في حضرة قريش ..السّهمي واليماني و(حلف الفضول)

> نعمان الحكيم:

> ينقل لنا التاريخ بعضاً من الروائع التي تنتصر لحقوق الناس أو فلنقل هي حقوق الإنسان، بلغة العصر.. ومنها أن يمانياً من (بني زيد) قدم إلى مكة سنة 591م معتمراً ومعه تجارة باعها على العاص بن وائل السهمي (والد عمرو بن العاص، الصحابي الجليل) وكان هذا العاص معروفاً بالعناد والباطل والظلم، وأنكر على اليماني حقه فذهب الزيدي يشتكيه إلى قبيلته فأنكروا حقه وتعصبوا للعاص بعصبية جاهلية صفيقة.

طاف اليماني في قريش طالباً إنصافه واسترداد حقه، عارضاً مشكلته على زعماء القبائل وحلف (المطيبين) و(الأحلاف) لكنهم خذلوه ولم ينصروه.. فلجأ إلى جبل أبي قبيس أثناء مجلس زعماء قريش وأنشأ قائلاً:

يا آل فهر لمظلوم بضاعته

ببطن مكة نائي الدار والنفرِ

ومحرمٍ أشعثٍ لم يقض عمرته

يا للرجال وبين الحِجر والحَجرِ

البيتُ هذا لمن تمت مروءته

وليس للفاجر المأفون والغَدِرِ

هنا حركت هذه الاستغاثة أشراف قريش، فقام الزبير بن عبدالمطلب وقال لليماني (الزيدي) نسبة إلى زيد: لبيك، جاءتك النصفة، والله إن هذا ظلم لا يُصبر عليه، ولا يترك.. وسارع إلى منزل عبدالله بن جدعان عارضاً استغاثه اليماني مطالباً إنصافه من العاص السهمي.. فتنادت أحياء قريش لتشكيل حلف لنصرة المظلوم ويأخذ على يد الظالم، وكانت الاستجابة من كثيرين مثمرة وتشكل الحلف على هذا الأساس.

ومن دار عبدالله بن جدعان انطلق هذا الإعلان الذي احتوى على مادتين:

الأولى: أن لا يظلم بمكة غريب ولا قريب ولا حر ولا عبد إلا كانوا معه يأخذون له حقه ويردون إليه مظلمته من أنفسهم ومن غيرهم.

الثانية: أن لا يدعوا بمكة كلها وفي الأحابيش مظلوماً يدعوهم إلى نصرته إلا أنجدوه، أو يبلغون في ذلك.

وأجمع مؤرخون على أن قيام حلف الفضول إنما جاء نتيجة لحاجة المجتمع القرشي إلى الأمن والاستقرار (بعد حرب الفجّار) التي دفعت قبائل قريش إلى الاجتماع الذي من شأنه إحلال الأمن والسلام والعدل في مكة، لأن حياة أهل مكة تقوم على الوافدين إليها من الحجاج والتجار...إلخ.

كان أطراف الحلف هم: (حي بني هاشم، حي بني تيم، حي بني زهرة) وأن العقد الذي بينهم لم يكن حبراً على ورق بل وضع فوراً موضع التنفيذ وتوجهوا بالوثيقة (الحلف) إلى منزل العاص وأجبروه على الالتزام بقرار الحلف، وفعلا أعاد إلى اليماني حقه.. عندها قالت قريش: (هذا فضول) فسمي الحلف الذي أنشئ في بيت ابن جدعان بهذه التسمية.

إن ذلك يؤكد موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من مظلوم استغاث به لإنقاذ حقه، حيث قدم رجل من أراش بإبل له إلى مكة فابتاعها منه أبو جهل فماطله بأثمانها وعندما لم تنصره قريش ذهب إلى محمد، فذهب معه محمد إلى أبي جهل وقال له: أعد للرجل حقه.. فدفع أثمان الإبل دون إبطاء.. هنا عرفت قريش ما للرجل (محمد) من مكانة في نصرة المظلوم واسترداد الحقوق، حتى من الجبابرة كأبي جهل.

لذلك كانت قضية نصرة المظلوم واردة بعيداً عن العرق والجنس واللون والوطن...إلخ، لأن مجتمعاً يعي هذه الأمور جدير به أن يؤصل لحقوق وحريات سبقت الغرب وأوروبا بأكثر من 1200 عام.

ما أحوجنا إلى استلهام الدروس والعبر التي خلفها لنا القرشيون قبل الإسلام وبعده، لأنها حفظت الحقوق وصانت الحريات وأفضت إلى مأثور بدأ نجمه يبزغ قبل البعثة بعشرين عاماً، وكان أبطاله من أشراف وتجار وأغنياء مكة وأحيائها.

واليمانيون معنيون أكثر من غيرهم، لأن موضوع الحلف كان سببه أحد اليمانيين الذين اغتصبت حقوقهم وأملاكهم، ما أدى إلى استصراخ القرشيين وإرساء حلف سمي بالفضول ربما لمّا ذهب إليه بعض أشراف قريش، وربما لأن في الحلف من المؤسسين ثلاثة يحملون اسم (الفضل).. فلهم الفضل فيما ذهبوا إليه.. إلى يومنا هذا!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى