مشكلة صحيفة «الأيام»

> د. محمود السالمي:

> لقد أصبح من المألوف أن نسمع ونقرأ الكثير من التعليقات السلبية أو الإيجابية حول صحيفة «الأيام» منذ أن عاودت صدورها في مستهل التسعينات، بعض تلك التعليقات أو الملاحظات قد تكون صحيحة وبعضها يثير الاحترام حتى وإن كانت مجانبة للحقيقة، أما بعضها الآخر فلا تثير الغرابة فحسب بل وتثير السخرية. أطراف حكومية كثيرة بل وكبيرة تتهم صحيفة «الأيام» بالعمالة للخارج، (كويتية بريطانية امريكية) والأكثر من ذلك تتهمها بتضليل القارئ وتحريضه على مقاومة السلطات، فقضايا المتقاعدين والاعتصامات والأراضي وغيرها من القضايا الساخنة في الساحة الداخلية، ليس في هذه الأيام فحسب، بل وفي كل وقت كلها بحسب تعليقات رسمية، من صنع صحيفة «الأيام». وفي المناسبة لم تسلم الصحيفة حتى من تعليقات قوى معارضة كثيرة فهناك من يتهمها بالانحياز للسلطة من خلال تغطيتها معظم الفعاليات الرسمية ومقابلات وتصريحات رموز السلطة، وحتى رموز المحافظة فهي بحسب تلك القوى تفرد مساحات عديدة لنشاطات محافظ عدن ورئيس الجامعة وغيرهما، في حين لا تولي الاهتمام الكافي لفعاليات القوى والأحزاب المعارضة.

لكن السؤال المهم في ذلك كله هو: لماذا أصبحت صحيفة «الأيام» بالذات من بين كل صحف الوطن مشكلة السلطة وحتى المعارضة؟ نعرف صحفاً كثيرة تنتقد السلطة ورموزها بكل حدة، ومع ذلك فغضب السلطة غلى صحيفة «الأيام» يفوق غضبها على تلك الصحف. كما نعرف صحفاً كثيرة محسوبة مستقلة أو معارضة وهي في الحقيقة تروج للسلطة أكثر من صحفها، ومع ذلك فانتقادات بعض قوى المعارضة لصحيفة «الأيام» أكثر من انتقادها لتلك الصحف.

مشكلة صحيفة «الأيام» الحقيقية، بصرف النظر عن موقفنا منها، وبصرف النظر عما تكتبه، أنها صحيفة تحظى باهتمام المواطن على نطاق واسع، على الأقل في المحافظات الجنوبية، وذلك الاهتمام في حد ذاته يجعل من كل ما تكتبه «الأيام» مثيراً ومقلقاً لأطراف كثيرة لاسيما من لا يودون إلا سماع صدى أصواتهم والنظر إلى ألوان أحبار أقلامهم فقط في كل وسائل إعلام الوطن، وما دون ذلك فهو زيف وتضليل وخيانة للوطن. الديمقراطية من وجهة نظرهم هي أن يشاهدوا صورهم في كل صفحات الصحف، كما يشاهدونها في المرآة كل يوم، وهذا هو المطلوب من صحيفة «الأيام» وهذه هي مشكلتها حتى تحظى باحترامهم وتتحول وفق منهجهم الديمقراطي إلى صحيفة لها أهمية كبيرة، ولكن في (المخابز).

كثير من ذوي الجاه والمقامات يودون أن يسخروا الانتشار الواسع الذي تحظى به الصحيفة، والذي عجزت عن تحقيقه الصحف الرسمية، للإشادة والإطراء والمديح لكل ما يقولونه وما يأكلونه وما يلبسونه، كما هو الحال في تلك الصحف، مع أنه كان الأجدر بهم أن يدفعوا تلك الصحف التي تنفق أموالاً طائلة، إلى منافسة تلك الصحيفة بل والظهور بأفضل منها، من خلال تقديم مادة صحفية تسترعي الاهتمام والمتابعة. ولا ريب في أن توجه القارئ إلى صحيفة «الأيام» وغيرها من صحف غير حكومية، على الرغم من سيل الاتهامات بالعمالة والخيانة الذي تتعرض له الكثير من تلك الصحف، هو في حد ذاته تعبير عن رفض ذلك القارئ للإعلام الرسمي الموجه لاسيما الصحفي.

صحيح أن البعض لا يرتاح لصحيفة «الأيام»، لكن الصحيح أيضاً أن هناك آلافاً من أبناء هذا الوطن الذين ينتظرون صدورها بفارغ الصبر كل صباح، حتى قبل فنجان الشاي على حد تعبير وزير يحترم مسؤوليته ويحترم وطنه. وصحيح أيضاً أن الصحيفة يهمها، وربما في المقام الأول، الجانب التجاري، لكن الصحيح أيضاً أن مهنية الصحيفة واستقلاليتها هي التي جلبت لها الاهتمام وبالتالي المنفعة المشروعة، بعكس غيرها التي راعت المنفعة على حساب رسالتها المهنية.

ورغم أي ملاحظات حول صحيفة «الأيام» إلا أننا لا نستطيع أن ننكر أنها مثلت ريحاً منعشة في إعلامنا اليمني، وغني عن البيان ما تتميز به الصحيفة من موضوعات وأبواب وتحقيقات مختلفة، وتغطيتها الصريحة لهموم المواطن، فالمهم في ما تتميز به من احترامها لحق الآخر.

وفي كل الأحوال فقد فرضت الصحيفة نفسها على الجميع ولا يستطيع أحد أن يتجاهلها بصرف النظر عن موقفه منها.

ولا نملك أمام قناعتنا بذلك القدر الكبير من المهنية والحيادية التي تتمتع بها صحيفة «الأيام»، وأمام تلك الضغوط وحملات التخوين والتشهير الظالمة التي تتعرض لها لا سيما هذه الأيام، إلا أن نبدي تضامننا معها ونشد من أزرها وأزر كل الصحف الوطنية التي تحترم قضايا المواطن وتحترم حرية الرأي وحرية الآخر.

فالإصغاء للآخر والانفتاح عليه والقبول بالاختلاف معه واحترام رأيه المخالف مهما كانت نزعته واتجاهه، عمل يصب في مصلحة الوطن ومواطنيه وحكومته، وليس في مصلحة (أمريكا وإسرائيل).
فالديمقراطية الحقيقية هي أن تجادل الآخر، وتستمتع إليه، لا أن تحاول أن تلغيه، فعدم وجود الآخر يعني عدم وجود للديمقراطية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى