزوجة في الفسخ ما اختاره بعض العلماء للكراهية المستحكمة من الزوجة للزوج, ولاستحكام الكراهية هذه أسباب منها:

1- الإضرار المتعمد من الزوج لها إما لكي تفتدي منه لكراهته لها, وابتغائه الاستبدال بغيرها, وإما لشكاسة أخلاقه, وعدم شعوره باحترام الرابطة, وذلك بإساءة معاملته لها بالضرب والهجر لغير تأديب مشروع, أو بالإفراط في ذلك أو بالشتم المقذع المتواصل أو بمحاولته إكراهها على محرم, أو على بذل مالها له , أو إعراضه المستمر عنها لغير سبب مشروع, وغير ذلك من الأسباب التي لا تصلح معها معاشرة زوجية مما يتنافى مع ما أوجبه الله تعالى من الإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.

2- إساءة تعامل الزوج مع الله, كأن يكون مدمنا للخمر مما قد يتسبب معه ضربها, وتخوفها من الأذى الذي قد يصدر منه حال السكر لفقدان عقله فتصبح حياتها معه جحيما لا تطاق.

3- أن تكون بالزوج صفات ذميمة خلقية كدمامة في الخلق أو قصر مفرط في القامة ونحو ذلك مما يجعل طابع هذه الزوجية الشقاق والنفور الدائم ولا يتأتى معه إقامة حدود الله التي حددها الشارع عند إقامة هذه العلاقة الزوجية بين الأزواج من الطاعة والتعاون والتراحم.

فبالنسبة للسبب الثالث للكراهية وهو أن تكون بالزوج صفات دميمة خلقية فقد نظم المقنن اليمني أحكام هذا النوع من الكراهية في المواد(72- 74) من قانون الأحوال الشخصية رقم 20 لسنة 1992م المعدل بالقانون رقم 27 لسنة 1998م. وهذه المواد متعلقة بالخلع الذي هو عبارة عن فرقة بين الزوجين في مقابل عوض من الزوجة الكارهة لزوجها لا يزيد عن مقدار المهر. وقد روى البخاري عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله زوجي ثابت لا أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتردين عليه حديقته. قالت نعم, فقال الرسول: «اقبل الحديقة وطلقها تطليقة».(2) ولا أتصور أن ينظم المقنن اليمني مسألة الخلع في مواد تختلف أحكامها عن الأخرى. مثلا كأن يعتبر الخلع طلاقا بائنا حسب المادة (74) ويعتبره كذلك فسخا بحسب المادة (54) من القانون.

أما بالنسبة للسبب الثاني للكراهية وهو أن يكون الزوج مدمنا للخمر أو المواد المخدرة, فقد نظم المقنن أحكام هذه المسالة في المادة (55) من قانون الأحوال الشخصية حيث تنص: «إذا طلبت المرأة الحكم بالفسخ لإدمان الزوج الخمر أو المواد المخدرة وثبت ذلك تحكم المحكمة بفسخ الزواج ولا يرد المهر». وكما هو مشاهد مع كثير من مدمني هذه الخمرة الملعونة قد لا يحصل من الزوج الأذى البدني للزوجة, ولكن الزوج يوظف جل ما يكسبه من الرزق لشراء هذا الكيف الخبيث اللئيم مما يتسبب معه سوء المعيشة للزوجة ولأولادها فتتعمق الكراهية أكثر كلما استمر على هذه الحال.(3) بقي معنا السبب الأول للكراهية وهو الإضرار المتعمد من الزوج وهذا هو المتعلق بالمادة(54) من القانون. ومصدر هذه المادة مذهب المالكية (4). ويشير فضيلة العلامة محمد بن يحيى المطهر إلى أن الفسخ للكراهية والضرار مذهب مالك وأحد قولي الشافعي ورواية عن أحمد وبعض فقهاء الحنفية, وجعلوا للحكمين الحق في الإصلاح أو التفريق إن تعذر الإصلاح.(5)

والذي يبدو لي - والله أعلم بالصواب - أن صياغة هذه المادة غير سليمة وجانبت الصواب , كما أن فيها العديد من النواقص. ويمكن توضيح ذلك في الآتي:

1- جعلت مصطلح الفسخ للكراهية مطلقا والأولى تحديده إذ أن الإطلاق في الاصطلاح يعطي إطلاقا في التفسير الأمر الذي قد يبعد النص عن فهمه الصحيح وتطبيقه بما يتعارض والحكمة التي قنن من أجله. والذي يبدو لي أن المصطلح المناسب لهذه المادة هو “الفسخ للضرر” أو الفسخ للكراهية بسبب الضرر. الجدير بالذكر أن هناك العديد من القوانين العربية التي أخذت باصطلاح الضرر الموجب للفرقة نذكر على سبيل المثال قانون الأحوال الشخصية المصري رقم 25 لسنة1929م المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985م, حيث أشار في المواد من(6-11) إلى أحكام الشقاق بين الزوجين والتطليق للضرر. كما تطرق قانون الأحوال الشخصية الكويتي رقم 51 لعام 1984م إلى أحكام التفريق للضرر في المواد من (126- 135). كما تناول قانون الأحوال الشخصية الإماراتي رقم 28 لسنة 2005م إلى أحكام التفريق للضرر والشقاق في المواد من (117-123).

2- جعل المقنن مهمة الحكمين اللذين يعينهما القاضي هو للإصلاح بين الزوجين, بعد تحري السبب الذي ثبت له. وأعتقد أن هذه مهمة القاضي الذي عليه أولا بذل المحاولات الحثيثة للإصلاح بين الزوجين. وفي هذا الخصوص يشير فضيلة العلامة محمد بن يحيى المطهر بما يلي: «فإذا تقدمت (المرأة) إلى الحاكم طالبة الفرقة فيحسن أولا بالحاكم بذل المحاولة المتكررة للإصلاح بين الزوجين بعد التعرف على الأسباب التي أوجبت ذلك النفور الذي قد يكون لا لتنافر في الطباع, وإنما لأسباب عارضة قد تزول».(6) ومن القوانين العربية التي أشارت إلى مهمة القاضي في الإصلاح بين الزوجين قانون الأحوال الشخصية الأردني رقم 61 لسنة 1976م. فقد نصت الفقرة (أ) من المادة(132) على أنه: «إذا كان طلب التفريق من الزوجة وأثبتت إضرار الزوج بها بذل القاضي جهده بأن يصلح بينهما». أما إذا كانت هناك من الأسباب الجوهرية الموجبة للفرقة كالتعدي على الزوجة والإضرار بها واستطاعت الزوجة إثبات ذلك التعدي فيجب على القاضي في هذه الحالة أن يأمر الزوج بطلاقها فإن رفض حكم القاضي بالفسخ دون إرجاع المهر.

أما إذا عجز القاضي عن الإصلاح بين الزوجين أو عجزت الزوجة عن إثبات الضرر الواقع عليها من الزوج فيعين القاضي حكمين, أحدهما من أهل الزوج والآخر من أهل الزوجة للإصلاح بين الزوجين ومعرفة أسباب الكراهية, فإن استطاعا في ذلك فقد تحقق المراد من مهمتهما.

3- يتبين من صياغة المادة أن مهمة الحكمين هو الإصلاح بين الزوجين, ولكن لا تبين ما هي مهمتهما في حالة عجزهما عن الإصلاح. بل قد يفهم من صياغة المادة أن القاضي في هذه الحالة يأمر الزوج بطلاق زوجته. وأعتقد أن مهمة الحكمين في حالة العجز عن الإصلاح هو تقديم قرارهما إلى القاضي. فإن قررا أن الزوج هو المتعدي على زوجته بإضراره المتعمد عليها وجب على القاضي أن يأمر الزوج بطلاقها.

4- تبين المادة أنه في حالة امتناع الزوج عن طلاق زوجته حكم القاضي بالفسخ وعليها أن ترجع المهر. وأعتقد أن هذه مفارقة عجيبة, إذ أن المقنن هنا يكافئ الزوج المسيء بدلا من معاقبته ولا أتصور أن هذه غاية التشريع الذي حفظ وصان حقوق المرأة من العبث ومن الظلم والعدوان. فالله سبحانه وتعالى يقول ?{?وإن أردتم استبدال مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً».(7) وبناء على ذلك فإذا تبين للحكمين أن هذا الزوج مسيء ومشاكس وتغلب عليه طبيعة الإضرار بالزوجة ولم يبق مجال لإبقاء الحياة الزوجية, ورفعا تقريرهما بذلك إلى القاضي, فإن على القاضي في هذه الحالة الفسخ للضرر اللاحق بالزوجة ولا مهر عليها إرجاعه للزوج, لأن ذلك السبب صادر من جهته لا من جهتها. فلو قرر القاضي أن عليها رد المهر لحملنا الزوجة كارثتين: كارثة الضرر الواقع عليها من الزوج وكارثة رد المهر, ولا أتصور أن الشريعة الإسلامية ترضى بذلك حيث يقول تعالى: ?{?ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن?}?.(8) كما يقول أيضا: ?{?ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا?}?.(9), كما يقول تعالى: ?{?ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن?}?(10) أي لا تضاروهن في العشرة لتترك ما أصدقتها أو بعضه أو حقا من حقوقها عليك أو شيئا من ذلك على وجه القهر لها والإضرار.(11) ويقول الرسول الكريم : «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام».(12)

5- لا تبين المادة(54) تاريخ بدء وانتهاء مهمة الحكمين. ومن القوانين العربية التي أشارت إلى هذه المدة قانون الأحوال الشخصية المصري حيث نصت المادة (8), الفقرة (أ) على ما يلي: «يشتمل قرار بعث الحكمين على تاريخ بدء ونهاية مأموريتهما على ألا تجاوز مدة الستة أشهر وتخطر المحكمة الحكمين والخصم بذلك». كما نصت الفقرة (ب) من نفس المادة بأنه: «يجوز للمحكمة أن تعطي للحكمين مهلة أخرى مرة واحدة لا تزيد على ثلاثة أشهر...». أما قانون الأحوال الشخصية الإماراتي فقد حدد هذه المدة بتسعين يوما مع جواز مدها مرة أخرى دون تحديد مدة التمديد. فقد جاء في الفقرة (2) من المادة (118) منه ما يلي: «ويجب أن يشمل حكم تعيين حكمين على تاريخ بدء المهمة وانتهائها على ألا تجاوز مدة تسعين يوما, ويجوز مدها بقرار من المحكمة...». وأرى أن ينص القانون اليمني على تحديد تاريخ بدء وانتهاء مهمة الحكمين بثلاثة أشهر على أنه يجوز تمديدها ثلاثة أشهر أخرى.

6- لم تتطرق المادة(54) إلى مسألة احتمال اختلاف الحكمين في تقريرهما, ففي هذه الحالة يفترض إضافة حكم ثالث مرجح. ومن القوانين التي أشارت إلى ذلك قانون الأحوال الشخصية المصري حيث نصت المادة (11) منه على ما يلي: «على الحكمين أن يرفعا تقريرهما إلى المحكمة مشتملا على الأسباب التي بنى عليها, فإن لم يتفقا بعثهما مع ثالث له خبرة بالحال وقدرة على الإصلاح وحلفه اليمين». أما قانون الأحوال الشخصية الكويتي فقد نصت المادة (131) الفقرة (ب) منه على ما يلي: «وإذا اختلف الحكمان ضمت المحكمة إليهما حكما ثالثا مرجحا من غير أهل الزوجين قادرا على الإصلاح». وبناء على ما تقدم من ملاحظات أرى أن المادة (54) من قانون الأحوال الشخصية اليمني بحاجة إلى إعادة صياغتها وضبط اصطلاحها, كما أنها بحاجة إلى إضافات خاصة فيما يتعلق بمهمة الحكمين , إذ أن المادة بهذه الصورة قد تبدو غير واضحة, وساعد على ذلك عدم وجود مذكرة إيضاحية للقانون. لذلك من الطبيعي أن تختلف الأحكام القضائية عند ما تعرض للمحاكم مسألة يتم على أساسها تطبيق المادة (54) بحسب اختلاف فهم القضاة لها. لهذا أرجو أن أكون قد وفقت في توضيح هذه المادة خدمة للعلم, فإن أصبت فهو من عند الله وإن أخطأت فهو من عندي, والله من وراء القصد.

هوامش

1- محمد بن يحيى المطهر, أحكام الأحوال الشخصية من فقه الشريعة الإسلامية, الجزء الأول, دار الكتاب المصري, القاهرة, دار الكتاب اللبناني , بيروت, 1405 هـ - 1985م, ص 216- 217.

2- صحيح البخاري, باب الطلاق, رقم الحديث(4971).

3- محمد بن يحيى المطهر, نفس المرجع, ص 217.

4- د. عبدالحكيم محسن عطروش, أحكام الأسرة في قانون الأحوال الشخصية اليمني, دار جامعة عدن للطباعة والنشر 2000م, ص 153.

5- محمد بن يحيى المطهر, نفس المرجع, 220- 221.

6- محمد بن يحيى المطهر, نفس المرجع, ص 217.

7- سورة النساء, الآية 20.

8- سورة الطلاق, الآية 6.

9- سورة البقرة, الآية 231.

10- سورة النساء, الآية 19.

11- تفسير القرآن لابن كثير, ج1/ ص 441.

12- سنن ابن ماجه, ج 2 / ص 784 .

كلية الحقوق- جامعة عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى