عبده غانم وجرجرة من أوائل من ابتعثوا أبناءهم للدراسات العليا

> فاروق لقمان:

> كان من أهم أسباب خمود الفكر والرغبة في التقدم العلمي أو الدراسي هو سياسة التعليم الاستعمارية التي درجت عليها الحكومة البريطانية منذ بداية الاحتلال عام 1839 كما يقول الوالد محمد علي لقمان المحامي رحمه الله في مذكراته. ويضع اللوم على مدير معارف مدينة بومباي الهندية الذي قدم تقريراً لحكومة عدن التي كانت خاضعة لإدارة بومباي عام 1925 ضمنه الخطوط العريضة لسياستها التعليمية ولبّها أنها يجب أن تعد طلبة المدارس للخدمة المدنية وفي الدرجات السفلى أو المتوسطة فقط على أن تترك الدرجات العليا للمجلوبين والوافدين وحدهم وأغلبهم كانوا من الهند سيما من بومباي وجوا. ولم يشجعوا أو لم يسمحوا لأهل عدن بطلب العلم بعد الابتدائية. ولما كان الأهالي فقراء أصلاً لم يتمكنوا من تمويل دراسة أبنائهم في الخارج. ولعل السيد عبده غانم شهاب من التواهي كان أول من ابتعث ابناً له هو محمد إلى الخارج لدراسة الأدب في الجامعة الأمريكية ببيروت في بداية الثلاثينات. ولما عاد التحق بسلك التدريس وتدريجياً أصبح مفتشاً وتقاعد 1963 وهو مساعد لمدير المعارف.

لذلك كان لنادي الإصلاح العربي في الميدان بكريتر أمام محطة التاكسي ومقهى زكو - زكريا - فضل عظيم في نيل أولى البعثات الأكاديمية كهدية من حكومة الملك غازي العراقية.

بعد ذلك أرسل الوالد أولاده الأربعة الكبار علي وعبدالرحيم وإبراهيم وحامد إلى مصر للدراسات العليا كما فعل الشيخ محمد عمر الشيبه - جرجرة - بابتعاث ابنه عبدالرحمن الذي أصبح صحافياً كبيراً منذ الأربعينيات حتى اضطراره إلى مغادرة البلاد كما فعل مليون مواطن مثله بعد الاستقلال.

ويتذكر الوالد حياته في العقدين الأولين من القرن العشرين وأسماء بعض المواطنين الذين عاصرهم طفلاً وشاباً في حافتي حسين والعيدروس فيقول:

«حافة حسين جديدة بالنسبة إلى حافة العيدروس وكان من سكانها بيت أحمد مبارك، محمد وعلي أحمد مبارك، وكان من كتبة أمانة الميناء وقد هاجر آل مبارك إلى ممباسا وتانجانيكا ومنهم سعيد علي مبارك الرجل الفاضل. وقد زامل والده عبدالقادر سليمان شيخ أحمد وعثمان عبدالله خليفة وعبدالحبيب خرمجي في أمانة الميناء. وكان يسكن بجوار بيت أحمد مبارك الشيخ قاسم علي شيخ الطريقة الحسانية وكان رجلاً صالحاً وله إلمام بالطب القديم ورث ذلك عنه أولاده عبده محمد علي عاقل سوق اللحم وكان قاسم علي أيضاً من عقال السوق حين كان يؤمه صاح عليوة وحسن مدي وسالم حداد ومحمد حيدرة ومحمد سعيد وديريه عوض والشاؤش ومحسن عليوه.

«وكان عيال عبدالحق محتكرين بيع البيض والدجاج. وبقي أبناء عدن الأصليين في سوقي اللحم والسمك، أما سوق الخضرة والبيض والدجاج فقد تحول إلى أبناء اليمن الأسفل وبعض الصومال ولم يبق فيه من أهل عدن غير عيال الحداد وقد ضعف حالهم وابن صالح هندي. أما عيال محمد خليل وحميدان ومهيوب والأخضري فقد تفرقوا في أعمال أخرى وبعضهم في حال أسعد وفي ثراء وجاه عريض والدنيا كل يوم لناس ورب العرش باقٍ.

«وكان يسكن في حافة حسين إبراهيم علي المحرج وأولاده حسن ومحمد عبده صالح وبيت الجوهري وبيت الدبيش، وكان بعض أولاد الدبيش من أبطال الحارات، وعيال العزعزي وحسن عبدالهادي وعلي شغرير الدلال وحندله عاله الدلال والحاج أحمد الصومالي وكان يملك عدداً من عربات الخيل مثل الحاج إبراهيم وعلي شماخ.

«وفي الحرب العظمى الأولى أثرى بعض العرب بسبب تجارتهم مع البحر الأحمر - جيزان وميدي - ولكن ذلك الثراء لم يدم كله والذين كانوا مسيطرين على منح الرخص للتصدير من الموظفين الأجانب نالوا مالاً وثراءً أوسع بسبب غض الطرف عن الرشوات الكبيرة التي كانوا يتقاضونها.

«وكثير من العدنيين باعوا بضائعهم على تجار موانئ البحر الأحمر بالدين ولم يتمكنوا من استرجاع أموالهم ومن هؤلاء السيد عبدالله بن حامد الذي خسر كثيراً وسافر إلى الحديدة لعله يستعيد الأموال التي خسرها بدون جدوى. وما أحسن نصيحة قالها لي تاجر اسمه عبدالرزاق كان يملك متجراً في السوق الكبير قال بيع بالدين على عدد كبير من التجار الصغار ولتكن المبالغ التي تبيع بها لهم صغيرة فإنك إذا خسرت فلن تخسر كثيراً ولكن احذر أن تبيع بالدين بمبالغ كبيرة لأنك إذا خسرت مستحيل عليك أن تعوض خسائرك ويقول المثل الإنجليزي «لا تضع كل البيض في سلة واحدة».«كان من تجار العرب بيت قاسم القربي وكان أبوبكر قاسم رحمه الله من أصدقائي وبيت باجنيد وباطويل وصالح عبدالقادر صالح جعفر وهو ومحمد جعفر وحسن محمد صالح جعفر من بقية بيت صالح جعفر وكانوا كلهم في زعفران عندما كان العدني سيد الموقف التجاري في عدن.

«وكانت زعفران تعج بالتجار العرب المعروفين باستقامتهم. وقد أخبرني أبي أنه كان يعرف أن أكثر المنازل والدكاكين التي في زعفران كانت أوقافاً على الحرم المكي وقد تداولتها الأيدي وعبث بها الزمان وأصبحت ملك أفراد.

«عشنا، أمي وإخواني وأنا في حافة علي شماخ وكانت هذه الحارة تعج بالسكان العدنيين آل الصعيدي والحاج سعيد عبيد العبقري وسعيد مفاتيح والدحماني وآل حميدان وبيت الظفاري وبيت حسب الله وهو صرنج - ممول بواخر - هاجر إلى عدن من السودان وأحمد عولي الصرنج وكانت عدن قد ازدادت أهميتها بعد فتح قنال السويس عام 1869 وتسيير السفن بواسطة البخار والفحم الحجري، وكانت أول شركة أوروبية وصلت إلى عدن حوالي عام 1882 هي شركة إيدن كول كمبني (كوري براذرس) وهي التي بدأت تستورد الفحم وكان لها رصيف خاص وما يزال وأتت بعدها شركة المسيجري ماري نسيم وسفن الشركة الأخيرة من مارسيليا ميممة نحو الشرق الأقصى واكتتب عدد كبير من العدنيين نوتية وصرنجات في هذه السفن ومن بين الصرنجات الذين عادوا إلى عدن بالثروة هم علي شماخ وعبده شماخ وإبراهيم غباشي والموافي وتأثروا كثيراً بأفكار تقدمية علمية بعد أن شاهدوا العمران في أوروبا والشرق الأقصى.«وما كاد علي شماخ يستقر حتى بدأ يبني عمارات قسم (ف) وعبده شماخ عمر في قسم (د) وكلاهما في شارع مصر وإبراهيم غباشي عمر بيته الواقع في شارع ابن سينا وكان الناس محافظين على منازلهم القديمة لا يتغيرون لأن من الصعب على المرء أن يغير حياته ووضعه ودينه وعقيدته ومذهبه وهو يحاول أن يظل فيما هو فيه دون تغيير أو تبديل ولكن للحضارة والثقافة والأسفار والاتصالات والتقليد آثارها في تطور حياة الشعوب. وقد كان لاتصال الشرق بالغرب والغرب بالشرق أثر فعال في تطور الشرق الفكري فقد حارب الشرق الغرب - كما فعلت اليابان - ونال حريته بنفس السلاح الذي استعمر به الغرب الشرق وبنفس النظريات الذي كان الغرب يتغنى بها. «وعاش في حافة حسين عمي حسين لقمان وعماتي سكينة وزينب وفاطمة وخديجة بنات إبراهيم لقمان وبيت العلس وبيت شواله وشمسان شرف ومحمد سعيد الدبعي وكان أكثر أقاربي يحتلون الجزء الأكبر من حافة دبع وفي هذه المنطقة كان يسكن قاسم بوطة وعزالدين وأحمد صالح هندي وكل آل خليفة وكان من أوائل الذين عمروا منازلهم حسن عبدالله خليفة وصالح عبدالله خليفة وفي حافة دبع كان يسكن الحاج اسماعيل خدابحش أما إخوانه سليمان ويوسف وإبراهيم فكانوا بقرب مسجد خواص.

«ومن العائلات القديمة العدنية بيت مامده وكان حلاقاً خفيف الظل وأذكر أنني سألته وهو يحلق رأسي إذ لم يكن الناس حينئذ قد بدأوا يقصون شعورهم ولكنهم كانوا يقصرونها، قلت له متى هاجرت إلى عدن فقال مازحاً (لما أجينا عدن كان جبل شمسان زغير ودحين شوف كيف استوى كبير) وأكد لي أن الجبال تكبر مثل بني آدم».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى