تشي جيفارا شاعراً

> «الأيام» د.هشام محسن السقاف:

> أن يكون تشي جيفارا شاعراً فذاك أمر يحتمل شيئاً من الغرابة، فقد عرف المناضل اللاتيني بنضالاته الجسورة في أمريكا الجنوبية وفاقت شهرته الآفاق .

ولكن هذا ما كشفته الأحداث مؤخراً، فقد نشرت «أخبار الأدب» القاهرية مقالاً كتبه مجدي عبد المجيد خاطر موسوماً بـ«الكشف عن مختارات جيفارا الشعرية» ومما جاء فيه:«كشف مؤخراً عن محتويات الكراسة الخضراء مثنية الأطراف التي كان يحملها الثائر الأرجنتيني ارنستو شي جيفارا، حين اغتالته المخابرات المركزية الأمريكية بقرية نائية في بوليفيا منذ أربعين عاماً وفيها مجموعة من الأشعار التي كان يفضلها، كتبها بخط يده وحسب ما يقول رفاق المناضل فإن جيفارا قد اشترى كراسة رخيصة أثناء وجوده في تنزانيا عام 1963م، وكان يركن فوق شجرة بأغلب الأحيان طلباً للراحة ويكتب فيها .. ومن بين التسع والتسعين قصيدة، وهي عدد القصائد في تلك المختارات، ثمة قصائد للشاعر التشيلي بابلو نيرودا، أحد أعظم شعراء اللغة الإسبانية بالقرن العشرين، والكوبي نيكولاس خويلين والبيروني سيزار فايخو الذي يعتبر أحد أعظم الشعراء المبدعين بالقرن الماضي» (أخبار الأدب 2007/9/30م ص16) والخبر أو المقال مترجم عن «الجارديان» ويأتي متزامناً مع الذكرى الأربعين لاغتيال شي جيفارا، وهي -على ما يبدو - استراحة محارب اقتنص خلالها جيفارا بعضاً من سلوة الخاطر من داخل الدخان وأزيز الرصاص ورائحة المؤامرات .

في تاريخنا اليمني يتسابق الشعر مع الثورة، فقد يولد الثائر شاعراً في مرحلة لاحقة من حياته، أي أن الثورة وشغلها الإنساني المتوقد فيه تكون سابقة لميولات إبداعية في الشعر أو سواه. وقد ينتقل الشاعر في طور من حياته المشبعة بنفحات القريض إلى طور من الثورية تكون الروافد الإبداعية فيه عوناً لنضالات هذا الشاعر في مسعاه الوطني والثوري الذي ارتضاه. وفي الحالة الأخيرة يكاد يكون الشاعر الثائر محمد محمود الزبيري خير من يمثله، فهو الشاعر الذي انتقل بشاعريته إلى مصاف من المواجهة والثورة على الأوضاع بالمسلك المنطقي الذي لا يتعسف المراحل وصولاً إلى اللحظة الثورية المحضة التي جعلت من الكلمة مردافاً موضوعياً للطلقة، فأشعلت قصائده وجدان الشعب، محرضاً ومتحدياً ومدافعاً عن الثورة التي ما أن انتصرت حتى أجهضت بعد ثلاثة أسابيع، لتبدأ مرحلة جديدة من النضال السياسي والشعري للزبيري ناعياً الثورة ومبشراً بأخرى مطارداً في المنافي البعيدة والقريبة حتى قيام ثورة سبتمبر 1962م.

وكان الشاعر المبدع عبدالله هادي سبيت، وهو الذي يختلج عاطفة ووجداناً في ألحانه وأشعاره وأغانيه ينتقل إلى أنموذج حي للشاعر الثائر الذي بأعماله اللحنية الجديدة، أناشيد وأغاني، يصنع عاصفة ثورية في صدور الناس، ويقدح شرارة الثورة قبل أن تتولد هذه القناعة أو توجد لدى الكثير من التنظيمات والأحزاب السياسية.

لقد كان عبدالله هادي سبيت حالة وطنية تفيض عن عبدالله هادي المنتمي حزبياً أو تنظيماً لرابطة أبناء الجنوب، بل وتفيض ثوريته الشعرية أو شاعريته الثورية عن المدى الوطني فيقف مناصراً لثورة الجزائر كأعظم ما يكون التضامن القومي غير مفصول بطبيعة الحال عن الحالة الوطنية الداعمة سواء على مستوى تنظيمه أم على المستوى الوطني العام كنتاج للحالة القومية العارمة التي قادتها مصر عبد الناصر بعد 23 يوليو 1952م.

وغير الزبيري وسبيت هناك نماذج إنسانية رائعة لثورة كان الشعر أصيلاً في تكوينها النفسي، أو عابراً كهواجس تطارح صاحبها في لحظات معينة، وإن كان الدخول الشعري على نفسيات المنخرطين في العمل السياسي أكثر من أن يحصى كومضات تبرق هنا وهناك، أهمها التجربة الشعرية للأخ عبد الفتاح أسماعيل أضفت عليها مكانة الرجل في السلطة ومواقفه اليسارية اهتماماً أكبر بل ومبالغاً فيه في بعض الأحيان على طريق الترويج للحداثة والقصيدة الجديدة، مع المرور على تجارب آخرين تقتبس من بين انشغالاتهم بالعمل السياسي والعسكري كأحمد سالم عبيد على سبيل المثال، وما سمعناه مؤخراً من إرهاصات شعرية وسردية للأخ د. ياسين سعيد نعمان، بل سعدنا بالاستماع إلى قصيدة شعرية لفخامة الأخ الرئيس أثناء لقائه بنا كأمانة عامة لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين قبل عامين تقريباً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى