قراها في بطون الأودية وعلى شواهق الجبال فرقت الحزبية أبناءها وهجروا السلاح يشكون المشايخ ويلعنون الماضي والحاضر .. شرعب الرونة العيش تحت ركام الماضي

> «الأيام» أحمد النويهي:

>
لم يتسن لي من قبل أن أزور شرعب الرونة ، ولم أكن أدري أن زيارتي لها تأخرت كثيراً ، وشاءت الأقدار أن أشد رحالي إليها أتقصى قضية مواطن منها طحنته السنون وبلغ من العمر أرذله في ردهات المحاكم ،18 عاما بالتمام والكمال قضاها المواطن عبده منصور سيف الربوعي باحثاً عن حكم يمكنه من البسط على أملاك له ، تصدر الأحكام لصالحه وتقف العوائق حائلة أمام التنفيذ ، فلذلك يممت وجهي شطر شرعب الرونة باحثاً عن محكمتها متقصياً حقيقة ما يجري هناك في زوايا هذه المديرية المحاطة بالنسيان.

أما المشاريع الأخرى والخاصة بالمياه وتتمثل في حفر الآبار وما شابه ذلك فهناك أربعة مشاريع بحسب الإحصاءات الرسمية تكلفتها 70.331.265 ريال طبعاً منذ قيام الوحدة، وتظل شرعب الرونة شأنها شأن المديريات الأخرى التي لا تحظى بالرعاية كونها موضوعة تحت الوصاية الإقطاعية لمشايخها يتحكمون بمصير 31719 أسرة منها 11613 تحت خط الفقر لا يستفيد منهم من الرعاية الاجتماعية سوى 1.427 فرداً ، ورغم أنها من المديريات التي لا يزال فيها الأمن غير مستتب فإنه لا يوجد فيها مبنى مستقل لإدارة الأمن وكذلك المحكمة التي سنتاولها لاحقاً.

ولأن تنمية الأسر الفقيرة عن طريق تأهيل أبنائها فإن الحكومة لم تعمل على إيجاد مشروع للتدريب المهني في هذه المديرية.

الحالة الاقتصادية للسكان

معظمهم يعتمدون على عائدات الزراعة ونشاط الرعي وتربية الحيوان وجزء منهم يعملون بالوظائف الحكومية والأنشطة التجارية كما أن جزءاً من السكان يعتمدون على تحويلات أقاربهم المغتربين خارج الوطن وتظل المقومات الاقتصادية هي حجر الزاوية للرقي بوضع أي مديرية فالإنتاج الزراعي في شرعب الرونة يعتمد على زراعة الحبوب بأنواعها بكميات متوسطة في معظم عزل المديرية كما يتم إنتاج الحبوب في عزلة بني سميع بكميات كبيرة على جانبي كل من وادي نخلة والحداد وأهم الحبوب المنتجة هي الذرة الرفيعة بأنواعها والذرة الشامية بكميات قليلة.

وتوجد فيها زراعة الفواكه والحمضيات مثل الموز والمانجو وعنب الفلفل (الباباي) في عزل بني سميع وبني زياد والأحطوب والأسد بكميات متوسطه ولم تعد بلاد الموز كما كانت سابقاً فشحة الأمطار وجفاف واديي رسيان ونخلة أفقدا شرعب شهرتها في إنتاج الموز الأشهى.

ويزرع القات في شرعب الرونة بكميات متوسطة وخاصة في عزل بني الحسام وبني سرى والهياجم ومؤرخة والحسبة والأشراف وشرقي حمير والغربي والأسد.. ويظل المواطن في شرعب محافظا على مهن توارثها عبر أجيال متعاقبة وتتمثل في الرعي وتربية الحيوان حيث تربى الماعز والضأن بكميات جيدة في معظم عزل المديرية كما تتم تربية الأبقار والدواجن للاستهلاك الذاتي.

تربية النحل

تجد بعض الاهتمام في شرعب نظراً لتضاريسها وجبالها الشاهقة التي توجد على جنباتها أشجار العسق والخصال والظبا التي تعد أشجاراً محببة للنحل لما تحمله أزهارها من رحيق يسهل امتصاصه.

وتربى النحل في جميع عزل المديرية بعضها بكميات متوسطة مثل عزلة شرقي حمير، وبني زياد، وبني سميع، وبني سرى ، وحلية ، و الأحطوب ، و الأجشوب ،عوادر، الغربي والأسد، الملاوحة،وبكميات قليلة في باقي العزل.

الشراعبة عصيون على الموت

ولا أخفيكم القول بأن الدهشة مازالت تتملكني مما رأيت أنه يشبه الموت البطيء الذي يستعصي على الشراعبة إن صح التعبير، أهل هذه البلاد لا يزالون يئنون من وطأة حكم الإقطاعيين الجدد الذين يقتاتون من عرق أولئك الغلابى المثقلة قلوبهم بالهموم والجراح التواقين إلى النظرة الحانية من الحكومة صوبهم.

في سوق الأحد بإمكان المرء أن يقرأفي تقاسيم الوجوه أن الشراعبة عصيون على الموت فالباعة المتجولون وأصحاب البسطات والمتسوقون القادمون من بطون أودية سحيقة أو جبال شاهقة يكتب الواحد منهم وصيته قبل خروجه ويحمد الله عند الإياب أن ملك الموت أبقاه على قيد الحياة.

العديد من المواطنين تحدثوا لي بحرقة عن تدني حياتهم المعيشية فأضحى الواحد منهم منهمكاً تفكيره كيف يتقي مكائد الشيخ وكيف يواجه أعباء الحياة المعيشية؟!

المواطنون في شرعب الرونة أضحوا يعيشون بل أمل وأصبحوا يرتجون أن يحمل الغد معه تباشير الخير و النماء بعد عقود بائسة تحت ردح الظلام والقهر و الثأر والجفاف ولا يزالون.

> توضح نتائج تفتيش ميداني لوزارة الإدارة المحلية للعام 2006م تم الانتهاء من إعداده في شهر أبريل 2007م أن إجمالي عدد المشاريع الجديدة في جميع مديريات تعز البالغة (24) مديرية (75) مشروعاً جديداً لم تحظ مديرية شرعب الرونة بمشروع واحد منها ، فيما بلغت قيمة العقود لتلك المشاريع الجديدة (908.007.911) ريالاً، حيث بلغ إجمالي المنصرف منها خلال العام نفسه (290.126.162) ريالاً بنسبة إنفاق (%15) كما تؤكد نتائج التفتيش الميداني على أعمال السلطة المحلية في تسع محافظات من بينها تعز .

الكل يشكو ولا آذان صاغية

لدى أبناء شرعب الكثير مما يشكون منه ولكنهم لا يجدون آذانا صاغية من البشر لأن الجدران مليئة بالآذان وعيون المشايخ موزعة في كل الاتجاهات ، لكنهم رغم ذلك يحدثونك بهمس فيلخصون شكواهم بالقول:

> مهيوب الشرعبي من أبناء عزلة وادي الماء بشرعب الرونة قال: «إن الطريق من تعز متعبة وتمر بالقمامة وروائحها النتنة وبعدها طريق ترابي لم يحصل على مسحة من قبل الدولة ، حيث يستقل أبناء المديرية سيارات قديمة (شاص صالون) 84م للوصول إلى قريتهم نظراً لوعورة الطريق التي ذهب ضحيتها المئات من أبناء المديرية خصوصاً طريق العزلة التي تمتد من مركز المديرية (6) كم ونقطعها بقرابة ساعتين ونصف لتعرجها في الجبال وضيقها وتحتاج إلى سائق يمتلك خبرة وشجاعة لاجتيازها وإلا سقط في النقيل».

الفائز من لديه حمار

وحول الماء يؤكد مهيوب أن المنطقة تعيش شحة «حيث نضطر لقطع مسافات طويلة لجلب الماء على الحمير وعلى رؤس المكالف (النساء) ونحتفظ به للشرب وأحسن واحد في المواطنين الذي معه حمار».

مشيراً إلى أن مركز الإرشاد الزراعي أغلق منذ العام 92م وهو تابع للأمم المتحدة «وأبناء المنطقة يتداوون عند المشعوذين ويعتقدون كثيراً أن الجن تنتشر في الشتاء فاقدين الأمل بالطب الحديث لأن الأطباء يكذبوا كل ساعة يقولوا لك بينك حاجة وتتداول نكتة عن مركز صحي بمركز المديرية أنه استمر لأشهر عديدة يفحص بجهاز مختبر مغطأ بلصقة فوق العدسة وكلهم طلعوا عنده في النتيجة ملاريا ...ملاريا ، الكبير والصغير».

ويضيف:«الكهرباء ما فيش عندنا ولا نشوف تلفزيون نسمع إذاعة لندن وإذاعة صنعاء ولا جرائد ولا نسمع الرئيس إلا في الإذاعة ونضواء بفانوس يعمل بالقاز ، والعالم كله يتفرج (الدش) بينه مائة قناة نشوفها عندما نطلع تعز في الفندق».

وللمأساة وجوه أخرى

> والمواطن هزاع حميد الهيجمي من أبناء المديرية عزلة الهياجم قال:«لا عندنا لا طريق ولا مركز صحي ولا بئر ماء ولا تصل الخضروات والفواكه إلى القرية إلا مع الضيوف الذين يجيئوا من تعز ، ونعتمد على البقر والغنم ولا عملوا لنا شيء لا المؤتمر الذي فاز بالمجلس المحلي ولا الإصلاح الذي فاز بمجلس النواب».

وأضاف:«عيالنا يدرسوا في مدرسة الفصل بينه (150) طالب ويدفعوا (بيس) وينجحوا ما فيش أمانة ولا ضمير عند المدرسين ولا أحد يقولهم ما انتم تعملوا والمسئولين من التربية ينزلوا يديلهم مدير المدرسة بيس وغداهم وروحوا ولا أحد يقول ربك الله .

والله العظيم في الاختبارات الشهادتين الثانوية والإعدادية يجيبوا مدرسين من تعز يكتبوا الحل على السبورة لأن الطلاب والطالبات ما يعرفوش يكتبوا ولا يغشوا ويعطوا للجان جبن وعسل حق ابن هادي في الاخير ناجحين».

حتى النساء لديهن شكوى

آمنة حمود بائعة قات قالت إنها تبيع القات في سوق المديرية لتربي أيتاماً «ونحن فقراء نرحم الله.

يا ابني المشايخ فرقوا الضمان الذي من الدولة لهم وأهلهم وتركوا المساكين.. ما ينفعنا إلا القات وإلا شنموت جوع».

وأضافت بمرارة:«أمانتك لو حصلت المحافظ قله بيننا بينه يوم الحساب».

> عادل سعيد أحمد مدرس في عزلة الزراري بشرعب الرونة قال:«إن الحكومة غائبة تماماً ولا مسئول قد نزل المنطقة من حد الرئيس ولا الحجري المحافظ ولا حتى أعضاء مجلس النواب إلا لقد هم يشتوحنا نصوت لهم في الانتخابات وبعدين ولا تعرف أحد منهم ولا يطلعوا حتى في التلفزيون نبصرهم.

الطريق متعب جداً ولا نستطيع نطلع تعز إلا في الحاجات المهمة جداً ..

عندنا عادهم الناس يعيشوا في قبل الميلاد..

لو نزل عندهم مدير مركز التربية في المديرية يعملوا له صفين ويستقبلوه مثل الرئيس .

يا أخي الناس مساكين وطحنهم الفقر الواحد ما يقدرش يتعالج و عادهم يستخدموا الأشجار والقاز للطباخة لأنه ما فيش غاز والتجار لو جزع معه قليل يبيع الواحدة بـ(800) ريال وأحيانا يقولوا غلاء و يبيعها بألف والبر عندنا يصل إلى القرية بخمسة ألف وما يستخدموش الناس الدقيق والسكر بستة ألف .. التاجر يعمل أضعاف في الحاجة التي يجيبها من تعز» .

وماذا عن الأمن ؟

وبالنسبة لإدارة الأمن في المنطقة يقول الحاج دبوان قاسم الشرعبي:«إن إدارة الأمن تحبس الواحد سنة لو ما عندش زلط يخارج نفسه ، وعندنا في عزلة (حلية) العاقل معه الطُلاب (القسائم) حق إدارة الأمن لقده يشتي زلط يرسل (ينفذ) على أي واحد عسكري وبالصميل يدي زلط وإلا يرفع بك إلى الإدارة وهم يحبسوك .

وإذا حدث نزاع أو خلاف على أرض أو غيره تحولهم إدارة الناحية إلى الشيخ وهو يفصل بينهم بعد سنين من المشارعة وعندنا مشاكل القات والأراضي والقسمة».

ويؤكد أن كثيراً من الآباء يوصون بعدم إعطاء البنت أي نصيب في التركة وهي للأبناء فقط وتحدث المشاكل.

خاورين نشوف محافظ وإلا وزير

> على سعيد بن سعيد يقول:«أتمنى أشوف المحافظ وإلا وزير التربية وإلا أي مسئول ما يخرجوش من صنعاء ، كنا نتمنى الرئيس لما نزل إلى مركز المديرية يصل إلى عندنا كان شيعمل لنا مشاريع ولو الطريق بس يكفي ولا نشتي شيء غيره ، المجلس المحلي في المديرية ولا يجتمعوا ولا هم دارين ما هو القانون».

> من جانبه قال إسماعيل صالح عبدالرحمن خريج جامعة:«إن المديرية تعيش وضعاً مأسوياً لافتقارها إلى الماء والكهرباء والطريق المعبد والتعليم السليم و هي مهملة وتبدو الأمور وكأن هذا الإهمال متعمد من قبل مكاتب الحكومة في المحافظة، وإن كان هناك مشروع رصف (3) كيلومتر والمدرسة للطلاب بنتها مجموعة هائل سعيد أنعم وكذلك المسجد»، مرجعاً أهم العوامل إلى «ضعف كفاءة المجلس المحلي الذي لم يرفع بحاجة الناس الماسة لبئر ماء أو مولد كهرباء وغياب التوعية في كل المجالات مع غياب الاحتياجات الأساسية للعيش ، ونظراً لقلة الأمطار قل محصول الأرض وزاد عدد الفقراء، حيث صارت الزراعة بحاجة إلى مبالغ مالية ولا تغطي في مخرجاتها طعام الأسرة ، حيث هناك انفجار سكاني نظراً لغياب التوعية الصحية وفقدان الناس الثقة بالأطباء وعودتهم بقوة إلى المشعوذين وكذلك هناك ضعف وتدني مستوى المعلمين كونهم يدرسون لأكثر من (8) سنوات وهم خريجو دبلوم معلمين، فلا يوجد أي تحديث لمعلوماتهم منذ التخرج وغياب الرقابة التعليمية جعل المدرس لا يمتلك دفتر تحضير الدروس، يكتفي بخصم ألف أو ألفين من المرتب وهو مرتاح .

لو تم تفعيل المجالس المحلية لما آلت الأمور إلى هذا الوضع المأساوي ».

في الاخير نستنتج أن أبناء شرعب لا يبحثون سوى عن ميزان عدل تدور شوكته بإنصاف .

ولا تزال الشهامة وحب الوطن سارية في عروقهم ورغم ذلك فإنهم لا يزالون موضوعين على الهامش، فميزان التفضيل مالت شوكته حسب قولهم صوب مديريات وليدة ومحافظات بعيدة.

وبقي أبناء شرعب يمدون أيديهم نحو السماء يبتهلون ويتضرعون في انتظار غيث يحيي الأرض والزرع .. تطول أحلامهم بطول نخيلهم الباسقة وتظل القبعات هي الحامية في زمن يقسو المرء على أخيه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى