هذا الطريق علينا اختصاره

> فاروق ناصر علي:

> (شارع واضح وبنت خرجت تشعل القمر/ وبلاد بعيدة وبلاد بلا أثر../ حلم صالح وصوت يحفر الخصر في الحجر/ اذهبي يا حبيبتي فوق رمشي.. أو الوتر/ قمر جارح وصمت يكسر الريح والمطر/ وبيت يختفي كلما ظهر/ ربما يقتلونا أو ينامون في الممر/ زمن فاضح وموت يشتهينا إذا عبر/ انتهى الآن كل شيء/ واقتربنا من النهر/ انتهت رحلة الغجر/ وتعبنا من السفر)

محمود درويش

مدخل غاضب

> كان الأطفال يلعبون في الشارع حتى ساعة متأخرة من الليل عندما سألتهم: لماذا لا تنامون ومعكم مدرسة في الصباح؟ قال أحدهم: نحن لا نذهب إلى المدرسة!! قلت بدهشة: لماذا والمدارس مفتوحة؟!

قال بصوت فيه رنة حزن ممزوجة بالقهر: أهلنا ليس لديهم المال لمصاريف الدراسة.

> عدت إلى المنزل، لعنت العاصفة.. لعنت العاصفة.. لعنت العاصفة.. هذا زمن لابد أن يتغير (مليارات من الدولارات) من أموالنا من (الجنوب) يأكلونها كل يوم، وأولادنا في الشوارع إضافة إلينا.

لابد أن نستعيد كل ما نهبوه بالقوة لأن العقل لايجدي في زمن اللصوص المتغطرسين الذين يعتقدون أن الناس خلقوا كي يكونوا مجرد عبيد لهم.. لابد أن نجتاز النهر ونجبرهم على عبور هذا البحر.. مهما كان الثمن، لا مفر، لا مفر، لا مفر!!

> أعتذر لأحبائي (هشام وتمام) لأنني كتبت عن هذه الأجيال قبل سنوات، وذكرت في صحف أخرى عن مواضيع قديمة كتبتها في «الأيام»، لكن ما العمل؟!

هي الصحيفة التي كتبنا مقالاتنا منذ سنوات فيها.. ولم نكن نعرف أننا سنبقى في نفس الدائرة لا نتقدم بل نعود إلى الوراء بتسارع مرعب.. عنوان المقال الذي أقتطف منه فقرات هو (التاريخ والأجيال) يا إلهي كأن «الأيام» ستصبح غصباً عنها شاهداً على التاريخ! (بالمناسبة أنا أعرف أن غيري ربما كتب الكثير، لكنني أتحدث عن نفسي حتى لا يتحسس البعض في هذا الزمن الحساس جداً).

هذا المقال كتب في 19 أكتوبر 1996م العدد (298) أقتطف منه الآتي:

متقطف من التاريخ والأجيال

> «أي دولة هذه التي لا تدرك قيمة الإنسان ومعنى بناء الأجيال لضمان المستقبل وتعزيز البنيان؟!

نعم ورب محمد، أي منطق غريب يفرض علينا اليوم فرضاً؟! في الوقت الذي نرى المساهمات الإنسانية الرائعة من قبل الجمعيات الخيرية وبعض البيوت المالية والأفراد تجاه الأسر المنكودة الواقعة بين مطرقة الجوع وسندان القهر.. نرى الدولة لاتتوقف عن دفع ملايين الدولارات لتجار سلع يومياً، سلع معينة باسم (الدعم) في الوقت الذي يعرف الجميع أن الشعب يتجرع العلقم يومياً من أسعار هذه السلع المدعومة!

> أي عارٍ هذا ورب محمد؟! ..

يسود الصمت عندما يتدفق شلال الملايين لدعم (الحيتان وأسماك القرش والتماسيح).. وترتفع الأصوات تشق الأرض والسماء حتى يبقى الأطفال في المنازل والطرقات، وتبقى أسرهم تذرف الدموع قهراً وحزناً من هذا الباطل ومن هذا الزمن الأجرب! إن الذي يجري اليوم جرى علينا بالأمس القريب، الدولة التي ضحت بكوادرها المؤهلة والمجربة (مدنية وعسكرية) وأبقتهم في المنازل والطرقات، ثم ادعت ومازالت تدعي أمام العالم الخارجي والداخلي بأن جميع وظائفهم السابقة لاتتورع عن رمي الأطفال وهم الجيل المجهول في الطرقات والجبال، لأنها تفتقر المعرفة بأهمية الحاضر وانعكاسه على المستقبل.. وتشبعها بالأنانية المفرطة في حب الذات وانعدام الإحساس الذي يتوغل في قلوب المقهورين الأمر الذي يضع الجيل المجرب والمؤهل والجيل الصاعد معاً على كف عفريت، ويضع الوطن كله على شفير الهاوية..»

قبل الخاتمة

> كان ذلك مقتطفاً قصيراً لو عاد إليه من أراد سيجد أننا قد نبهنا مراراً وتكراراً لأمور أخرى تتعلق بأهمية بناء دولة حديثة (دولة المؤسسات دولة النظام والقانون) واستخدام الثروات بالأسلوب العلمي السليم، لكننا كنا نخاطب السراب.

لم يخطر ببالنا أن المسألة كلها لاتنصب على الوطن ولكنها على مجموعة لاعلاقة لها بالوطن.. وها هو السراب قد تخطى آخر حواجز الضياع والخراب.. وعليه أن ينتهي في البحر!!

الخاتمة

> لأن صحيفة «الأيام» فتحت صفحاتها لنا سنوات طويلة، لم تكن تعي ولانحن أيضا أنه سيأتي علينا يوم تصبح هي شاهدة على التحذيرات من المخاطر، ولا نحن كنا نتصور أن علينا العودة مرة أخرى للتدليل عبر متقطفات قصيرة بأننا كنا نحذر من مغبة التجاهل والنسيان وعدم احترام آدمية الإنسان، لابأس، ذات نهار ستصبح «الأيام» لمحبي التاريخ أروع مزار.. ذات نهار.. عندما يعود البحر أغنية زرقاء!!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى