صدوع في ضمير المثقف.. وأشياء أخرى

> أحمد عمر بن فريد:

> ليس بمقدار الثقافة والاطلاع والمقدرة على تفسير الظواهر السياسية والاجتماعية، يحتل المثقف مكانته في المجتمع وفي الدولة، وليس بمقدار حجم العطاء الثقافي الذي ينتجه المثقف، يمكن القول إنه قد خدم وطنه وشعبه بما منحه الله من خصائص ومميزات ذهنية.. وإنما - وبحسب ظني - من (ثبات ضميره) تجاه قضايا وطنه وبمقدار شعوره بمسؤوليته (كمثقف) ودوره الريادي في الإشارة إلى مواقع (الخلل والزلل) كوظيفة وطنية تعتبر من صميم مهامه وواجباته.. ويكون المثقف ناجحاً في أداء دوره الوطني هذا حينما يجعل من هذه الثقافة وسيلة عصية الاستخدام في غير وظيفتها الرئيسية، وعدم جعلها (وسيلة رخيصة) لتحقيق مكاسب خاصة تجعله قريباً من دهاليز السلطة الكثيرة والمتعددة والتي يمكن أن تجعل من رصيده الثقافي (ترسانة أسلحة) تضرب بها من تشاء ووقتما تشاء.

بهذا القدر يمكن للمثقف أن يحتل مكانته الطبيعية في المشهد الوطني ككل، وبهذا (الواجب الضرورة) يمكن أن يكون علماً بارزاً للضمير الوطني، وترمومتر قياس للتفريق ما بين (الحق والباطل).. وما دون ذلك هو تنازل بمحض الإرادة عن هذه القيمة العظيمة، وإخراجها من مسارها الوطني إلى مسارات أخرى هزيلة تقزم قيمة المثقف وتجعل منه (مثالاً للسخرية والاستهزاء) و(أداة طيعة) في يد الغير الذي يحسن استغلاها ليبرر من خلالها سلوكياته وأخطائه، من أجل أن يبرز السلوك (غير الوطني) وكأنما هو (وطني) بامتياز.

أحد المثقفين من هذه النوعية حاول بجميع ملكاته أن يقلب مهرجان 14 أكتوبر، وأن يلويها ويتعسفها وحاول أن يقدم استنتاجات (خاصة به) بدت في مجملها هزيلة وغير متجانسة.. بل ومتناقضة في بنيتها وفي تركيبها، وحاول أيضاً أن يخلط الأوراق.. مع علمه الأكيد أنه بما طرح إنما يجافي الحقيقة التي يعلمها هو شخصياً قبل غيره والتي كان من الواجب عليه أن يتعاطى معها كما هي بصفتها واقعاً وحقيقة موجودة على الارض.. لا سبيل إلا الاعتراف بها والتعاطي معها.. سرته أم لم تسره، أعجبت ولي أمره أم لم تعجبه، على اعتبار أن الاعتراف بالحقيقة المرة هو المدخل الرئيس لتقديم الحلول والمعالجات وليس العكس.

صاحبنا العزيز.. قزم مهرجان ردفان الكبير في كل شيء.. في حجمه.. في معانيه.. وفي دلالاته السياسية.. ففي جزئية مما ذكر قال «إن هذا المهرجان قد تشكل من بحيرة بشرية صغيرة لا تتجاوز في العدد (30-25) ألفا!! وأنهم عبارة عن كتل بشرية من أعضاء الحزب الاشتراكي الذين جاءوا إلى ردفان بعد أن أصدر لهم الحزب أوامره بالتقاطر إلى الحبيلين! وبعد أن أمن لهم تكاليف المواصلات! فأتوا إلى هناك بلا ملامح وبلا أهداف سياسية واضحة !! ليشهد المهرجان تنازعاً أخلاقياً وثقافياً لتمثيل ثورة 14 أكتوبر».

صاحبنا (المثقف السلطوي) يقول هذا وهو في قصره الذي وفرته له هذه الرؤى القاصرة، ونتيجة لحالة الانقطاع المستمرة التي يعيشها بعيداً عن حقله الوطني الذي هجره لشؤونه الخاصة، فكان أن تحدث بكل هذه الأباطيل.. مع علمه الأكيد أن تلك البحيرة الصغيرة من البشر كانت في حقيقة الأمر (بحيرة كبيرة) لم يشهد لها تاريخ الحبيلين مثيلاً من قبل.. تلك الحقيقة الأولى، كما أن تلك الجموع الغفيرة التي تقدر بمئات الآلاف قد جاءت وتوافدت إلى الحبيلين بإمكانياتها (الفقيرة الخاصة).. وصاحبنا (المعزول) لم يشاهد (العربات) وقد اختفت معالمها بفعل (كومات البشر) التي ركبت المخاطر من أجل الوصول إلى الحبيلين، ولو عبر تحميل العربات أضعاف ما تحتمل حتى وصلت بإرادتها الحرة وعزيمتها الأكيدة التي أمرتها بذلك.. وليس تحت أمر من أحد، كما هو حال المهرجانات (المرتبة الأخرى) التي يخرج إليها صاحبنا وأمثاله.

أما الحقيقة الثانية التي يعلمها أخونا في الله، فتقول إن ذلك المهرجان كان واضح الملامح وواضح الأهداف وواضح الخطاب السياسي أيضاً.. وأنه لا وجود لأي تنازع أخلاقي ما بين كل تلك الحشود المنسجمة في لحظة تاريخية نادرة، وأنه وإذا ما كان هناك أي تنازع أخلاقي من أي نوع كان.. فهو بكل تأكيد موجود في ثنايا خطاب هذا المثقف (الحائر).

غضب الرجل كثيراً.. من قيام بعض المشاركين بنزع صورة عبدالفتاح إسماعيل واستبدال صورة (الشنفرة) بها.. ومع احترامنا وتقديرنا لكل الرموز السياسية في اليمن سواء اختلفنا أم اتفقنا معها، ومع حرصنا وتأكيدنا على ضرورة إعطاء كل ذي حق حقه، وعدم تعسف التاريخ، لكننا في المقابل كنا نود من هذا المثقف أن يمدنا (بالغضب الهادر ذاته) إزاء ظاهرة أخرى مماثلة، قامت بها السلطات الرسمية (الواعية) وعن قصد وتعمد.. وتعسف للتاريخ وهي (إخفاء) صورة شريك الوحدة اليمنية.. وأحد رموز يوم 22 مايو 1990م.. السيد علي سالم البيض، وذلك في كل مناسبة يتم فيها استحضار تلك اللحظة التاريخية الكبيرة.. فيا ترى لماذا لم نسمع احتجاجاً قوياً تجاه هذا السلوك الرسمي الذي أخفى حقيقة تاريخية كبرى تتعلق بيوم تاريخي هو يوم 22 مايو 90؟!

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى