البلاغة النبوية

> «الأيام» د. عبده يحيى الدباني:

> ذكر الجاحظ في «البيان والتبيين» واصفاً بلاغة الحديث النبوي قائلاً «وهو الكلام الذي قل عدد حروفه وكثرت معانيه وجل عن الصنعة ونز عن التكلف (أي ابتعد عن التصنع).. استعمل المبسوط في موضع البسط والمقصور في موضع القصر وهجر الغريب (أي الكلام الغريب) ورغب عن الهجين السوقي، فلم ينطق إلا عن ميراث حكمة.. لم تسقط له كلمة ولا زلت به قدم ولا بارت له حجة ولم يقم له خصم ولا أفحمه خطيب بل يغلب الخطب الطوال بالكلام القصير ولا يلتمس إسكات الخصم إلا بما يعرفه الخصم ولا يحتج إلا بالصدق، ثم لم يسمع الناس بكلام قط أعم نفعاً ولا أقل لفظاً ولا أعدل وزناً ولا أجمل مذهباً ولا أكرم مطلباً ولا أحسن موقعاً ولا أسهل مخرجاً ولا أفصح معنى من كلامه صلى الله عليه وسلم».

وبوجه عام فإن الحديث النبوي الشريف يتمتع في بلاغته بسهولة الألفاظ ووضوح المعاني وبلوغ القصد أو الحاجة المتوخاة من الكلام، كما إن من أبرز خصائصه الإيجاز فكلماته وجمله القصيرة تحمل معاني كثيرة واسعة شاملة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يراعي مقتضى الحال أي حال السامعين ومستواهم وطبيعة لهجتهم، كما إن التمثيل يعد خصيصة بارزة في الحديث النبوي من أجل التوضيح والتأثير والإيجاز والإقناع وغير ذلك من الغايات مثل قوله صلى الله عليه وسلم : الناس كلهم سواسية كأسنان المشط، وقوله: جنة الرجل داره.

لقد تحولت بعض الأحاديث إلى أمثال سائرة مثل:«مات حتف أنفه» و«الآن حمي الوطيس» و«إياكم وخضراء الدمن» و«رفقاً بالقوارير» وغيرها. أما موقفه صلى الله عليه وسلم من السجع فإنه كان يستكره سجع الكهان لما فيه من معان باطلة ومن تكلف وتعسف وإطالة، وقد وجدنا بعض الأحاديث مسجوعة ولا باس في ذلك مثل قوله «أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام..» وقوله «إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنعاً وهات، وكره لكم: قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال» وخلاصة الكلام في هذا الأمر ما رآه بعض الدارسين «إن السجع إذا جاء عفو المخاطر وسلم من العيوب فهو زينة وحلية في الكلام ولا يأباه أدب البلاغة النبوية».

قال صلى الله عليه وسلم يصف بلاغته: «إنما أوتيت جوامع الكلام» وقال:«أنا أفصح العرب بيد أني من قريش»، وقال عائشة رضي الله عنها:«ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد كسردكم هذا ولكن كان يتكلم بكلام بين فصل يحفظه من جلس إليه».

ومن مزايا البلاغة النبوية أن أصحاب النبي كانوا يعجبون حينما يجدونه يفهم حديث الوافدين إليه من القبائل المختلفة ويخاطبهم بلهجاتهم، وحينما يسأل الحصحابة النبي عن هذا الأمر كان يرد عليهم بقوله «أدبني ربي فأحسن تاديبي» أي علمني ربي فأحسن تعليمي، صلى الله عليه وسلم.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى