عام 1911 السيد عبدالله العيدروس يرفض الركوع أمام الملك - الإمبراطور جورج الخامس

> فاروق لقمان:

> قام الملك جورج الخامس البريطاني وزوجته ماري - جدة الملكة الحالية إليزابيث - بزيارة رسمية لعدن عام 1911 في طريقهما إلى الهند لحضور مهرجان ضخم - دربار بالهندية - دعت إليه الحكومة مئات الأعيان والسلاطين والمهراجات من أنحاء الإمبراطورية. وكان الملك أيضاً إمبراطوراً على الهند كلها.

وصل الزائران على ظهر الباخرة «سالستيت»» التابعة لشركة ألبينو الشهيرة سابقاً التي كانت بنايتها تشرف على ميدان كرة القدم بالتواهي وبجانبها وزارة الإعلام قبيل الاستقلال وبعده.

وزُينت البلاد كما لم تفعل من قبل ولا من بعد طبعاً بأوامر السلطة الاستعمارية وتم بناء سوق حديث للخضروات والفواكه في التواهي ظل عدة عقود بجانب دار سينما للسيد محمد حمود حسن وأمام منزل كبير بناه السيد عبده غانم شهاب والد الشاعر الشهير محمد. وفي الخلف كانت تقع مساكن أعيان التواهي ومنهم جدي محمد ناصر علي - أصلاً من دبع - وأخوالي حمزة وناصر وأحمد ومحمود.

وكان الوالد رحمه الله قد التحق بمدرسة البادري - كلمة برتغالية الأصل اعتمدها الإنكليز ثم الهنود ثم عرب عدن وتعني قسيساً، ويصف في مذكراته حدثاً تاريخياً لفت اهتمامي كما سيتبين من السياق التالي:

«خرجت جميع المدارس تنشد السلام الملكي عند هبوط الملك الذي كان قد أصبح إمبراطوراً للهند، ونزل في بيت الوالي بالتواهي. ولحن السلام بالعربية الأستاذ صالح حسن تركي الذي عزف على الرباب ومُنحت جائزة أفضل زينة للحاج علي خليل وكان دكانه في ركن السوق الكبير بالقرب من مقهى زكو - أصل الاسم زكريا. كما رُفعت الأعلام على مواقع عديدة منها دكاكين موطا وحسان سعيد محمد وعيال المهتدي وجامنا داس الهندوكي الذي استأجره أو اشتراه منه السيد شرف علي مقابل سوق الطعام، وعدد آخر من الدكاكين ومبارز منها منزل علي شماخ ومبرز محمد علي شماخ».

ويواصل الوالد حديثه:

«حضر الاحتفال السيد عبدالله العيدروس لاستلام ميدالية فارس - سير - وهي من أعلى الألقاب التي كانت لندن تمنحها ولا تزال لأبرز رعاياها في الوطن والعالم. لكن السيد عيدروس رفض الركوع للملك كما كان يقتضي البروتوكول وكما كان يفعل الآخرون من لندن إلى هونج كونج، بل تقدم يصافحه مصافحة الأنداد فمنحه بعد ذلك لقب شمس العلماء. وتخلد ذكر السيد عيدروس وارتفع مقامه أكثر وأكثر».

وكان من بين الزوار العرب بعض سلاطين المحميات منهم أحمد فضل محسن العبدلي، ومن الأعيان الشيخ عمر بازرعه وآدم علي وناخودا وعبدالحبيب خورمجي، وبعض اليهود البارزين. وقد رافق الملك على باخرته إلى الهند عدد من الأفراد منهم الأمير شايف سيف أمير الضالع الذي توفي في الهند، وعلي محسن عسكر النقيب اليافعي وعلي مانع الحوشبي وأحمد بن حسين الفضلي وأحمد فضل محسن العبدلي والسلطان غالب بن عوض القعيطي والسيد حسين بن حامد المحضار والسلطان محمد بن جعبل والسلطان حسن العوذلي والسلطان حسين أم رصاص. وكان مستقلاً ويحكم منطقة البيضاء التي كانت تعرف آنذاك باسم بيضاء حسين أم ناصري، والشريف أحمد أم محسن مولى بيحان والسلطان حسين الواحدي.

خلال زيارته القصيرة لعدن تعهد الملك جورج الخامس ببناء المدارس والمعاهد العلمية وإصلاح ميادين الرياضة. لكن شيئاً من ذلك لم يتحقق فقد كانت مجرد وعود لا ينوي تنفيذها والإمبراطورية في أوجها - قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 - 1918 التي بدأت بعدها تضمحل وتضعف حتى انتهت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945.

وفي عام 1923 ألف الوالد وعمره خمسة وعشرون عاماً كتاباً بالإنكليزية بعنوان (هل هذه قصاصة ورق؟) انتقد فيه السياسة التعليمية الاستعمارية بأسلوب لاذع دعمه بالأرقام والإحصائيات. وفي وقت كانت بريطانيا قد استعمرت عدن لأكثر من ثمانين عاماً لم تكن قد بنت مدارس ثانوية او حتى كلية واحدة ولم يكن قد تخرج أحد من أبناء المستعمرة في جامعات الخارج في أي علم كان. وطبع الكتاب في الهند ونشرته هناك عدة صحف وطنية تستنكر السياسة الاستعمارية التي كانت تكدس العمالة الهندية في كل مجال وتركز على تخريج موظفين صغاراً من العدنيين الذين لا يجيدون سوى بضع كلمات إنكليزية وعربية قبل الالتحاق بأتفه الوظائف مثل كراني - هندية معناها موظف صغير أو بطاوله ومعناها مراسل أو فراش لأنه كان يربط «بطة» أو حزاما أحمر حول خصره ويعتمر مشدة حمراء.

وعانى الوالد كثيراً من العقوبات والعواقب الانتقامية لم ينقذه منها إلا قراره بعد ذلك بالسفر لدراسة الحقوق في الهند بعدما جمع بعض المال من العمل مع شركة أنتوني ألبس في الصومال.

قامت جامعة عدن بجهود مضنية للحصول على نسخة من الكتاب الأول من نوعه لكنها لم تحصل عليه. كذلك زرت مكتبة الإمبراطورية والكومنولث التابعة حالياً لجامعة كمبردج البريطانية في محاولة مماثلة. واتصلت بأرشيفات هندية دون جدوى. ولا بد أن هناك نسخة واحدة على الأقل في مكان ما أو مع أحد السادة الأكارم لعله يتفضل بتصويره وتقديمه للأستاذ الدكتور أحمد علي همداني، نائب رئيس الجامعة وله جزيل الشكر والعرفان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى