يوصيكم الله (9)

> «الايام» علي بن عبدالله الضمبري:

> يقول تبارك اسمه وتعالى جده ?{?وإن هذا صراطي فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون?}? الأنعام 153. يوصينا ربنا جلت قدرته وعظمت حكمته بأن نلزم (الصراط المستقيم) وتتبعه ولا نتجاوزه إلى (السبل العوجاء) و(الطرق الملتوية) حتى لا تأخدنا بعيدا عن (سبيله) ومنهجه .

جاء في (لسان العرب) لابن منظور: «الصراط: السبيل الواضح»، وعندما نراجع كتب التفسير باختلاف اتجاهاتها نجدها جميعاً تبين أن مصطلح «الصراط» يرتبط بجوهر العقيدة والتوحيد، وهو ما تردد وتكرر في سياق الأيات القرآنية في 39 موضعاً.

وإذا اخترنا سورة الفاتحة نجد فيها ?{?اهدنا الصراط المستقيم?}? فقال ابن القيم رحمه الله في مقدمة كتابه القيم «مدارج السالكين 12-10/1 :«الصراط هو الطريق بصفة عامة، وليكون الطريق صراطا لابد أن يشتمل على خمسة أمور: -1 الاستعانة -2 الإيصال إلى المقصود -3 القرب -4 سعته للمارين -5 تعيّنه طريقاً للمقصود» ثم يبدأ في شرح هذه العناصر فيقول:«إن وصفه بالاستقامة يتضمن قربه، لأن الخط المستقيم هو أقرب خط فاصل بين نقطتين، وكلما تعرج طال وبعد، واستقامته تتضمن إيصاله إلى المقصود، ونصبه لجميع من يمر عليه يستلزم سعته، وإضافته إلى المنعم عليهم ووصفه بمخالفة صراط أهل الغضب والضلال يستلزم تعيّنه طريقاً».

إذن «الصراط المستقيم» هو خطة ثابتة في مجال العقيدة والعمل والسلوك تتجاوز الزمان والمكان لا تُحرّف ولا تتبدل، بل هو آلية معرفية خاطب الله بها عقل الإنسان وروحه.. ويرى ابن القيم أيضاً بأن سورة الفاتحة أعطت تعريفاً إضافياً للصراط المستقيم بأنه ?{?صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين?}? فيقول في نفس الكتاب السابق «وفي تخصيصه لأهل الصراط المستقيم بالنعمة ما يدل على أن النعمة المطلقة هي الموجبة للفلاح الدائم، وأما مطلق النعمة فتكون للمؤمن والكافر، فالنعمة المطلقة لأهل الإيمان، ومطلق النعمة تكون للمؤمن والكافر». فمفهوم «النعمة المطلقة» هو التوحيد والعبادات والأخلاق، وأما مفهوم مطلق النعمة فهو مفهوم استهلاكي ?{?كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا?}? الإسراء 20.

روى ابن مسعود فقال:«خط لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطاً وقال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطاً عن يمينه ويساره وقال: هذه سبل الشيطان، ثم قرأ الآية التي جعلناها تاجاً للمقال (أعني الآية 153 من سورة الأنعام). وهذا التوجيه النبوي يرتبط بمفهوم الصراط باعتباره طريقا موصلاً إلى الله من أقرب السبل، واتصالاً بالدنيا عبر وسطية الإسلام ?{?قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وكذلك جعلناكم أمة وسطا?}? البقرة 143.. ولهذا تكفل الله ببيان هذا الصراط عبر الرسل والأنبياء، وقد اتفق المفسرون في تفسير الآية 39 من سورة الحجر التي تحاور «الشيطان» القائل: ?{?رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين?}? فرد عليه الحق سبحانه : ?{?قال هذا صراط عليّ مستقيم. إن عبادي ليس لك عليهم من سلطان إلا من اتبعك من الغاوين?}?.. ومثل هذا ورد في الآية 16 وما بعدها من سورة الأعراف. وعلى هذه فالشيطان وجنوده وأولياؤه يريدون طمس ومحو وإلغاء معالم ?{?صراط الله الذي له ما في السماوات والأرض?}? الشورى 53. وإبرازه سبل، واتجاهات، وأفكار وفلسفات «تفرقنا عن سبيله» فلنحذر.. ولنع، ولنفهم، ولندرك الحرب الدائرة المعاصرة بين أهل التوحيد وأهل الكفر.. ولنتمسك بهذا القرآن لأنه روح حضارتنا، وصراط ديننا، ووعاء تفكيرنا ومنهج أحكامنا، ومنهل أحلامنا ?}?وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم?}? الشورى 52 .

اللهم اهدنا الصراط المستقيم ودلنا على المنهج القويم وأجرنا من عذاب يوم الجحيم واخترنا إلى أعلى درجات النعيم آمين . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى