لنتجنب الوصول إلى الأيام الصعبة

> هيثم الزامكي:

> ندرك جيداً قبل الخوض في غمار الموضوع، الصعوبة الشديدة التي سنواجهها في طرح قضية الوحدة اليمنية، والأزمة الحالية التي تمر بها، وسبل الخروج من تلك الأزمة، ومرد تلك الصعوبة يرجع إلى العوامل التالية:

-1 الحساسية المفرطة والمبالغ فيها من قبل السلطة تجاه الطروحات التي تصف حالة الاحتقان الحالية كما هي، وتقدم تصورات منطقية للخروج منها. ولا نقول هذا كتبرير خوف من كسب عداء السلطة، بل نقوله خوفاً من فقدان ما هو أكبر من السلطة ونقصد الأمن والاستقرار والسكينة العامة.

-2 لطالما سمعنا من أصدقاء ومثقفين وقراء لنا من مختلف الانتماءات، ثناء على الموضوعية التي نكتب بها، التي نجاهد أن نبقى عليها في كل مقالتنا، ولأن الحالة الراهنة تفرض المزيد من القيود على تلك الموضوعية، لذا فإن استمرار الحالة في التصعيد الناجم عن استخدام البطش والتخويف تجاه الاحتجاجات الجنوبية الحالية، إنما يدفعنا وغيرنا من المعتدلين إلى منطقة قرار لا تقبل الاعتدال في الأهداف، بقدر ما تقبل الاعتدال في وسائل الأهداف، وعندها فلا يوجد شك في وقوفنا إلى صف كياننا الذي يضمن لنا الحماية والعيش على أرضنا بكرامة.

-3 أن حالة التأزم وفقدان الثقة في الآخر، تستدعي منا أعلى درجات التركيز والانتباه، أن لا يكون ما نعبر عنه حافزا لتنامي هذه الحالة، مع الحرص على عدم ستر الحقائق الموضوعية التي لا بد من ذكرها بشجاعة وعقلانية، علّنا نقترب أكثر من مساحات العقل والترفع عند كل من يصنع قرار الأزمة وقرار حل الأزمة.. ومن أهم الحقائق الواجب ذكرها، دون تشويش أو تنميق للحديث يمكن أن يفقد تلك الحقائق جوهرها، نذكر:

أولاً: أن الوحدة اليمنية تمر بأزمة حقيقية، لا نحتاج لتصديقها أو تكذيبها إلى قراءة استطلاعات الرأي العام، أو التقارير الأمنية السياسية المتحيزة.

ثانيا: أن الاعتراف بالقضايا التي يطرحها المعتصمون في كافة المحافظات الجنوبية، يعتبر خطوة مهمة في طريق حل الأزمة.

ثالثاً: أن إمكانيات الحل قائمة دون المساس بالوحدة واتفاقاتها المقرة قبل وبعد 22 مايو 90م، فالوحدة في محصلتها الطبيعية، بعد إزالة أسباب ضعفها، هي قوة سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، وحضارية.

رابعاً: أن جميع أشكال الاحتجاج الحالية هي مطالب، وأصحابها هم أصحاب قضية، وليسوا أصحاب قرار كالسلطة التي ينتظر منها القرار أولاً.

خامساً: أن الوضع الحالي الذي تمر به البلد يتحمل مسؤوليته الجميع، والأزمة التي نعيشها اليوم هي نتيجة متوقعة للتسرع والاندفاع من قبل طرفي الوحدة، والاختزال الذي تم لكثير من الإجراءات والضمانات التي كان فهمها وتخطيطها وتنفيذها على أرض الواقع قبل تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو90م سيجعل من هذه الوحدة أقوى وأمتن من أي أزمات يمكن أن تحدق بها.

وانطلاقاً من الحقيقة الخامسة، نكتشف أن ما حدث هو العكس، وبدلاً من سلوك خط تصاعدي في تمتين الكيان الجديد، بقي يوم 22 ما يو 90 هو أعلى نقطة وحدوية وصلنا إليها جميعاً، ولم نتخطها منذ ذلك اليوم، وبرغم ذلك كله فنحن اليوم مطالبون، لا بل يجب علينا جميعاً أن نقيّم التجربة بروح وطنية وحدوية، تمزج بين ما عجزنا عن مزجه عشية 22 مايو 90م، بين عواطف التوحد والانتماء الحقيقي، وأفعال العقل الذي يحفظ التوحد والانتماء وعدل المشاركة الحقيقيين.. إن الاعتراف بالحقائق السابقة، يعتبر مقدمة أساسية للحل، ولسنا هنا مخولين أن نضع حلولا أو مخارج بشكل مباشر، فتلك مسألة مرتبطة بأصحاب القرار والتأثير في الأزمة، وأقصى ما نعتقد أن من واجبنا القيام به في هذه المرحلة، هو تحليل حالة الاحتقان التي وصلنا إليها، ووضع تصور لحالة الانفراج التي يجب أن نبلغها، وتبقى الإجراءات اختصاص من يملكون إقرار وتنفيذ الإجراءات. وهنا نصل إلى جوهر الحل، الذي نعتقد أنه يقوم على مرتكزين هما: أولاً: الاعتراف بوجود الأزمة.

ثانياً: الاتفاق على أهم عناصر الحالة الجديدة (حالة الانفراج) التي تضمن الخروج من الأزمة، وأهمها:

-1 إزالة حالة فراغ التمثيل التي يعانيها المواطن الجنوبي منذ حرب 94م، عبر إعادة النظر في أشكال المشاركة السياسية الحقيقية التي تجعل المواطن الجنوبي يشعر بثقله في صنع القرار الذي قام بالأساس على مبدأ المشاركة، وهذا يمكن تحقيقه عبر فتح حوار جاد مع منظمات وشخصيات وطنية تملك من الثقل ما يؤهلها أن تكون معبرة عن تطلعات أبناء الجنوب.

-2 ربط مسألة تطوير الوحدة اليمنية بمفهوم الإصلاحات الشاملة، سيسهل اتخاذ القرارات التي تبدو صعبة عند ربطها بمفاهيم الهزيمة والانتصار التي نؤكد أنها تفقد قيمتها عندما يكون الجميع خاسرا من استمرار حالة الاحتقان الحالية.

وأخيراً نقول إن الوقت مازال يسمح بالثقة في تحقيق حلول جذرية وليس آنية، للخروج من هذه الحالة، وأخطر ما يمكن أن يهدر ذلك الوقت هو الارتهان إلى مسلمات الأوقات السابقة، وتصور أنها مازالت ثابتة، وأسلم ما يمكن أن يرفع من قيمة الوقت المتاح للحل هو الأمل والتطلع إلى الأوقات القادمة، بشجاعة ووطنية وعقلانية يجب أن يتحلى بها الجميع، لنتجنب الوصول إلى الأيام الصعبة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى