قوى 14 أكتوبر تتجاوز الماضي إلى غير رجعة

> أحمد عمر بن فريد:

> في ظني الشخصي, أنه لا جدوى على الإطلاق من الرهان على فتح ملفات الماضي في الجنوب , جهة تفتيت هذه اللحمة الوطنية المتماسكة ما بين فرقاء الأمس, ولا أعلم من أي منطلق وطني يجري الحديث حالياً عن ذلك الماضي (الأليم) بكل ما فيه من مآس وكوارث اكتوى بنيرانها الأغلبية الساحقة من أبناء الجنوب خلال الحقب والمراحل السابقة من تاريخنا السياسي في هذه البلاد . ولا أعلم- في حقيقة الأمر - ما هي الفائدة (الخيرة) المرجوة من التذكير بهذه الواقعة التي ذهب ضحيتها الآلاف من أبناء الجنوب في مختلف المناسبات, أو في هذه المقالة (المفخخة) بالحقد الأسود أو تلك , خاصة وأن الماضي لم يكن بأي حال من الأحوال ساراً في الشمال بقدر ما كان في الجنوب.

إن أبناء الجنوب يعلمون تماماً تاريخهم الأليم, ويدركون بالقدر نفسه تفاصيله ووقائعه وأحداثه وتداعياته وخسائره الكبيرة , ولا يحتاجون لأن يذكرهم أحد ما ولو حتى بالجزء اليسير من ذلك الماضي, والأهم من كل ذلك أنهم قد باتون يدركون بدقة متناهية, الأسباب الحقيقية التي قادتهم إلى جميع تلك الصراعات الدموية السابقة التي لم يسلم من نتائجها أحد في الجنوب. وعلى هذا الأساس.. ونتيجة لما يعانونه حاليا من ضيم وتهميش وإلحاق وإلغاء (ممنهج) ومدروس , فقد قرروا بملء إرادتهم الحرة, وليس وفقاً لإرادة أو تعليمات من أحد, (طي) صفحة الماضي بشكل نهائي وإلى غير رجعة, وإحراق جميع ما فيها من مظالم ارتكبت ضد بعضهم البعض.. وهم يفعلون ذلك بنفوس راضية وعقول راجحة وقلوب صافية , خلت من كل ترسبات وأحقاد الماضي وامتلأت بكل الحب والأمل في مستقبل واعد جديد .

لقد ولدت ملتقيات التسامح والتصالح الجنوبية من أجل هذا الغرض الإنساني النبيل, وانطلقت ذات يوم من جميعة ردفان الخيرية في عدن , التي مازالت حتى يومنا هذا تدفع ثمن تلك الخطوة الجبارة (الضرورة) تجاه إحلال قيم التسامح والتصالح بدلاً عن رذائل الفرقة والأحقاد والخلافات.. وليس من قبيل المبالغة, القول بأن جميع ملتقيات التسامح والتصالح الجنوبية التي تتابعت فيما بعد, قد مثلت أروع ملامح التسامح والتصالح الحقيقي ما بين أبناء الجنوب, على اعتبار أن عامل التوحد الأكبر في جميع تلك الملتقيات الخيرة كان الشعور الجماعي بالظلم , وعلى أساس أن أبرز عناصر نجاح تلك الملتقيات, تمثل في كونها لم تنظم من أجل تحقيق مصالح أو مكاسب سياسية ضيقة أو مالية, وإنما جاءت لتؤكد على (مسلمة سياسية) واحدة, ترى في (فعل) التسامح والتصالح, الخطوة الضرورية الأولى لرص الصف وتوحيد الكلمة للمطالبة بالحق المغتصب والمنهوب تحت ظل شعارات عزيزة على أبناء الجنوب ناضلوا وضحوا من أجل تحقيقها, قبل ان تتبدل معانيها وتفرغ من محتواها الوطني الكبير, وتتحول إلى خناجر غدر في صدورهم جميعاً.

وفي ظني أيضاً.. أن يوم 14 أكتوبر الماضي, قد مثل التتويج الحقيقي لتلك اللحمة الوطنية التي بدت متراصة ومتماسكة في حدث لم يشهد له التاريخ السياسي في الجنوب مثيلاً من قبل , حيث توحد مئات الآلاف تحت شعار واحد, وأقسموا أغلظ الإيمان على أن يكونوا (متوحدين).. وهذا التوحد هو (تاج) وعصارة جهود ملتقيات التسامح والتصالح, التي احتضنتها ردفان بين جبالها الشامخة الأبية , لتعني في قاموس السياسة, مولد قوة سياسية جديدة هي (قوى 14 اكتوبر) التي تجاوزت بوجودها الفعال على أرض الواقع جميع طروحات الأحزاب الرسمية بفعل خذلانها وإنكارها أهم قضية وطنية على الإطلاق وهي «قضية الجنوب» التي تبنتها هذه القوى السياسية الجديدة.. قوى 14 أكتوبر.

إن قوى 14 أكتوبر, لم تولد إلا من رحم قيم التسامح والتصالح والتضامن, وهي قادرة على تجاوز ذلك الماضي والانطلاق من خلاله نحو المستقبل , وهي قوى لا تتبنى العنف , ولم تولد من أجل قهر أحد , ولا تحمل في عمقها الفكري والبنيوي أية قيم عدائية لأحد .. وإنما تطرح قضية عادلة باتت اليوم بجماهيريها العريضة رقماً حقيقياً صعباً , لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه .

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى