إليها .. وإليهم بمناسبة العيدين

> علي صالح محمد:

> حين أزور آلامك وأسبح في شواطئها يغمر روحي الفرح، لأنني أحن إلى علاج الجراح والندوب، وحين تزورين آلامي وتبحرين فيها كل عام ينتابني الحزن، ولا أخفيك يا سيدتي وأنت تحتفين بذكرى سطوعك المجروح الثالث والأربعين المتزامن هذه المرة بالاحتفاء بعيد الفطر المبارك أن أصرح بأنني أصبحت الآن حزيناً أكثر مما تتصورين، وأبكي بعمق.. أبكي ذلك العمر الذي انقضى مودعا غير عابئ بما حملته لنا الأيام كعمر غير محسوب، وأبكي أولئك الرجال البواسل أولئك الأحرار الذين وهبوا ونذروا أنفسهم من أجل أن يمنحونا حق العيش أحراراً على أرضنا التي احتلت لأكثر من قرن.

يا سيدتي ها هي الأيام تمر كئيبة موحشة، ومعها يمر في الذاكرة الفردية والجماعية سيل من الأحداث المبهجة، وسيول أخرى من الأحداث المحزنة في مشهد تراجيدي مؤلم لحالة الصعود والهبوط وما رافقها من أفراح هنا ومن أتراح هناك لدى هؤلاء هنا وأولئك هناك، ليرحل معها ذلك الوهج وذلك الحلم الكبير الذي طالما راود عشاقك وصناعك وقواك الحقيقية حين قرروا يوماً الانعتاق المكلف أرواحاً ودماء وشهداء كقرابين من أجل تحقيق الحرية المنشودة، وبعدها حين تثعروا عندما أصابتهم ولاحقتهم لعنة دم الإخوة المهدور بلا ثمن، ليترنحوا بلا ندم حين قرروا وحدة اليمن كحلم عانق كل المخلصين في الوطن، وهو العناق الذي لم يدم كثيراً حينما غرزت رماح العسكرة والقبيلة أسنتها القاتلة في جسد الوحدة الواهن لتدفن في عام 1994 وتغرس معها شجرة صراع جديدة ليستمر النزيف وتخبو الآمال، وترحل بعيداً.. بعيداً.. تلك الأحلام الوردية والقدرية التي كانت تمنح القلوب نبضها القوى، والروح فرحها البهي، والآمال مساحتها القصوى في النفوس، رغم قسوة والواقع وعلاته، ومعها اختفت الابتسامة من على الشفاه وجفت الدواء عن الكتابة وتصحرت النفوس والمشاعر، وانتصرت مشاعر الانفصال وكبرت مساحة العداء للنظام وإن في النفوس، لينتهي وإن إلى حين عناق الجبال والرجال الحقيقي، لأن لعنة الدم المهدور لا تخف بالتقادم أبداً حتى وإن جفت الدموع، لأنها التي تغذي الشرارة وجذوة الانتقام حتى يستعاد الحق المسروق ويستقيم العدل المفقود وينتصر الحال المفسود مهما طال الزمان أو بعدت المسافة، وهاهي الرصاص تقتل الأبرياء مجدداً في كل ساحة من صعدة العجية إلى الضالع الأبية إلى المكلا الوديعة إلى عدن رمز الوحدة والحرية.. لينطبق على الجميع قوله تعالى ?{?من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا?}? وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا.

لهذا لا تحزني يا سيدتي.. بل افرحي كثيراً.. لأن الصدر الذي ينصت بحنو للبكاء يمكنه أن يحتضن العناء بلا تردد، ولأنك احتضنت دموعنا لحظة سقوطها وهي منهكة، ورفعت هاماتنا لحظة الهزيمة وهي سائدة أحترمك كثيراً جداً.. نعم قد لا أستطيع النوم لأنني في لحظة عناق مع القمر حتى يكتمل.. وروحي تنتقل في رحلة عناق مع أجمل الذكريات مع من نحب ويصنعون الابتسامة، وكلانا ذهب في رحلة عناق لا تنتهي تنتقل معها أرواحنا إلى مراسي ذكريات الزمان الذي يحتضن بعطف آهاتنا وآلامنا، أفراحنا وأحزاننا، انتصاراتنا وهزائمنا، ويختزن الدموع التي حفرت لها أخاديد عميقة في وجناتنا لتمر بها سيول الحب والفرح، قبل سيول الحزن والألم، التي لن تنضب إلا حين يأتي الأجل المكتوب يوماً من الأيام.. ولـ «الأيام» الصحيفة الشكر الموصول والتحية العظيمة لأننا نحقق عبرها هذا العناق المجيد في رحلتنا التي لم تنته بعد.. والسلام على الجميع، وكل عام وأنتم بخير.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى