قصة حياة شرف « التلال» محفوظ

> «الأيام الرياضي» متابعات:

> نعم لقد صدقت تنبؤات النجم الكبير والمدرب القدير أبو الكباتن علي محسن مريسي، وأضحى صاحب الجسم النحيل لاعبا لايشق له غبار، وهدافا من الطراز الفريد، امتد صيته على مستوى الساحة اليمنية، وتجاوزها إلى كافة أصقاع الوطن العربي الكبير الذي صار له الهداف الأول بعد أن كان هدافا لليمن.

لم تبهره الشهرة الواسعة التي كسبها خلال مشواره الطويل مع معشوقته .. معشوقة الجماهير..الساحرة المستديرة.. فحافظ على تواضعه الجم الذي اتصف به وابتعد عن داء الغرور الذي يركب أقرانه فكسب إلى جانب حب جماهير ناديه نادي التلال الرياضي حب خصومه من محبي وأنصار الأندية الرياضية الأخرى..الكابتن شرف محفوظ الذي رأى النور في العشرين من يوليو عام 1966م وسط أسرة متواضعة تكونت من خمسة من الذكور وأربع من الإناث كان هو إبنها الأكبر، عشق مثله مثل أشقائه كرة القدم منذ الصغر، فراح الكل يداعبها في الملاعب الصغيرة لمدينة المعلا وإن كان شرف الوحيد من بين إخوته الأربعة الذين لعبوا كرة القدم الذي ذاع صيته وفاقت شهرته الكثير من لاعبي كرة القدم بعد أن كان حظه أفضل من شقيقه حلمي الذي لعب حارسا لمرمى نادي شمسان وسنحت له الظروف لأن يشارك في الدفاع عن فانلة المنتخب الوطني ولكن نجمه سرعان ماخبا فابتعد عن الملاعب بينما لم يجد شقيقاه رياض ومحمد فرصة للظهور في الملاعب رغم أنهما انضما وتدربا في صفوف شمسان ولكنهما فضلا الابتعاد عن الملاعب.

شرف محفوظ شرف عشق حراسة المرمى لعشقه رؤية الاهداف ولكنه كان يشفق على أقرانه المهاجمين حينما يفشلون في هز شباكه فرأى أن يجرب حظه ليتحول للعب مهاجما يسجل الاهداف في الملاعب الصغيرة حتى أعجب به الكثيرون وفي مقدمتهم الكابتن علي محسن المريسي الذي أهداه بدلة رياضية وحذاء رياضيا تقديرا لموهبته الفذة وتنبأ له بأنه سيصبح لاعبا كبيرا وهدافا ماهرا يسجل الاهداف بقدميه ورأسه.

وفيما الطفل الصغير يفرز مواهبه ويفجرها في ملاعب المعلا الصغيرة كان والده يخشى عليه كثيرا من الاصابة فهو ابنه البكر ولذا لم يتردد في توبيخه وضربه ضربا مبرحا حتى يتوقف عن اللعب خوفا عليه من الاصابة وخوفا عليه من الفشل، ولم يكن والده يدرك أن شرف سيبقى سليما معافى وسيعمر 24 عاما في ملاعب كرة القدم وأنه لن يفشل ولكن سيجتاز سنوات دراسته وسيصبح خريجا جامعيا من كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة عدن في العلوم الإدارية.

إلا أن شرف يقول إنه قد تعلم من والده الكثير من الصفات الحميدة التي كان لها أثر في تكوين شخصيته وفي مقدمتها التواضع إلى حد البساطة والاخلاص حتى التضحية والحب بعطاء والصبر والتحدي وقوة التحمل والتسامح والشرف ليكون بحق شرف.

ولم ينس شرف في كل مشواره الكروي إسداء الشكر والثناء لوالدته التي كانت له عونا وأمدته بلمساتها الحانية وعطفها الفياض ودعائها المتواصل لله بأن يحرس شرف من إصابات الملاعب وعيون الحساد.

الرحلة الثالثة لشرف كانت إلى مراسي قلعة صيرة التي تفجرت فيها نجومية شرف الذي لعب ضمن فريق الناشئة تحت قيادة المدرب الكابتن خالد عبدالله قاسم في موسم 83/82م وليخوض مع زملائه دوري الناشئين ويتمكن التلاليون من تصدر مجموعتهم التي ضمت التلال والوحدة والجيش والشرارة ويتأهلون إلى الدور نصف النهائي ليواجه شرف الفريق الذي كان محطته الأولى، ويفوز التلال على شمسان بهدفين نظيفين كان لشرف شرف تسجيل أحدهما وسط احتجاج البعض من شمسان بأن شرف لاعب مقيد في شمسان.

الناشئ شرف خاف أن ينكشف أمر تسجيله لاستمارة العضوية في شمسان وضاعف من خوفه ذلك توقعه لحجم العقوبة التي يمكن أن يصدرها بحقه اتحاد الكرة والتي كان يمكنها أن تقضي على لاعب فذ.

الشمسانيون كانوا على حق في أن شرف قد عبأ استمارة العضوية في ناديهم ولكنهم عجزوا عن إثبات قيده في سجلات اتحاد الكرة الذي لايعترف بانتساب أي لاعب إلا بعد أن يتم تقييده على استمارة سجلاته وبعد أن يوقع اللاعب أمام مسئوليه القيد الذي نسي الشمسانيون أن يقوموا به فضاع احتجاجهم في المشمش فيما صعد التلال إلى المباراة النهائية لملاقاة حسان ليخسر أمامه ويكتفي بلقب الوصيف، خسر التلال لكنه في الوقت نفسه كان قد كسب لاعبا خلوقا ومهاجما فذا وفلتة من فلتات الزمان اسمه شرف محفوظ شرف، يجيد اللعب بالقدمين ويمتلك رأسا ذهبية.

لم يستمر شرف طويلا مع الناشئة إذ سرعان ماتم تصعيده إلى فريق الشباب في الموسم الذي يليه فيما خدمته ظروف المنتخب الوطني في أن يجد موقعا له في الفريق الأول لنادي التلال ضمن شياطين القلعة الحمراء عندما أقر مدرب الفريق الأول الكابتن سعيد محمد دعالة تصعيد تسعة من اللاعبين الشباب والناشئين لتغطية النقص الذي تركه لاعبو النادي المشاركون ضمن المنتخب الوطني فكان موسم 85/84 نقطة الانطلاقة الواثقة لشرف محفوظ نحو عالم النجومية.

وكما استطاع شرف محفوظ أن يثبت أقدامه ضمن عمالقة الكرة التلالية رغم نحالة جسمه فقد استطاع كذلك أن يجد لنفسه طريقا سالكا نحو المنتخبات الوطنية منذ عام 1984م حين اختير من قبل الكابتن عبدالله علي خوباني ضمن 56 لاعبا لمنتخب الناشئين ليتدرج ضمن صفوف المنتخبات وعلى مدى 16 عاما لاعبا أساسيا فيها رغم أنه خرج من مباراة المنتخب الاولى أمام المنتخب القطري محمولا على نقالة.

لم يقتصر حلم شرف على اللعب ضمن المنتخب اليمني فقط ولكنه كان يتوق لأن يمثل اليمن الكبير وهو ماتحقق له حين اختاره الكابتن عزام خليفة ضمن 16 لاعبا مثلوا الشطر الجنوبي من اليمن في المنتخب اليمني الموحد عام 1988م الذي لعب أربع مباريات حبية قبل الوحدة اليمنية المباركة وسجل شرف فيها أول أهداف المنتخب اليمني الموحد في مرمى المنتخب الأثيوبي.

وعقب تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م كان شرف واحدا من تشكيلة أول منتخب يمني يولد في ظل الجمهورية اليمنية بقيادة المدرب البرازيلي أحمد لوسيانو،ويسجل شرف أول أهداف هذا المنتخب في مرمى المنتخب الماليزي والذي يعتبره أغلى أهدافه إلى جانب هدف التلال الذي سجله في مرمى الرفاع الغربي البحريني عام 1992م والذي حمل التلال إلى الدور الثاني لبطولة الأندية الآسيوية أبطال الدوري، وإن كان شرف يعتبر هدفه الذي سجله بمرمى المنتخب الهندي في التصفيات الآسيوية عام 1987م هو الأجمل والأحسن بينما يعتبر شرف أسوأ أهدافه التي سجلها ذلك الهدف الذي هز به شباك مرمى شقيقه حلمي حارس مرمى شمسان لأن ذلك الهدف كان سببا في أن يقوم الكابتن عادل إسماعيل باستبدال حلمي من حراسة المرمى، أما الهدف الذي ندم شرف على إضاعته فهو هدف الفوز الذي كان سيسجله في مرمى وحدة عدن في بطولة كأس الفقيد علي محسن مريسي الثالثة في موسم 96/95م ليفوز الوحدة في الوقت الإضافي بهدف خالد العسل.

شرف محفوظ لم يفارق التلال قط واستطاع أن يحقق التفوق فيه عندما سجل (121) هدفا في مشواره في منافسات الدوري العام و(12) هدفا في مشواره في بطولات الكأس بإجمالي (133) هدفا منها (43) هدفا قبل الوحدة و(90) هدفا بعد الوحدة ليحتل المرتبة الاولى في قائمة هدافي التلال وكان بإمكانه مضاعفة تلك الاهداف لولا احترافه في موسم 98/97م مع تضامن صور لموسم واحد بعد أن وجد نفسه مجبرا على العودة في الموسم الذي يليه إلى الوطن بعد أن رفضت الخطوط الجوية اليمنية التي يعمل فيها تمديد فترة تفرغه ليعود للتلال ويقوده منذ موسم 2000/1999 وحتى يوم اعتزاله وقيادته للتلال في انتزاع درع الدوري العام لموسم 2005/2004م وليدافع عن فانلة المنتخب اليمني حتى التصفيات الآسيوية لكأس العالم 2002 بقيادة المدرب البرازيلي أحمد لوسيانو حيث بلغت مباريات شرف الدولية الرسمية (33) مباراة من بينها أربع مباريات خاضها مع فريقه التلال إلى جانب ماخاضه من مباريات دولية حبية.. وخلال 24 عاما من العطاء والتواضع والتضحية والحب والاخلاص الذي تميز به شرف محفوظ إلى جانب ماتميز به من خطورة في ملاعب الكرة فإن الابتسامة لم تفارق شفتيه قط حتى وهو يتعرض للظلم والإجحاف ويحصل بموجبهما على البطاقة الحمراء الوحيدة في مشوار حياته الرياضي.

لم يكن شرف التلال محفوظ لاعبا محترفا ولكنه كان للكرة هاويا وللتلال عاشقا وللقلعة الحمراء مدافعا.. حرص على الدفاع عن حقوق زملائه اللاعبين دون أن يتكلم عن حقه وحقوقهم المنقوصة التي كانت تدفع له في زمن لم يكن يعترف إلا بالفهلوة وبمن لسانه أطول.

ومع ذلك فقد ساهم شرف محفوظ في أن يحقق للتلال العديد من البطولات آخرها قيادته للتلال في تحقيق درع الدوري اليمني لموسم 2005/2004م ومعها حقق لنفسه الكثير من الإنجازات وآخرها تحمله لمهمة قيادة التلال كمدرب مكن التلال من تجاوز مراحل الخطر التي كانت تداهمه ليحقق له وبه الميداليات البرونزية لموسم 2006/2005، وإن كنا نعتبر حب جماهير الكرة لشرف هو أكبر إنجاز حققه ولم يحققه لاعب قبله تماما، كما لم يحقق لاعب قبله لقب هداف العرب الذي انفرد به شرف اليمن المحفوظ حتى تركه للملاعب.

شرف الغد الأجمل

فؤاد باضاوي

غداً تلملم عدن الحبيبة أشتاتها وتحملك على أعناق الوفاء في يوم عرسك الكبير وتغسل أحزانها لتجعل يوم وداعك عرسا فرائحيا يرتقي إلى مستوى عطائك وإبداعاتك وإخلاصك وأخلاقك الحميدة النبيلة، غداً ستتذكر الحبيبة ومعها كل عشاقك وعشاق المتعة زمن الكرة العدنية الجميل وغداً سيقولون للزمان إرجع يا زمان الانتصارات الكبيرة والأهداف البديعة والتلال الأصيل، تلال المجد والعز الكروي، وسيتذكرون موسم أول بطولة دوري تلالية في عهد الوحدة صبغتها أهدافك العزيزة الرائعة باللون الأحمر بثلاثيات المتعة والإمتاع لجوهرة التلال وماستها الثمينة وبارك الانتصارات، وعازف الألحان عمر، وزارع البسمة أنت يا شرف محفوظ.. وخذ وهات.. ويا شرف جيب الجول.

غداً ستحيي عدن الوفاء ليلتك الكبيرة وتتوج مشوار العطاء البديع، ولعدن مع الوفاء لأحبابها وعشاقها صولات وجولات.. نعم ستكرمك عدن وتكرمك لأنك أحد صناع مجدها وعشقها الكروي وماضيها العريق ومعها سيكرمك الوطن والضيوف من أرض الكنانة والعربية السعودية، ولتعلم يا ابن التلال أن الأوفياء والمبدعين والكبار تحفظهم القلوب ويسجلهم التاريخ في أنصع صفحاته وأنت منهم ياشرف.

غداً ستغسل دموع الوداع مآقي المحبين في شهد عرس عنوانه (الشهد والدموع) وبمثل ما قدمت وأعطيت وأبدعت وأمتعت ستلقى من أهل عدن والوطن التكريم الذي يليق بمسيرتك الظافرة وسيرتك العطرة في ملاعب الكرة داخليا وخارجيا، وغداً ستكون يا شرف العريس والفرح والأحزان، ومن أجلك ستتوحد كل ألوان الطيف وتنصهر في لون واحد هو لون التلال الأحمر، وسيردد الجميع.. الله يا شرف.. الله يا تلال.

ومثلما أبكتك صيحات جمهور ملعب الحبيشي وأنت تسجل أجمل الأهداف وتصنع انتصارات تلالها، ستبكيك غداً وأنت تلوح لها مودعا حين تناديك (إبق يا شرف ولا ترحل عنا) وستتلقى منك قبلات الحب والوفاء التي طالما وزعتها على مدرجات الملاعب وخاصة ملعب (الشهيد الحبيشي) الكسيح اليوم مع اختلاف الزمن بين التواصل والوداع.. وشتان بين هذا وذاك وما أصعب الفراق يا شرف! ولكنها سنة الحياة، فلكل بداية نهاية، وسيكون مهرجان اعتزالك عرسنا الأجمل وليلتنا الكبيرة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى