الفقر في العالم العربي: التحدي الأكبر للعرب في القرن الحادي والعشرين

> «الأيام» كرم الحلو :

> على رغم القفزة الهائلة في الاقتصاد والإنتاج التي حققتها البشرية في العقود الأخيرة من القرن العشرين في موازاة الثورة العلمية والتقنية الحديثة وارتفاع الناتج الاجمالي العالمي من ثلاثة آلاف بليون دولار عام 1960 الى 40850 بليون دولار عام 2006، يظل الفقر واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء من أعقد الإشكالات الموروثة من القرن الماضي والتي تواجه الانسانية في بداية هذا القرن مهددة بالمزيد من الصراع والتناقضات المربكة على كل الأصعدة، حتى أن القضاء على الفقر لم يعد تحدياً انمائياً فحسب، بل بات يمثل تحدياً أيضاً في ما يتعلق بحقول الإنسان، اذ لا تزال في عالمنا مطلع هذا القرن مستويات غير مقبولة من الحرمان. فقد أشارت الدراسات الدولية الى ان شخصاً من بين كل خمسة في العالم، يعيش تحت خط الفقر، أي على أقل من دولار يوميا، ولو رفع هذا الخط قليلا تجا،زت نسبة الفقراء ثلث سكان العالم، في حين تبلغ ثروة بضع مئات من البليونيرات قرابة نصف الدخل الإجمالي العالمي.

وفي هذه اللوحة المتناقضة والقاتمة لعالم نهاية القرن العشرين وبداية هذا القرن يعتبر الفقر البشري أحد أكبر التحديات الأساسية التي يواجهها العرب في تاريخهم المعاصر. إذ إن أكثر البلدان العربية ذات الثقل السكاني تقع في مرتبة متأخرة من حيث التنمية البشرية بين دول العالم الـ177، وفق تقرير التنمية البشرية لعام 2006 – الجزائر 102، مصر 111، المغرب 123، السودان 141، اليمن 150، وتشير دراسات معاصرة الى انهيار الطبقة الوسطى العربية التي شكلت شريحة أساسية في المجتمعات العربية أواسط القرن الماضي، ما أدى الى تراكم الفقراء في أحزمة البؤس المحيطة بالمدن العربية التي باتت تشكل أكثر من 56 في المئة من العرب، والى تفاقم الهوة بين الأغنياء والفقراء منذ الثمانينات بسبب تراجع الدولة عن بعض فضاءات القطاع العام وبسبب الخصخصة وحرية السوق. فوفقاً لتقرير التنمية البشرية لعام 2006 يبلغ نصيب الـ10 في المئة الأفقر من السكان العرب قياساً الى الـ10 في المئة الأغنى – 2.7 الى 30.6 في الأردن، 2.3 الى 31.5 في تونس، 2.8 الى 26.8 في الجزائر، 3.7 الى 29.5 في مصر، 2.6 الى 30.9 في المغرب، 3 الى 25.9 في اليمن.

وبالاستفادة من الدراسات الاجتماعية المعاصرة، فإن المجتمعات العربية تميّزت بالانقسامات الطبقية الحادة، اضافة الى الانقسامات الفسيفسائية الأخرى. في هذا السياق رأى الباحث الاجتماعي حليم بركان ان البنية الطبقية في العالم العربي هي بنية هرمية تشكل قاعدتها الواسعة الطبقات الدنيا. ورأى عبدالرزّاق الفارس أن الفقر ظاهرة عامة في العالم العربي، وان تكن متركِّزة بشكلها الواسع العميق في الأرياف، وأن هذه الظاهرة متلازمة مع الأمية ومع التفاوت الكبير في المداخيل خصوصاً في الأقطار الفقيرة والمتوسطة الدخل. كما رأت ثناء فؤاد عبدالله ان اللامساواة الطبقية ما زالت قائمة بصورة سافرة.

ثمة خلل كبير اذاً في بنية المجتمع العربي يهدِّده من داخله وينذر بأفدح الأخطار على مستقبل الأمة العربية، ويجعل الحديث عن التحديث السياسي والاجتماعي والعلمي من دون جدوى، فلا حداثة حقيقية في ظل فقر مدقع وأمية كاسحة يطاولان أكثر من مئة مليون عربي، ما نبَّه اليه تقرير التنمية البشرية لعام 2006، اذ رأى ان «المستويات المرتفعة لفقر الدخل تسهم في انعدام الحريات الحقيقية في العالم». لكن هذا الخلل ممكن تداركه في رأينا، بتوزيع عادل للثروة أولاً، تتحمل فيه النخبة الثرية في العالم العربي مسؤولياتها في تنمية مجتمعاتها والارتقاء بها، عوض تكديس ثرواتها المقدّرة بأكثر من ألف بليون دولار في المصارف الغربية.

وثانياً بتحويل المجتمع العربي الى مجتمع منتج، على عكس ما هو في حالته الراهنة، حيث تبلغ واردات العالم العربي 32.8 في المئة من ناتجه الإجمالي قياساً الى الدول النامية 30.2 والى العالم 23.2 وفقاً لتقرير التنمية البشرية لعام 2000 – وبمضاعفة قواه الإنتاجية الأضأل في العالم من دون استثناء.

وثالثاً بالحد من الانفجار السكاني المتسارع والمترافق مع هدر الموارد والطاقات، حيث معدَّل النمو السكاني هو الأعلى في العالم حتى بالقياس الى الدول النامية 2.8 الى 2.

ورابعاً بلجم الإنفاق العسكري حيث العالم العربي هو الأكثر استيراداً للسلاح – 60 بليون دولار عام 1999.

هذه اصلاحات أولية وضرورية لا بدَّ منها في رأينا لتحرير مجتمعاتنا العربية من ظاهرة الفقر وتحويلها في اتجاه الديموقراطية الاجتماعية والمشاركة الفاعلة في حداثة العصر وثورته العلمية العتيدة.

* كاتب لبناني

«الحياة» 9/سبتمبر2007

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى