الوحدة المنشودة والحق الضائع

> محمد علي حسن الهاشمي:

> كثر الحديث عن الوحدة، وما آلت إليه في الآونة الآخيرة من ترد في الأوضاع، وسلب للحقوق، وكبت للحريات، وتهميش للآخرين من قبل المتنفذين، وخصوصاً في المحافظات الجنوبية. قد يعتقد البعض أن الوحدة تعني رصف الشوارع، وتنوير الطرقات، وبناء المنشآت الضخمة، ونثر الورود على التلال والوديان وهلم جرا، والتغني بالمنجزات التي تفوق الخيال، ومن ثم الاستئثار بالنعيم على حساب الآخرين. الوحدة لا تعني ذلك على الإطلاق، إنها بناء شامل، واندماج كلي في كل مقومات الحياة، فليس هناك من فوارق في مكوناتها وخيراتها لا ينعم بها بعض دون بعض، فالكل في ظلها سواسية. الوحدة مدلولها عظيم، فليس معناها الخلوة والانفراد بالحكم كما هو مشاهد في واقعنا اليوم، وما نراه على الساحة خير شاهد على ما نقول .

لكني في هذه العجالة وعبر صفحات «الايام» البيضاء، أقول إن الصورة التي شغلت الكثير من الكتاب والمتكلمين، لم تعد تمثل الجنوب فحسب، بل اليمن من أقصاه إلى أقصاه، فقد استحكم الفساد، واستشره المفسدون، فجذورهم ضربت في أعماق التربة الطاهرة، تربة اليمن السعيد، فالمتنفذون وبمطارق من حديد ضربوا مساميرهم في كل بقعة، فلم يعد المقصد كما درسنا صغاراً داراً بسبب مسمار جحا، فهؤلاء لهم مسامير تفوق العد والحصر ، فكل شيء صار ملكاً لهم، حتى الهواء لو استطاعوا أن يملكوه لاحتكروه، وحكموا على غيرهم بالفناء الأبدي .

وعوداً على بدء فقد يطول غياب الحق، لكن سرعان ما يعود إذا كان وراءه مطالب، وليس من العيب أن نطالب بحقوقنا المشروعة التي كفلها الدستور، في ظل دولة الوحدة المباركة، وعلينا أن نتكلم عن كل حق ضائع عموماً، أي نتحدث على لسان كل يمني، في سياق خطة معدة، تصور الحدث، وتشخص الداء، وتضعه أمام المجهر، ابتداء من معاناة المهمشين في الجنوب إلى أخوانهم التائهين في الشمال فمحافظات الجنوب الأبية، وإن كانت هي الأكثر معاناة في ظل الحكم الجائر، إلا أن القاسم مشترك بينها وبين غيرها من المحافظات الشمالية المنكوبة، بحكم التربة الواحدة، والماء الواحد الذي يسري في أعماق الأم اليمن السعيد.

إن هناك من يريد أن يصور أن هذه المظاهرات إنما هي امتداد لمخطط خارجي انفصالي، تديره أيد خفية، تعمل من وراء الكواليس، وهذا وإن كان ليس صحيحاً قطعاً إلا أنه قد يكون أقرب إلى القبول، إذا سمعنا أن من بين تلك المظاهرات العارمة من يرفع شعارات العنصريةوالتشرذم .

نعم قد يولد الضغط الانفجار كما يقولون، لكن ذلك ليس على حساب وحدة الوطن التعيس. علينا أن نعلم علم اليقين أن هناك من يتربصون بنا الدوائر، وهم من يندسون في مظاهراتنا المشروعة ليرفعوا شعارت تثير الضغائن، ولأغراض مبيتة سلفاً ، يسوقهم إلى ذلك زبائنتهم المتنفذون، الذين لا يريدون أن يسمعوا صوتاً يطالب بحق مشروع، يعكر عليهم صفو عيشهم، فمرادهم تكميم الأفواه، حتى يخلو لهم الجو فيعملون ما أردوا، وليس لهم إلى ذلك من سبيل، سوى أن يدسوا بين تلك المظاهرات المشروعة من يشوهونها ويخرجونها عن طريقها ومسارها الصحيح، وبالتالي يأتي دور الحكومة الحارسة، فتعمل الفأس في الرأس، وهذا قصدها الأساسي ولها في نفس الوقت قوة تستمدها من القانون، طالما وتلك المظاهرات لم تعد تمثل مطالبة بحقوق، بل يهدف من خلالها إلى تمزيق الصف، وتفريق الشمل بين أبناء الوطن الواحد.

فهل يعي من يقيمون تلك المظاهرات هذه المكايدات، ويعلمون على تلافيها مستقبلاً، فبهم سيعود الحق إلى نصابه.

ومن واجبهم تثقيف الشباب، ونشر الوعي الصحيح حتى لا يكون لأي شخص عظم أم صغر، أي مثلبة يمكن أن يتمسك بها لإفشال أي حركة تدعو إلى الإصلاح والتغيير، من خلال شعار العدل والمساواة أساس الملك، في يمن التقلبات والتحولات الذي لم يستقر يوماً على حال .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى