الزميل نجيب يابلي في ختام أعمال ندوة الوحدة الوطنية بجامعة عدن:أفلح العابثون بالأرض والسكان في غرس التشطير في نفوس أبناء المحافظات الجنوبية

> عدن «الأيام» نبيل مصطفى مهدي:

>
أ.د. عبدالوهاب راوح والزميل نجيب يابلي في الندوة العلمية بجامعة عدن
أ.د. عبدالوهاب راوح والزميل نجيب يابلي في الندوة العلمية بجامعة عدن
اختتمت ظهر أمس بجامعة عدن أعمال الندوة العلمية «الوحدة الوطنية صمام أمان المستقبل» التي نظمتها جامعة عدن ومؤسسة «الثورة» واستمرت على مدى يومين,وفي الجلسة الختامية أكد أ. د. عبدالوهاب راوح رئيس جامعة عدن أن الندوة «حملت عنوان (الوحدة الوطنية) التي تعتبر قضية استراتيجية والبشر من أقدم العصور تسعى لتتوحد فهناك الوحدة القبلية، الرابط الجغرافي، الرابط العائلي، والرابط العرقي وإن الإنسان حيوان مدني كما تقول حكمة يونانية، ومع تطور العلاقات اتجه نحو المدني وهو الانتماء للتربة وحيث يتم الانتماء للتربة تلغى الارتباطات الأفقية ونتجه نحو الوطن ومن هنا جاء مصطلح الوطنية».

وأضاف:«نحن في بلادنا شأننا شأن سائر البشر ولكن لا تكون الدولة دولة ولا الاستقرار استقراراً إلا متى تحولنا عن الولاءات الأخرى. فالوطن وطن الجميع والأرض ارض الجميع وسماء اليمن سماء للجميع فدائما الأولوية للوطن». واختتم حديثه بالقول:«اليمن موحد تاريخياً وموحد ثقافياً ولليمن كيان قائم حتى ما بعد الوحدة واليمن أمة قبل أن تكون أرضاً واليمن أمة قبل أن تكون دولة. وجاءت الوحدة المباركة أعادت هيكلة الأرض لتلتئم مع وحدة الإنسان، لهذا الوحدة اليمنية هي الأم وهي الحاضر وهي البيت ومع الوحدة علينا أن نتحرر من الولاءات التحتية فنحن جميعا الأنا اليمنية».

وكانت الندوة قد بدأت جلستها الثانية، صباح أمس، التي ترأسها كل من د. حسين باسلامة والزميل نجيب يابلي والتي استكمل فيها تقديم جميع الأوراق العلمية.

وقدمت د. رخصانة إسماعيل ورقة بعنوان «دور المرأة في تربية جيل متحد الفكر والهوية»، كما قدم الباحث والكاتب نجيب يابلي ورقة «سلامة المخرجات صمام أمان المستقبل»، تلتها ورقة «الوحدة الوطنية وأثرها في أداء السياسية الخارجية للدولة» للدكتور عادل بكيلي، وقدم د. عبدالله النهاري «المناهج ودورها في تعميق الولاء الوطني» فيما قدمت ورقة حول العلاقة الجدلية بين الاستقرار الوطني والنمو الاقتصادي من قبل د. سالم مبارك سالم، ثم ورقة «رسالة البحث العملي والدراسات العليا في تعميق الوحدة الوطنية» من قبل د. أحمد سعيد بن سرور والأستاذ علي عبده الدوش، بعدها الورقة الأخيرة «الخطاب الإعلامي ودوره في ترسيخ الولاء الوطني» من قبل د. عبدالله الحو.

بعد ذلك تم تقديم المداخلات والنقاشات من قبل المشاركين على الأوراق المقدمة. وكان المشاركون قد رفعوا برقية شكر لفخامة رئيس الجمهورية الأخ علي عبدالله صالح.

ورقة الزميل نجيب يابلي:

«اسمحوا لي بادئ ذي بدء بأن أقدم بين أيديكم شارتين ضوئيتين لتدركوا ماذا أريد منها:

الشارة الضوئية الأولى:

سئل الأسكندر الأكبر عن أعدائه وأصدقائه، فقال: لقد استفدت من أعدائي أكثر مما انتفعت من أصدقائي، لأن أعدائي كانوا يعيرونني ويكشفون لي عن عيوبي، وبذلك أتنبه إلى الخطأ فأستدركه.. أما أصدقائي فإنهم كانوا يزينون لي الخطأ ويشجعونني عليه، فاللهم احفظني من أصدقائي.

الشارة الضوئية الثانية:

أقتطع هذه الفقرة من كتاب «ملوك العرب» لفيلسوف الفريكة أمين الريحاني: «ففي عدن تجد المسلم الذي يصلي إلى الله والفارسي الذي يصلي إلى الشمس والبانيان الذي يصلي إلى الأوثان والمسيحي مكرم الصور والصلبان والإسماعيلي صاحب الزمان واليهودي مسبح الذهب الرنان. كل هؤلاء يتاجرون ولا يتنافرون ويربحون ولا يفاخرون، والتاجر وطنياً كان أو أجنبياً لا يهمه من الحكومة غير الأمن والنظام..».

-1 (الوحدة الوطنية) والبدائل الأفضل

اسمحوا لي بالإعراب عن تحفظي على صياغة عنوان الندوة الموقرة على هذا النحو، لأن الوحدة الوطنية لم تكن في وقت من الأوقات صمام أمان للمستقبل، لأن ضمان المستقبل يتطلب تفكيراً استراتيجياً وإدارة عصرية ومورداً بشرياً مدرباً إلى آخر الشروط المسبقة لعملية التنمية وعلم المستقبليات FUTURLOGY وحبذا لو صغنا العنوان بموضوعية وعلمية بعيداً عن الحماس العاطفي وأرى أن البديل الأفضل من وجهة نظري:

تنمية المورد البشري صمام أمان للمستقبل أو الاندماج الاجتماعي الواعي والخلاق صمام أمان للمستقبل أو دولة العلم والإيمان صمام أمان للمستقبل.

من ناحية أخرى يوحي العنوان بتعددية الأطراف، لأنني عندما أقول وحدة وطنية فهذا اعتراف صريح بأن هناك وحدة بين طرفين على الأقل وعلى هذا النحو فلا بد من وجود عقد اجتماعي يرعى هذه الوحدة وإلا لأصبحت مالاً سائباً يشجع على السرقة ومن قراءة العنوان على هذا النحو يتبين للناظر أن «الهوية الوطنية» - وهي الأساس - غائبة تماماً، فاستخدمنا هذا التعبير العائم (الوحدة الوطنية).

-2 القبيلة هي الماضي وهي الحاضر:

يقع اليمن حالياً عند سفح الخط البياني للحضرية بين دول الجزيرة والخليج العربيين فنصيبه من الحضر %27 وهي أدنى نسبة بين دول المنطقة، وهو مؤشر واضح أن مجتمعنا لا يزال عصياً على التطور ليصبح مجتمعاً مدنياً، لأننا لو عدنا إلى التاريخ السابق على الإسلام لوجدنا أن المنطقة شهدت تشرذماً كبيراً بظهور دويلات واختفاء أخرى أو أن دويلات تعايشت مع دويلات في مناطق أخرى، فهناك معين وأوسان وقتبان وحضرموت وسبأ، وسبأ وذوريدان (أو حمير) وما كل تلك الدويلات إلا عبارة عن تكتلات قبلية سادت وبادت بفعل تكتلات قبلية أخرى والنقوش الواردة في كتب التاريخ اليمني (من مؤلفيها: زيد بن علي عنان، أحمد حسين شرف الدين ومطهر الإرياني وغيرهم) تبين أن تاريخنا كله غزو داخلي وما يلحقه من تخريب وفرض جبايات والعودة بالغنائم المرضية وتقديم القرابين للآلهة حمداً على سلامة وصولهم من تلك المناطق.

«يعتبر كبار ملاك الأراضي حتى الآن هم شيوخ القبائل الذين يلعبون دوراً كبيراً في حياة البلاد السياسية» (فلادين أ. جوساروف وأدهم سيف الملوكوف: اقتصاد الجمهورية العربية اليمنية- ص 55 ، ترجمه إلى العربية وقدم له د. أحمد علي سلطان- مركز الدراسات والبحوث اليمني صنعاء)، وقد نشرت المجلة المصرية «البوليس» في 1959/11/9م الهيكل التالي لاستخدام الأرض في اليمن:

%82 من الأراضي المستخدمة - أراض انتقلت بالوارثة

%13 من الأراضي المستخدمة - أراضي الوقف، أي التابعة للهيئات والمؤسسات الدينية كالجوامع وغيرها

%5 من الأراضي المستخدمة - أراضي الدولة.

(مرجع سابق- اقتصاد ج.ع.ي).

واستناداً للمرجع السابق فإن «ثورة سبتمبر 1962م لم تحدث بعد تحولات في نظام ملكية الأرض باستثناء مصادرة أراضي الأسرة المالكة وإنشاء المزارع الحكومية كما لم يجر إصلاح زراعي ولا يزال الإقطاعيون والمشايخ كما في السابق هم المسيطرون في الريف اليمني» (ص 60).

أما الدكتور فؤاد الصلاحي فقد أورد: «ويرى بعض الباحثين أن دستور ج.ع.ي. لم يلغ الحق السياسي لطبقة الإقطاع فحسب بل أعطاها إمكانيات معينة لحكم وتوجيه البلاد وهذا يوضح أن العلاقات الإقطاعية لا تزال قوية في المجتمع اليمني» (الدولة والمجتمع المدني في اليمن، ص 54).

شهدت الفترة اللاحقة لقيام دولة الوحدة عقد عشرات المؤتمرات القبلية قبل وبعد حرب صيف 1994م منها (مؤتمر تضامن حاشد) و(مؤتمر سبأ) وحشد لهما الآلاف من أنصار قبائل حاشد من جهة، وقبائل بكيل ومذحج من جهة أخرى (المركز العربي للدراسات الاستراتيجية: اليمن بين المدنية والصراع الأهلي، للباحثة الأمريكية شيلاكار ابيكو، ترجمة عبدالكريم سالم الحنكي ص 15-14).

-3 المجتمع المدني حاضن الهوية الوطنية:

انتقلت المجتمعات المتقدمة عبر سلسلة تطورات إلى نظام سياسي ابتعد عن النظرة العمودية التي يكون ترتيب الناس فيها وفقاً لمراتب مجردة جامدة، إلى نظرة يكون الناس فيها متساوين سياسياً واجتماعياً تنظمهم سلطة مدنية تبتعد عن سلطة الكنيسة والقداسة كان أبرز من عبر عن ذلك جان جاك روسو في كتابه «العقد الاجتماعي» (مرجع سابق- د. فؤاد الصلاحي ص 23).

ارتبط مفهوم (المجتمع المدني) بتطور مفهوم الدولة في الفكر السياسي، وارتبط هذا المفهوم بمنظمات انتسبت له وعرفت بمنظمات المجتمع المدني، يتأطر الإنسان من خلالها لينشط في مجال معين: سياسي، أو نقابي أو نسوي أو طلابي أو غيره بحرية يكفلها الدستور للمواطن الذي ينتمي إلى وطن وليس إلى قبيلة، وتبعاً لذلك يكتسب هويته الوطنية وعلى أساس تلك الهوية ينبع منها حبه وولاؤه للوطن.

يقاس المجتمع بدرجة تطوره اجتماعياً وثقافياً وسياسياً واقتصادياً من خلال منظومة مؤسسات: الأسرة والمدرسة والمنظمات السياسية أو الثقافية أو الاجتماعية التي ينتمي إليها في إطار مجتمعه المدني ويسعى إلى تحقيق طموحه العام والخاص من خلال أجندته الخاصة أو أجندة مجتمعه، ولن يحقق أمانيه إلا بالعمل المؤسسي، الذي لا ينبت إلا في تربة الديمقراطية ويبدأ المواطن ممارسة الديمقراطية في مؤسسته الأولى، البيت ثم المدرسة وهكذا دواليك لتنتهي في مجلسه المحلي وينتقل بعد ذلك إلى الإطار الأعلى وكل الشخصيات السياسية في المجتمعات المتقدمة بدأت تبرز في الانتخابات المحلية (أو البلدية).

-4 الإفرازات السالبة لحرب صيف 1994م:

المقدمات:

4-1 الأرض:

إن للأرض مفهوماً ووظيفة، فهي الهوية عند الحضري والريفي على حد سواء ولا يمكن لأحد كائناً من كان أن يمس أرض القبيلة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أن للأرض وظيفة تتمثل في الوعاء الذي يستوعب مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية (مزارع ومصانع ومستشفيات ومتنفسات ووحدات سكنية وغيرها) على المديين العاجل والآجل.

لو سلمنا بصحة ودقة الإحصائيات الرسمية فإن عدد الأسر في محافظة إب على سبيل المثال قد بلغ 305.252 أسرة في تعداد عام 2004م، و58.883 أسرة في محافظة أبين و367.732 أسرة في محافظة تعز و349.309 أسر في محافظة الحديدة و105.013 أسرة في محافظة لحج، و90.667 أسرة في محافظة عدن، و124.809 أسر في محافظة حضرموت و53.065 أسرة في محافظة شبوة، ومن تلك البيانات تتعرف السلطات المختصة في ظل دولة الرعاية على احتياجات السكان المحليين إلى المساحات اللازمة لمواجهة التوسع السكاني والمشاريع التنموية المطلوبة.

إلا أن ما أثار حفيظة السكان المحليين في المحافظات الجنوبية عامة ومحافظة عدن خاصة أن مخططاً شيطانياً بدأ بعد الحرب واستهدف ابتلاع الأرض والمتنفسات الساحلية التي تم ردمها وصرفها بعقود تمليك في معظمها بالمجان، وبيعت بمبالغ كبيرة تراوحت بين خانتي الآحاد والعشرات من الملايين دار عائدها على المنتفعين والسماسرة في تجارة الأرض.

أخذت القضية بعداً سيئاً آخر، عندما بسط بعض العسكر على ملايين الأمتار المربعة إما بصور مباشرة وإما بزعم مهترئ أنها حرم معسكرات ومن ثم يبيعونها قطعاً.

4-2 السكان:

تبين للسكان في المحافظات الجنوبية بعد معاناة تجاوزت الـ 13 عاماً أن حرب صيف 1994م بكل تداعياتها التراجيدية استهدفت الأرض والسكان في المحافظات الجنوبية وتولد عندهم الاقتناع الراسخ بأن الوحدة لم تحقق بعد الاندماج الاجتماعي، وأن قضية المواطنة والهوية والوحدة الوطنية قد أصبحت في حكم المعدوم، وتبعاً لذلك فقد أفلح العابثون بالأرض والسكان في غرس التشطير في نفوس الجنوبيين بأن هناك (شمالاً) و(جنوباً).

واجه السكان في المحافظات الجنوبية ضروباً من التمييز بين ما هو شمالي وما هو جنوبي وكان من نصيبهم مثلاً تلقي أوامر بالبقاء في البيت والشروع في استبدال بطاقته الشخصية الجنوبية إذا أراد التعامل مع بعض المرافق مثل الهجرة أو المصارف في حين أن بوسع أخيه الشمالي التعامل ببطاقته الشمالية. هناك مظهر آخر من مظاهر التمايز في تعامل المرافق العامة مع الأوراق أو الاستمارات الرسمية فإن كانت من مخلفات ج.ع.ي. تم التعامل بها وإن كانت من مخلفات ج.ي.د.ش. تم إتلافها.

4-3 الممتلكات العامة

يتبادل السكان في المحافظات الجنوبية المعلومات عن مجريات الأمور في محافظاتهم بما يخص الممتلكات العامة التي تملكها أفراد مجاناً فمباني السفارات أو القنصليات العامة والمباني الرسمية للوزارات سابقاً في عدن والمنشآت الاقتصادية، وهي كثيرة في عموم المحافظات الجنوبية، منها مصنع الثورة للمنتجات الزراعية ومصنع الأدوات الزراعية ومصنع الأدوات المعدنية ومصنع الزيوت النباتية والمخبز الشعبي ومصنع الصابون ومصنع أوسان للبسكويت والمخبز الآلي والمؤسسة العامة للحفر والمؤسسة العامة للخضار والمؤسسة العامة للدواجن والمؤسسة العامة للمشروبات (صيرة) ومصنع المباني الجاهزة الذي أنشأه الرئيس الراحل سالم ربيع علي وتقدر مساحته بـ 24 فداناً ومزارع الدولة لا أحد يعرف عن مصيرها، بالإضافة إلى بعض المنشآت الاقتصادية والعسكرية التي آلت بالمجان إلى المؤسسة الاقتصادية مثل أحواض الملح ومساحتها 9 مليون متر مربع ونادي عروسة البحر السياحي بجولدمور بمديرية التواهي، لأن كل ما كان تابعاً لشركة التجارة الداخلية والخارجية في عموم المحافظات الجنوبية قد آل للمؤسسة الاقتصادية، ولنا تحفظ على ما جرى بل وعلى المؤسسة الاقتصادية نفسها.

4-4 الثروة العامة

من المظاهر التي أججت مشاعر العداء عند سكان المحافظات الجنوبية أن الثروة العامة في محافظاتهم قد أصبحت في مهب الريح، فثروة النفط وخدمات الشركات النفطية (تموين ونقل جوي ووكالات ورسوم حماية) يدخل عائدها إلى جيوب متنفذين في المحافظات الشمالية بالإضافة إلى الاتجار بالأراضي واستنزاف الثروات البحرية والتهريب من وإلى المحافظات الجنوبية يمارسها متنفذون من المحافظات الشمالية ولم يعد هذا السر خافياً على أحد.

4-5 فرص الدراسة والعمل:

من المظاهر اللافتة أن فرص الدراسة في دول شرق آسيا (خذ مثلاً ماليزيا والهند) ودول غرب أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا كلها من نصيب طلاب من المحافظات الشمالية، ولو أخذت الأمور بنظام المفاضلة لارتفع نصيب الطلاب من المحافظات الجنوبية كثيراً، لأن من المحزن أن أبناء متنفذين يدرسون في غرب أوربا أو الولايات المتحدة أو كندا متعثرون في دراستهم.

من المظاهر اللافتة أيضاً أن أبسط فرص العمل في المحافظات الجنوبية عامة وعدن خاصة تمنح لقادمين من المحافظات الشمالية، وبلغ الأمر حد العبث أن فرع البنك المركزي بعدن استقدم مراسلين للعمل فيه من خارج المحافظة واستأجر لهم سكناً بالعملة الصعبة وهذا لا يشكل استفزازاً للباحث عن العمل في المحافظة وحسب بل وإهداراً لا مبرر له في الإنفاق العام. قس على ذلك ما يجري في مختلف المرافق والمؤسسات، لأن ما يمنح لأبناء المحافظة يندرج في خانة (السخرة)، فهناك المئات منهم يعملون متطوعين على أمل الفوز بالتثبيت وهناك آلاف يعملون بنظام التعاقد ورواتب هذا النظام متدنية وسنوات الخدمة غير محتسبة إضافة إلى حرمانه من نظام التأمين الاجتماعي فسنوات الشباب تضيع هدراً ولم يكن مثل هذا النظام معمولاً به في المحافظات الجنوبية.

4-6: الأجهزة المحلية

من تحصيل الحاصل أن عدن هي أساس النظام الإداري والأجهزة التابعة له والعكس صحيح بالنسبة للمحافظات الشمالية، وبإمكان المشكك أن يراجع (التنمية الإدارية في الجمهورية اليمنية- دراسة نظرية وتطبيقية- الكتاب الأول للدكتور عبدالهادي حسين الهمداني- ص 245 حتى 310) وهناك محافظات أخرى أخذت نصيبها من النظام الإداري مثل حضرموت ولحج وأبين وفوجئ سكان تلك المحافظات بقدوم قيادات إدارية من خارج محافظاتهم لتحمل مسؤولية فروع الوزارات والمؤسسات لا سيما الإيرادية منها (وهي خط أحمر).

إن تفشي مثل هذا السلوك يوحي للمواطن في المحافظات الجنوبية أن الثقة فيه معدومة، وأنه مواطن من الدرجة الثالثة ويكفيه أنه على قيد الحياة أو هكذا يقال له إذا أبدى رد فعل على ذلك.

-5 الإفرازات السالبة لحرب صيف 1994م

النتائج

1:5 الإحالة الجماعية إلى التقاعد

من المظاهر السالبة واللافتة للنظر ظاهرة الإحالة الجماعية للتقاعد في صفوف العسكريين والمدنيين وتمثل تلك الظاهرة شكلاً صارخاً من أشكال التمييز ومثل هذا الشكل كفيل بتفتيت الوحدة الوطنية، لأنها ألغت الشريك الآخر في الوحدة والوحدة الوطنية هي الوجه الآخر للشراكة التي أسستها اتفاقية 30 نوفمبر 1989م وعلى أساسها قامت دولة الوحدة في 22 مايو 1990م لتعزز شراكة السكان في المحافظات الجنوبية والشمالية وجاءت ظاهرة الإحالة الجماعية إلى التقاعد لتلغي تلك الشراكة وتقصي أصحابها.

2:5 الإعلان عن جمعيات المتقاعدين العسكريين والمدنيين:

إن معظم النار من مستصغر الشرر، كان هذا الشرر في طوره الأولي بعد حرب صيف 1994م، وبدأ في التراكم وعلى خلفية هذا التراكم بدأت اعتصامات أفراد قليلين أمام مكتب المحافظ هنا وهناك، فحيناً يسمح لهم وحيناً آخر لا يسمحون لهم، وتراوح رد فعل الجهات الرسمية بين عدم الاكتراث والمواعيد العرقوبية.

توسعت قاعدة المتقاعدين العسكريين والمدنيين وبدأت الصحف المعارضة والأهلية بنشر وتبني القضايا العادلة للمتقاعدين وانبرت الأقلام هنا وهناك لصالحهم واتسع نطاق نشر قضايا المتقاعدين ليشمل الصحف الالكترونية بعد أن فاضت الصحف الورقية.

3:5 الإعلان عن جمعية ملاك الأراضي

قام عدد كبير من أصحاب المال والأعمال بشراء أراض في مناطق مختلفة من المحافظات الجنوبية عامة ومحافظتي عدن ولحج خاصة، وكالعادة انبرى لهم أفراد ومؤسسات بدعوى عدم شرعية حيازتهم للأرض ولجأ أهل الأرض إلى القضاء وولاة الأمر والصحافة فكسبوا درجات التقاضي الثلاث وكسبوا تعاطف الصحف وأرباب الأقلام الشريفة. ارتفعت أصوات أهل الحق وبحت حناجرهم ولكن لا حياة لمن تنادي.

تحت وطأة ذلك الظرف العصيب وجد أهل الحق أنفسهم مضطرين إلى جمع صفوفهم وتشكيل جمعية خاصة بهم، ليتواصل أعضاء هيئتها الإدارية مع المسؤولين والجهات الأخرى المعنية بمصالحهم.

4:5 الإعلان عن جمعية الشباب العاطلين عن العمل

مخرجات المدارس والمعاهد والكليات إلى سوق العمل تتسع دائرتها يوماً عن يوم، وقد أصيبوا بالإحباط لعدم توفر فرص العمل وإن توفرت فهي من نصيب قادمين من خارج محافظاتهم، وفرص العمل في مشاريع القطاع الخاص شحيحة لأن فرص العمل لا توفرها إلا المشاريع الاستثمارية التي تواجه معوقات لا حصر لها ولو كنا حريصين على خلق جو جاذب للاستثمار لتوفرت فرص العمل للشباب العاطل الذي ضعفت عنده روح الانتماء للوطن ولن تجدي أي محاولة مع هؤلاء في الحديث معهم عن (الوحدة الوطنية) ولذلك شمروا عن سواعدهم وأسسوا جمعية خاصة بهم وخرجوا إلى الشارع ليعلنوا عن وجودهم.

5:5 سقوط الحائط الرابع

تراكمت المعاناة خلال الفترة 2006-1994م ووصلت حد الانبجاس يوم 7 يوليو 2007م وخرج المتقاعدون العسكريون والمدنيون في عموم المحافظات، إلا أن أبرزها كان اعتصامهم في ساحة الحرية بخورمكسر ورغم كل الإجراءات والتشديدات الأمنية ليس على مستوى مديرية خورمكسر أو محافظة عدن، بل وعلى مستوى المحافظات المجاورة لها وتولد الانطباع عندي وعند غيري داخل الوطن أو خارجه بأن الحائط الرابع قد سقط، لقد كسر الناس حاجز الخوف وهو مؤشر خطير في الحياة الاجتماعية، لأن تحريك الجماهير بهذا القدر الكبير حق احتكرته السلطة لنفسها، لأن من حقها أن تحرك مسيرة مليونية بينما أشعرت كل سائقي الحافلات بعدن في فبراير 2006م بعدم نقل أي مدرس إلى ساحة ديوان محافظة عدن للاعتصام فقط ولم يتجاوز عددهم الـ 100 مدرس.

إن سقوط الحائط الرابع يوم 7 يوليو 2007م يعتبر يوما تاريخيا في التاريخ اليمني الحديث، فلقد تمكن المواطن ولأول مرة أن يقف في مواجهة نظام عسكري لا يعترف إلا بالبطش، إلا أنه تراجع في ذلك اليوم خطوات إلى الوراء وتقدم أهل الحق خطوات إلى الأمام، عندما كرروا تجربتهم في 2 أغسطس 2007م في ظل أضخم انتشار أمني عرفته البلاد منذ اكثر من نصف قرن.

6:5 قطع الطرقات

إن أهل الحق، سواء أكانوا متقاعدين أو أصحاب أراض أو عاطلين عن العمل، يعبرون عن همومهم ومطالبهم بالاعتصامات وبالتشهير بغاصبي حقوقهم عبر وسائل الإعلام، وهو حق مشروع كفله الدستور والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهود والبروتوكولات الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية وعندما لا يجدون آذاناً صاغية أو عند إقدام السلطة على اعتقال ناشطيها في المدينة. لجأ أنصار أهل الحق في المحافظات الريفية إلى قطع الطرقات واحتجاز الآليات وما تيسر لهم من الجند وأصبحت القضية بين الخارجين على القانون وهم يواجهون الخارجين على الدستور، وجريمة الفئة الثانية أشد غلظة من جريمة الفئة الأولى.

-6 الإفرازات السالبة لحرب صيف 1994م

التداعيات السلطوية

6-1 صدور قرارات جمهورية برد الاعتبار للمتقاعدين العسكريين والمدنيين

أصدر فخامة رئيس الجمهورية سلسلة قرارات جمهورية بدأت بالقرارين الجمهوريين رقم 41 و42 لسنة 2007م تم القرار الجمهوري رقم 53 لسنة 2007م وتوالت بعد ذلك القرارات الجمهورية وقضت جميعها بإعادة ضباط متقاعدين أو منقطعين من الخدمة، وصدور مثل تلك القرارات اعتراف مباشر أو ضمني بأن هناك قضية للسكان في المحافظات الجنوبية وذلك بفضل من الله أولاً ومن بعده إقدام أهل الحق على إسقاط الحائط الرابع، بوابة الاعتراف بقضيتهم.

إن صدور القرارات الجمهورية خطوة طيبة بحد ذاتها، لكنها غير كافية فقد عودنا فخامته إصدار القرارات والتوجيهات الكريمة وعودتنا أجهزته على عدم تنفيذها لأن آلية العمل في بلادنا غير مؤسسية قائمة على المزاجية وتعدد الولاءات.

6-2 نزول لجان وزارية إلى المحافظات الجنوبية

بناء على توجيهات رئاسية كلف مجلس الوزراء في يوليو الماضي لجنة وزارية للنظر في تظلمات المتقاعدين العسكريين والمدنيين وأصحاب الأراضي الزراعية والاستثمارية في محافظات عدن ولحج وأبين، وكانت اللجنة برئاسة د. صالح علي باصرة، وزير التعليم العالي والبحث العلمي وعضوية الأخ حمود خالد الصوفي، وزير الخدمة المدنية والتأمينات والأخ عبدالقادر علي هلال، وزير الإدارة المحلية كما التقى أعضاء اللجنة أعضاء جمعيات العاطلين من الشباب، وعاد أعضاء اللجنة الوزارية إلى صنعاء قبل منتصف أغسطس الحالي حيث أعدوا تقريرهم وقدموه إلى دولة الأخ رئيس الوزراء د. علي محمد مجور لإلزام كل وزير بتنفيذ القرار الذي اتخذته اللجنة والمعني بتنفيذه وزارته، أما القضايا التي تحتاج إلى قرار سياسي فستقدم إلى فخامة الأخ رئيس الجمهورية لاتخاذ قرارات بشأنها.

كما تردد الأخ عبدربه منصور هادي، نائب رئيس الجمهورية على محافظة عدن مرتين خلال شهري يوليو وأغسطس من هذا العام للاطلاع على أوضاع محافظات عدن وأبين ولحج والاستماع إلى الشكاوى والملاحظات المقدمة من أصحاب المعاناة.

6-3: اللجنة المشكلة لتقييم الظواهر المؤثرة على السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية

صدر قرار رئيس الجمهورية رقم (16) لسنة 2007م بتاريخ 22 أغسطس 2007م قضى بإنشاء لجنة لمتابعة وتقييم الظواهر الاجتماعية السلبية التي تؤثر على السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية والتنمية، ومنها قضايا الثأر والمظاهر المسلحة والتقطع والاختطاف والتطرف، واقتراح الحلول اللازمة بشأنها وكذا دراسة وتقييم التصرفات والسلوكيات السلبية المؤثرة في التماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية مثل التعصبات القبلية والمناطقية والمذهبية وتقديم المقترحات والتصورات الملائمة لمعالجتها، بالإضافة إلى دراسة وتقويم الآثار السلبية لفتنة صيف 1994م ووضع الحلول المناسبة الكفيلة بإنهائها.

رغم أن هذا القرار داخل مهام مجلس الوزراء ومجلس الشورى، إلا أن خطوة اتخاذه إيجابية فيما لو رسمت الآلية السليمة الفاعلة تقترب من خلالها إلى مجلس الوزراء ومنظمات المجتمع المدني لتضمن توازن قرارتها.

-7 الخروج من النفق أو انهيار النظام السياسي:

يقف اليمن أمام سلسلة من القضايا الشائكة، تشكل في مجموعها تحديات تتطلب حشد الموارد المادية والبشرية لمواجهتها منها: ارتفاع معدل النمو السكاني، فاستناداً لبيانات رسمية دولية بلغ عدد سكان اليمن في منتصف 2001م حوالي (18) مليون نسمة، وسيرتفع إلى (39.6) مليون نسمة عام 2025م وإلى (71.1) مليون نسمة عام 2050م والتحدي الآخر هو تحدي المياه، حيث إن اليمن من أكثر المناطق في العالم شحة ويعود هذا إلى أن %95 من مناطق البلاد تتميز بمناخ جاف وبمعدلات مرتفعة للتبخر، كما أن الحكومة اليمنية فشلت في السيطرة على حفارات المياه المنتشرة في اليمن البالغة (950) حفاراً، إذ استطاعت خلال سنتين تسجيل (150) منها فقط، وأعلنت فلافيا بانسيري، ممثلة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بصنعاء أن اليمن واحدة من أكثر الدول التي تعاني من ندرة المياه وأنها حصدت المرتبة (150) من أصل (177) دولة.

من التحديات التي يواجهها اليمن هو الفساد، ذلك الغول الذي ابتلع أراضي وعقارات الدولة ومؤسساتها الاقتصادية وثروتها النفطية والسمكية، حيث يجري استنزاف الثروة السمكية وبيعها في عرض البحر لشركات أجنبية دون أن تحقق الدولة أي عائد، كما أن هناك قوى متنفذة تمارس التهريب على نطاق واسع، الأمر الذي يلحق ضرراً بالغاً بالاقتصاد. ومن أشكال الفساد تخلف النظام الإداري وإسناد مسؤولية قيادة المنشآت الاقتصادية لأبناء المسؤولين على حساب الخبرات الإدارية المتميزة من خارج تلك الأسر.

إن القرارات التي اتخذت واللجان والهيئات التي شكلت لتطبيع الأوضاع ومعالجة الاختلالات واحتواء الأزمات ستأخذ مداها الزمني، وكل ما نخشاه أن قوى فاسدة من داخل النظام تعمل على إفشال تنفيذ تلك القرارات وتعطيل أعمال اللجان والهيئات المذكورة (وهي ليست البديل للنظام المؤسسي) فإن ذلك سيسهم إلى حد كبير في انهيار النظام السياسي، ولا تفريط في حقوق ومطالب السكان في المحافظات الجنوبية حفاظاً على قدسية مبدأ الشراكة، الوجه الآخر للوحدة الوطنية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى