رمضانيات في الخُلق والعقل

> فضل النقيب:

> حطّم عامل ياباني مكتب رئيسه بهراوة أتت على 22 جهاز كمبيوتر غير الأثاث وما يحتويه، أما السبب فتافه جداً وعظيم جداً في آن، فقد أهدى العامل رئيسه صندوقاً من الحلوى كما تقتضي الأعراف اليابانية تعبيراً عن الامتنان، ولكن الرئيس وضع الصندوق جانباً ولم يكلف نفسه حتى عناء فتحه ليرى ما فيه، وحين ذهب العامل إلى المكتب لأمر ما ورأى الصندوق كما هو مرمياً جانباً شعر بإهانة فجرت غضبه فكان ما كان.

واضح أن السبب تافه، ولكن كسر خواطر الناس أمر عظيم، غالباً لا ننتبه إليه، لذلك ورد في الأثر أن «الكلمة الطيبة صدقة»، فما بالك بأولئك الذين تفيض الفظاظة من مناخيرهم فيردون على الحسنة بالسيئة استكباراً وعلواً في الأرض، علماً أنهم كسائر الناس (أولهم نطفة مَذِرة ومنتهاهم جيفة قذرة) ولكنه الغرور- قاتله الله- الذي يمسخ الآدمية ويورث الذكر السيئ ويؤدي إلى المهانة، فـ«لكل طاهش ناهش» كما يقول المثل، وما سيئٌ إلا سيبلى بمن هو أسوأ منه، يهينه ويقطع لسانه ?{?ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك?}? ذلك أن الكلمة الطيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وكذلك السلوك الحميد فإنه يشبه محل بيع العطور يبهج الناس بروائحه الطيبة حتى وإن لم يشتروا أو كانوا مجرد عابرين بجانبه، بينما السلوك الخبيث كمحل الحدادة، روائح كريهة وشرر متطاير، فكل الناس يتجنبون المرور بجانبه، وإذا اضطروا مرّوا خطفاً وأيديهم على أنوفهم. ومن الواضح أنه كلما كبر مقام الإنسان كان أدعى وأوجب أن يكبر بأخلاقه ويسمو بصفاته، لأن العلو في جانب لا يتناسب مع الهبوط إلى الحضيض في جوانب أخرى، مما نشاهده لدى بعض الناس من لصوص الوجاهة ومحدَثي النعمة ومثيري النقمة، الذين يتشامخون على عباد الله في الأسواق كأنهم من مردة الشياطين الذين ادّعوا فضلاً لأنفسهم لأنهم خلقوا من النار فيما أبناء آدم من تراب.

إن سوء الخُلق يسير جنباً إلى جنب ويداً بيد مع الانحطاط الحضاري، كما أن حسن الخُلق إشارة لا تخطئ إلى الرقي الحضاري، ولنا في التاريخ عبر وأمثال، وسأختار لكم من مقدمة ابن الأثير (الإمام العلامة عمدة المؤرخين محمد بن محمد بن عبدالكريم الشيباني المتوفى سنة 630 للهجرة) لموسوعته الشهيرة «الكامل في التاريخ» بعض ما قاله في تعداده لفوائد التاريخ:

«ومن فوائده أن من إليهم الأمر والنهي إذا وقفوا على ما في التاريخ من سير أهل الجور والعدوان ورأوها مدوّنة في الكتب يتناقلها الناس فيرويها خلف عن سلف، ونظروا إلى ما أعقبت من سوء الذكر، وقبيح الأحدوثة، وخراب البلاد، وهلاك العباد، وذهاب الأموال، وفساد الأحوال استقبحوها، وإذا رأوا سيرة الولاة العادلين وحسنها، وما يتبعها من الذكر الجميل بعد ذهابهم، وان بلادهم وممالكهم عَمُرت، وأموالها درّت، استحسنوا ذلك ورغبوا فيه، وثابروا عليه، وتركوا ما ينافيه، هذا سوى ما يحصل لهم من معرفة الآراء الصائبة التي يدفعون بها مضرات الأعداء، ويخلصون بها من المهالك، ويصونون نفائس المدن وعظيم الممالك. ولو لم يكن في التاريخ غير هذا لكفاه فخراً».

ويؤكد ابن الأثير نجاعة العقل في استخلاص العبر إذا ما راكم المعرفة والتجارب مستحسناً قول الشاعر:

رأيت العقل عقلين

فمطبوع ومسموع

فلا ينفع مسموع

إذا لم يكُ مطبوع

كما لا تنفع الشمس

وضوء العين ممنوع

والمطبوع هو العقل الغريزي، أما المسموع فالعقل المكتسب من الحياة والعلم.. سامحونا، وكل عام وأنتم بخير.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى