«الأيام» ترصد تاريخ المسيمير المندثر وتستبين أسبابه:مدينة المسيمير بين جمال الماضي ورداءة الحاضر

> «الأيام» محمد مرشد عقابي:

>
مدينة السيمير عروس وادي تبن المدينة الرائعة التي لا تبخل عن إهداء زوارها نسيمها العليل، المسيمير نقطة جغرافية على الخارطة لا يمكن أن تصادر اندهاشك عند دلوف قدميك أراضيها، المسيمير لا تأبه للمتغيرات ولا تدنو بالقرب من حدائق المتنفذين، مدينة تبدو لمن يتفرس في ملامحها آثار تاريخ وصنيع الأجداد، ستشعر ببعض التعب بمجرد أن تستطلع كومة ملفات الأرشفة الخاصة بمشاريعها الوهمية، ستنتابك نوبة حزن عندما تبرز المفارقات من بين أسطر لا تترك خلفها أثراً منتظراً رغم الوعود العرقوبية التي أطلقها المسؤولون في المديرية والتي أدمن الناس على زيفها الذي حير الجميع، ستذهش كثيراً عندما تقلب ملفات ترتسم فيها صورة المشاريع الوهمية للمديرية وستصاب حتماً باستعصاء ذهني لكثرة هذه المفاجآت والمفارقات التي لم تقدم للمواطن الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم على تربة أرض آبائه وأجداده، بدون شك وأنت تتحدث عن كل تلك المغالطات ستتوقف كل عضلات الشفاة عن الحركة وسيختلف النبض قليلاً إلا أن الضمير سيبقى ثائراً ولن يستكين إلا بالبوح بما يجيش في أعماقه.. فإليكم أعزائي القراء ما رصدته «الأيام» من وصور بسيطة لمعاناة أهالي مدينة المسيمير.

الطريق أصبح الداخل فيها مفقوداً والخارج منها مولوداً

الحديث عن الطريق حديث ذو شجون له نكهة بطعم العلقم ومذاق المر والحنظل فالطريق التي تقع بمحاذاة سلسلة مترابطة من المنازل وعلى حواف هضاب وعرة بارزة الخشونة أصبحت تصدر العويل والعزاء إلى منازل المواطنين المسالمين، أصبحت سبباً في يتم أطفال وفناء بيوت وأسر، فالطريق التي تربط عاصمة المديرية بأكثر من 9 مناطق ريفية تابعة لها طريق ملتوية كالأفعى تفترش الهضاب والجبال هي كثيرة التعرجات والنتوءات والمنعطفات شقت منذ القدم بطرق بدائية أرضيتها تأكل إطارات السيارات كما تأكل النار الحطب، السائر عليها يتعرض لأخطار شتى والقاصد فيها يعتبر مغامراً بحياته، ملفات مآسيها وضحاياها عديدة والحديث عن مصائبها قد يتسع لعشرات الملفات، فهذه الطريق تحولت من شريان ونعمة لحياة المواطن إلى نقمة ومصدر للموت الزؤوم.

يحدثنا المواطن علي قايد العبد قائلاً:«إن طريق المسيمير الفرعي المستفيد منها 9 قرى والموصلة من وإلى عاصمة المديرية الحديث عنها يسطر بدموع الحزن ويكتب بحبر الدم حيث أصبحت هذه الطريق مصدراً لحصد أرواح الأبرياء ممن يسلكونها على سياراتهم من أبناء المديرية وغيرها والطريق أصبحت تقف كالشبح تبعث المخاوف لكل من يقصد السير عليها نتيجة التعرجات والمنعطفات والنتوءات الظاهرة للعيان بالإضافة إلى بروز الحجارة الحادة فيها التي تلتهم الإطارات وعدم وجود السفلتة فيها ووجودها بين كثبان ترابية آيلة للانزلاق، كل ذلك يعتبر مخاطر تهدد السائر فيها وتعتبر طرقاً مساعدة لإفقاد السائق مقدرة التحكم بمقود سيارته.

ونتيجة لجميع هذه الأسباب التي ذكرتها وغيرها التي لم يتسن لي ذكرها حصلت الحوادث المروعة التي بلغت 15 حادثة سير والتي نتج عنها وفاة أكثر من 12 شخصاً وإصابة آخرين لا تزال تشوهات اصابات البعض منهم بارزة إلى الآن، هذه المأسي لا تعتبر إحصائية متكاملة لكوارث هذه الطريق إنما صورة للأعوام الأربعة الأخيرة دون التنقيب والبحث في ملفها الأسود لما قبل هذه الأعوام». وأضاف قائلاً: «بالرغم من وجود كل هذه الدلائل والاستدلالات المؤكدة والحيثيات المستندة على وقائع ومفاجع هذه الطريق إلا أن السلطة المحلية لم تحرك تجاه ذلك ساكناً ولم تضع حداً لمفاجآتها المستمرة وذلك من خلال عمل طريق بمواصفات سليمة لخدمة جميع سكان المديرية وإنقاذهم من النكبات والمصائب التي تخلفها لهم يومياً هذه الطريق»، ودعا في سياق حديثه كل الجهات الرسمية في المديرية إلى ضرورة المحافظة على سلامة المواطن الذي لا يجد أمامه إلا هذه الطريق ليعبر عليها للوصول إلى عاصمة المديرية لقضاء حاجياته ذهاباً وإياباً عليها»، وواصل القول بأن المواطن لا يجد طرقاً وبدائل أخرى متاحة أمامه إلا المغامرة بحياته ووضع مصيره في حكم المجهول وهو يركب على هذه الطريق» واضاف بأن مكتب الأشغال العامة والطرق يتحمل مسؤولية كبيرة جداً في هذه المآسي التي يتكبدها المواطن الغلبان والتي تطالعنا يومياً وتتحفنا بها هذه المسماة «طريق» والتي لا يجد منها مخرجاً غير النزول والطلوع عليها، وقال:«إن العابر فيها يرفع شعار الموت ويضع يده دائماً على قلبه تحسباً لمواجهة أي طارئ ويتضرع دوماً بالدعاء بسلامة الوصول إلى أهله وأطفاله وذويه» واعتبر في حديثه «أن غالبية القاصدين هذه الطريق يسلكونها لغرض إيصال المواد الغذائية وغيرها من حديث أن غالبية القاصدين هذه الطريق يسلكونها لغرض إيصال المواد الغذائية وغيرها من المواد الأساسية التي يعتمد عليها الإنسان في العيش والبناء وإيصالها إلى مناطقهم البعيدة والنائية إلا أن أحلام هؤلاء في إيصال كل ما يريدونه إلى أسرهم غالباً ما تتبخر نتيجة وقوعهم بين فكي وأنياب وحشية هذه الطريق الكاسرة فمنهم من فارق الحياة دون أن يصل إلى أهله وأطفاله ومنهم من فقد أعز ما يملك من صديق أو حبيب، كل ذلك يحصل وعين مكتب الأشغال والطرق غاضة الطرف عن الدراما الدامية الحاصدة أرواح الأبرياء المسماة «طريق» التي خلفت أسراً مشردة وأطفالاً مشتتين ويتامى وما تزال إلى الآن تواصل مسلسل التلذذ بدماء وأرواح الأبرياء الذين لم يقترفوا أي جريمة سوى العبور عليها بقصد الوصول إلى أهلهم وذويهم إلا أنهم يواجهون فيها مصيرهم المحتوم فمنهم من قضى نحبه فيها ومنهم من ينتظر وتبقى فوق دماء هؤلاء المساكين مياه مكتب الأشغال العامة والطرق بالمديرية راكدة إلى أجل غير مسمى».

مدينة المسيمير حاضرة السلطنة الحوشبية ووجهها المشرق، المسيمير ثغر المديرية الباسم ونورها البازغ المفعم بمواصفات الجمال الطبيعي الخلاب، مدينة المسيمير عبق التاريخ وعنفوان الماضي وأصالة الحاضر تقف ثابتة وشامخة شموخ جبال وروة الشماء، جمالها لا يضاهى، تلك المدينة الهادئة الجميلة التي ما أن تدلف قدماك تربة أراضيها ويمتد نظر عينيك ملامساً مكامن الجمال والسحر الطبيعي فيها وما خلفه الآباء والاجداد من تراث عظيم وموروث تاريخي لا يعوض ولن يجود زمننا الحاضر ومن فيها بأجزاء مما اعتمل في الماضي التليد، مدينة وأنت تقف متأملاً ملامحها يداهمك الخيال كأنك أمام عذراء حباها الله بفائق الجمال تقاوم عينيك للإبقاء على نظرة واحدة ثابتة عليها لإمتاع ناظريك بأحد فنون الخلق الرباني، وهذه الأيام تعيش المسيمير لحظات سلب لمقتنيات جمالها وخدش في وسامة وجهها الذي تحول إلى شاحب التجاعيد وملطخ بأكوام من الأوساخ المتمثلة في تصريف مياه المجاري وغيرها إلى وسط الشارع العام وانتشار القاذورات والقمامة بين ممرات المنازل في ظل تهاون ملحوظ من قبل الجهات الرسمية وذات العلاقة.

وتحدث إلينا المواطن وعضو محلي المحافظة ممثل المديرية محمد صالح بنبرات الحسرة والأسى لما وصل إليه الحال من ترد في أوضاع النظافة وما وصلت إليه واجهة المديرية ورمز حضارتها مدينة المسيمير من حالة يرثى لها وقال:«إن وصول مدينة المسيمير إلى هذا الوضع المزري إنما هو مرآة عاكسة لما يعتمل من سياسات سلطتها وصورة تعكس نفسها لواقع الحال بالنسبة لمكتب الأشغال والطرق في المديرية وما وصل إليه من أسوأ درجات التردي، مؤكداً في حديثه «أن السبب الرئيسي لظهور المدينة بهذه الصورة السيئة المتمثلة في خدش جمال شارعها العام بمياه المجاري وتصريفات المنازل وتكوينها للمستنقات والوحل في وسط الشارع بل وأمام مسجد السنة التاريخي والأثري هو مكتب الأشغال والطرق وهذا يعتبر صورة مبسطة للإهمال الكبير في هذا المرفق المهم» واضاف «أن مكتب الأشغال يقف إزاء هذه الأوضاع المتردية موقف المتفرج ولم يراع حتى قدسية المسجد وطهارته المعرضة للتدنيس من مياه المجاري ولا يوجد لهذا المرفق أي توجيه أو ضبط من الجهات الرقابية والمسؤولة عليه في المديرية لحثه للقيام بعمله وتحمل مسؤولياته» وأبدى استغرابه للسكوت الطويل المسيطر على الوضع والشارع العام على هذا الحال، وأردف بالقول:«إن القاذورات وأكوام القمامة وغيرها في الشارع قمثل ما هي تنقل صورة سيئة عن المدينة لكل من يزورها إنما هي بشكل أصح صورة بسيطة ومجسمة لثقافة المسوؤلين المختصين بذلك الذين يتحولون إلى خيول خلف مصالحهم الخاصة وإلى أوهن من السلاحف لإيصال ما تقتضيه مسؤولياتهم للناس وأبسط مثال على ذلك عدم وجود سيارة لشفط مياه المجاري من الشارع ومن أمام بين الله (المسجد) وكذلك عجز هؤلاء عن عمل ووضع حواجز وتصريف المياه ومخلفات المنازل وإبعادها من الشارع وردم ورصف أماكن المستنقعات والبرك بالإضافة إلى عدم وجود صناديق لوضع أكياس القمامة فيها وإيجاد الحلول والمعالجات لكل هذه المآسي مرهون بمكتب الأشغال والطرق بالمديرية».

تكدس أكوام القمامة ينذر بحدوث كارثة صحية وبيئية

تطل أكوام القمامة برأسها لتضع جمال المدينة في مفترق طرق الإلغاء والإنهاء، خلاصة الزبالة والأكياس البلاستيكية والعلب ومخلفات الإنسان والحيوان ومياه البيارات شكلت في مجملها كتلاً متماسكة من الأوساخ يصعب فكها وأصبحت تمثل نقطة سوداء مشوهة لصورة المدينة ومرتعاً خصباً لتكاثر البعوض المسبب لكثير من الأمراض.

وفي هذا الجانب تحدث إلينا الأخ المواطن والباحث الجنائي عبدالله الشعيبي ليرسم بعض انطباعاته وما يدور في ذهنه حول ذلك حيث قال:«إن القمامة أصبحت تمثل الخطر القادم لنا ولأطفالنا من حيث إنها تعتبر أرضاً ملائمة وخصبة لاحتضان وإطلاق البعوض الناقل لكثير من الأمراض وأصبح خطر هذه القمامة يزداد يوماً بعد يوم ويداهمنا وءطفالنا إلى داخل جدران منازلنا وأصبحت هذه القمامات والأوساخ الموضوعة بين المنازل وعلى ممرات السير تصدر الروائح الكريهة والنتنة وتسبب الإزعاج والأمراض لنا ولأسرنا وأطفالنا وتزيل النوم من أعيننا حتى أنها كونت قاعدة أساسية لإطلاق الذباب ليهاجم طعامنا وشرابنا ويفرز مختلف ملوثات سمومه فيها وكذلك البعوض ليفتك بأجسادنا وأجساد أطفالنا وتلقيحنا بكل ما تحمله تجاويفه من سموم في وقت لا يجد الواحد منا شراء قوت يومه الضروري أو حتى قرص برمول مهدى لآلامه.. كل ذلك يحدث في ظل التغاضي الواضح من قبل الجهات ذات الاختصاص وغياب المتابعة والاهتمام بصحة المواطن الذي أصبح في هذا الوقت ليس له أدنى قيمة وأصبحت صحته وصحة أولاده تباع وتشترى في السوق السوداء».

وأضاف أن أخطار القمامة «قد تتوسع وتستمر في إحكام الخناق علينا وذلك من خلال انبعاث الروائح الكريهة منها وتشكيلها موقعاً مناسباً وبيئة ملائمة لنمو وإقلاع الذباب والبعوض الذي يهاجم براءة أطفالنا، كل هذا يدل على قرب حدوث كارثة صحية وبيئية لا محالة منها إذا بقي الحال كما هو عليه الآن. ونحن المواطنين الذين لا نملك مداً ولا جزراً في حكومة اليوم ندعو عبر لسان حالنا «الأيام» كل من يملك ضميراً حياً وإنسانياً إلى سرعة إنقاذنا وأطفالنا من كارثة محتملة قد تلحق بنا من جراء تراكم هذه القمامات والقاذورات بالقرب من منازلنا وما تسببه لنا من ضنك في العيش وأمراض فتاكة تلازم أطفالنا ونساءنا، كما ندعو السلطة المحلية إلى سرعة التحرك لإزالة هذه الأكوام من أمام ممرات وأبواب منازلنا قبل وقوع الفأس بالرأس وحصول كارثة بيئية بين أوساط المجتمع يصعب احتواء آثارها».

مقتطفات وهوامش من واقع المعاناة

لاتزال المسيمير مثخنة بجراح نازفة لم تندمل جراحها تتوزع على جسدها المنهك بين غياب الكهرباء والماء وعدم وجود الطرق المسفلتة فيها وانعدام نظافة شوارعها وبطالة أبنائها.

وغيرها من معاني وفصول المقاساة المرة التي تحترق فوق صفيحها الساخن مديرية بأكملها فقد أطلق العديد من المواطنين صرخات استغاثة عبر «الأيام» قالوا جميعاً فيها: نحن أبناء الحواشب نرسل نداءنا من فوق سفوح جبال المسيمير الشماء ومن سهولها ووديانها الخضراء ومن تحت ظل وظليل أشجارها المثمرة نطالب كل من به رحمة ورأفة باللحاق وإنقاذ مدينة المسيمير واجهة مديريتنا قبل وصولها إلى المصير المجهول.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى