> مرسال حسين السقاف:

طالعتنا صحيفة «الأيام» الغراء بمقال تحت عنوان (الوحدة أم والانفصال خالة!) للأستاذ سيف العسلي، نشرته الصحيفة في عددها الصادر يوم الثلاثاء 11 سبتمبر 2007م، ولأن تشبيهات الأستاذ العسلي لا يوجد لها شبيه وقد أتحفنا بالكثير من هذه التشبيهات دونما أي موضوعية فقد ارتأيت الإدلاء بدلوي في هذا الموضوع وكلي أمل في أن صحيفة «الأيام» ستنشر رأيي لأنها عودتنا الترحيب بكل الآراء، وهذا ما جعلها الصحيفة الأكثر انتشاراً في اليمن.

وصف الأستاذ العسلي البعض بأنهم يتعاملون مع الوحدة بنفس تعامل الأبناء مع زوجة الأب (الخالة) دون مبرر وأن الوحدة لليمنيين مثل الأم للأبناء سواء بسواء، وانطلق في مقاله يصف العلاقة بين الأم وحنانها لأولادها، وأنه لولا وجودها لما وجد الأبناء، كل هذا ممتاز ولكن ماذا لو كانت الوحدة هي الخالة فعلاً!

ما كنت أتمناه ويتمناه الكثير من القراء هو أن يكون الأستاذ العسلي موضوعياً، فأن تعيش في وطنك غريباً كأنك لاجئ، مع أن اللاجئين يحصلون على معاملة أفضل من أبناء البلد، وأن تعيش وتعاني كل شيء ويعيش غيرك من أبناء جلدتك عيشة الملوك والأمراء، لا بسبب أنك لست يمنياً وليس لأنهم أكثر وطنية منك ولكن بسبب ثقافة الفيد والتهام كل شيء وحتى الفتات يحاسبونك عليه، فعلاً الوحدة ليست السبب ولكن السبب هم هؤلاء، فهل هذه هي الوطنية والولاء للوحدة، وهل المطالب التي ينادي بها الكثيرون مثل المساواة في العيش في الوطن الواحد تطاول على الوحدة أم أن الثوابت الوطنية وتهمة تجاوزها تلصق بكل من اعترض على السياسات الخاطئة، وكل من نادى وطالب بحقوقه فقد خرج عن الثوابت الوطنية؟ ثم بالله عليك هل تصدق أن البعض لا يريدون الوحدة وأن الانفصال هو مبتغاهم؟! لا أعتقد وأكاد أجزم أن كل يمني يعشق الوحدة ولو مات جوعاً في بيته، ولكن أن يستولي من ينادون بالوحدة زوراً وبهتاناً على كل مقدرات شعبهم وتصبح الوحدة كالخالة التي تحابي أبناءها على حساب أبناء زوجها فتعطيهم الامتيازات والرواتب العالية والمناصب الرفيعة وتظلم أبناء زوجها فلا تعطيهم حقوقهم بل وتسلبهم ما عندهم، وهل يصدق الأستاذ العسلي أن من المتقاعدين العسكريين من يحصل على ألفي ريال كراتب؟! فهل هذه الوحدة الأم، وكيف يأتي الحب للوحدة، هل بالشعارات الفضفاضة أم بتحسين أحوال الناس، وهل ستحب وطنك وأنت تشعر أنك في سجن كبير وأن البعض استولى على كل حقوقك، ويصب جام غضبه عليك لأنك قلت (أح)؟! فلا حق لك في الصراخ والتألم أو المطالبة بحقوقك إلا عندما يراد منك أن تفعل ذلك، مثل أيام الانتخابات وبالحدود والضوابط التي يرونها.

ثم أريد أن أسأل الدكتور العسلي هل الوحدة شعار أم ممارسة؟ عندما يكون الوطن للجميع والعدل أساس الحكم ستجد الرخاء يعم البلد للأب ولولد الولد، أما بهذه الممارسات التي اعتبرتها أنت خاطئة ويمكن إصلاحها فذلك كمن يخبئ التراب تحت فراشه.. ولن ينصلح حال البلد مادامت التبريرات للأخطاء الفادحة تساق من أمثال شخص مثل العسلي لأنه أحد منظري السلطة والنظام القائم فلا بد أن يكون منصفاً حتى ينال بعض المصداقية، إلا إذا كان لا يستمع إلا للجهة الأقوى الممسكة بزمام كل شيء ويرى كل ما تفعله صواباً وكل من يخالفها يسير في البهتان العظيم، فلن نقول له إلا حسبنا الله ونعم الوكيل.

فإما أن تكون الوحدة كما وصفتها في مقالك كالأم التي تحب أبناءها على نحو متساوٍ وإما أن تفضل بعض أبنائها على البعض الآخر فتصبح كزوجة الأب أو الخالة، وهذا يحدد من قبل النظام الذي يحكم البلد، وإلا فالوحدة رمز معنوي، وعندما يشعر المواطن شمالياً كان أم جنوبياً أنه لا يهان في بلده ولا يظلم وأن حقوقه لا تسلب من قبل من لا يخافون الله ولا يتقونه فلن يعترض على الوحدة ولا يمكنه المطالبة بالانفصال، فالوحدة إن لم تكن لرخاء ورفعة الشعب فكأنها لم تكن، ولا يكفي أنك تستطيع الانتقال من مدينة إلى مدينة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب إذا لم تكن المحبة والمودة سائدة بين أبناء الشعب كله، وعندما تزول كل تلك الحساسيات بعمل مؤتمر وطني للمصالحة بين كل أفراد الشعب اليمني على غرار مساعي سلطتنا الحكيمة للتوفيق والمصالحة بين الفصائل الصومالية وتناسي الشأن الداخلي وكان هذا لا يهمها عندما يتم ذلك مع إصلاح أوضاع المتقاعدين العسكريين الجنوبيين سترى أن الوحدة اليمنية ستنتقل من مرحلة الشعار إلى مرحلة المصداقية الوحدوية الحقيقية، وعندها ستكون الوحدة في قلب كل يمني، ولعل دعوة البعض لإصلاح مسار الوحدة حق مشروع لهم مادام البعض يحاول إجهاض مشروع الوحدة بهكذا ممارسات وسلوكيات تسيء للوحدة وتؤثر في مسارها بالانتقاص من وطنية أبناء البلد ونعتهم بالانفصالية.

أتمنى من الأستاذ العسلي أن يكون أكثر إنصافاً وأن يتجرد من المحاباة لأولياء نعمته، وإلا فسيكون كالابن المدلل الذي ينال كل شيء وكل ما يريد ويطلب، فيرى الأم التي تتولى نعمته ورعايته حنونة عليه، مع أن هذه الأم مقترة ومجحفة في حق إخوان له، وهو لا يشعر ولكنهم يشعرون.