قصة بعنوان (الأكل في الممنوع!)

> «الأيام» مازن فاروق رفعت:

> التم الأولاد الثلاثة حول المائدة، الأم تعد الأطبات..يا أولاد أغسلوا أيديكم قبل الطعام! .. فعلنا يا أماه! ..تأخرت الأم قليلاً عن صب الطعام منتظرة رب الأسرة ليترأس المائدة، حتى جاء هذا الأخير، وكالعادة يطلب الأب من أسرته أن تدعو لله حمداً وشكراً على نعمة الطعام ففعلوا باستثناء أكبر أولاده، فسأله:

-ما بك لا تدعو معنا يا بني؟!

رد الابن: وعلامَ أدعو؟!

بهت الأب لهذا الرد اللا متوقع من أكبر أبنائه، فقال له مستنكراً: ما هذا السؤال السخيف؟! تدعو لله على النعمة!

- أية نعمة؟!

هنا استشاط الأب غضباً وهتف:

- أجننت يا ولد؟! كل هذا الطعام وتسأل أية نعمة!!

رد الابن باستهتار: أتسمي شربة الماء هذه نعمة!!

ضرب الأب الطاولة بقبضته لتتطاير الأطباق في الهواء وتتناثر شربة الماء على الوجوه وصرخ بصوت كالرعد:

- ويحك! أتكفر بالنعمة التي أنعم بها علينا الله؟!

ظل الابن جالساً في مكانه ولم يهتز له جفن أمام ثورة أبيه التي أخافت إخوته، وقال بهدوء:

- أنا لم أكفر! ولكن هناك نعم كثيرة نحن محرومون منها!

-عن أي نعم تتحدث؟!

-عن اللحم!

اتسعت عينا الأب وشحب وجهه وهو يقول:

- ماذا؟!.. ماذا قلت؟!

نهض الابن من مكانه، وبحماس قال:

- اللحم يا أبي! اللحم والسمك والأرز والدقيق والسكر والبيض والدجاج.

قاطعه الأب هاتفاً: توقف!!

لكن الابن واصل بإصرار: كلا لن أتوقف! ماذا عن الطماطم والبطاطا والبصل والليمون والرمان! ماذا عن الحليب والألبان!

انحسرت أمواج ثورة أبيه وجفت لتخلف خوفًاً تجلى بوضوح في نبرته وهو يقول:

- توقف يا ولدي أرجوك!.. لا تخرب علينا حياتنا!

- لماذا يا أبي ؟!

- هذه الأمور من المحرمات ولا يجوز التلفظ بها!

- ولماذا؟!

- لا يجوز وكفى!!

- ولكن كل الناس يتلفظون بها!

- لاشك في أنهم أصدقاء السوء الذين ترافقهم هم من علموك هذه الخزعبلات!

- إنهم ليسوا أصدقاء سوء بل هم ثوار!

- ثوار؟! هذا ما كان ينقصنا ثوار!! انظري يا امرأة ولدك صار ثائراً!.. أيها الولد العاق أتريد أن تضيع نفسك وتضيعنا معك!

- كلا يا ابتي! أنا لن أضيع نفسي بل أني وجدتها منذ ذقت طعم أول رغيف في حياتي!

هتف الأب في ذعر: ماذا قلت؟!

- أجل يا أبي! لقد جعلني الله أعرف أن هناك أشياء أخرى غير شربة الماء التي وعينا عليها.. أشياء مثل الرغيف!.. لقد حصل ذلك بالصدفة وكأنه قدر لي، عندما مرت سيارة فارهة مسرعة من حيّنا ورمى أحدهم من داخلها بقايا رغيف مأكول، فتشاركناه وأصدقائي وقد كنا من قبل نجهل ماهو وعندما قضمت نصيبي من اللقمة، اكتشفت أن لي لساناً يتذوق وأحسست بالحياة تدب في أوصالي فسألنا كبار حيّنا عنه وعرفنا أن اسمه رغيف، وأقسمنا أننا لن نعود لشربة الماء ثانياً!

دفن الأب رأسه بين كفية مردداً :

- يا إلهي!.. يا إلهي! أيها الولد المسكين أنت لا تدري أنك حكمت على نفسك بالهلاك بهذه اللقمة!

لم يكمل الأب كلامه حتى اقتحم البيت مجموعة من الرجال، أشار قائدهم إلى الابن الأكبر قائلاً:

- أنت تعال معنا!

- لماذا؟!

- أنت متهم بالتمرد والعصيان!

- ولكني لم أفعل شيئاً!

أمسك القائد بتلابيب الابن وجره خلفه مغمغماً:

- حقاً! وتناولك لأطعمة ممنوعة كالرغيف ماذا تسميه؟!

استوقفهم الأب قائلاً:

- خدوني أنا! فأنا من تناول الرغيف!

أمسك القائد رأس الابن بكلتا كفيه ووجهه نحو أبيه وقال: انظر إلى وجه ابنك، ألا ترى أنه متورد..

هذه علامة الذنب!

ثم خرج ورجاله بالابن تاركين الأب متسمراً والأم تولول، فجأة هرول الابن الأوسط إلى الحمام وأغلق الباب على نفسه، ثم انحنى إلى الحوض وأدخل إصبعيه في بلعومه ليتقيأ، وعندما خرج من الحمام شاحب الوجه، فوجئ بالرجال يقتحمون البيت مجدداً ويسحبونه معهم، فهتف الأب:

- لماذا تأخذونه ما الذي فعله؟!

- إنه متهم بارتشاف رشفة من الحليب!

- ألا ترون أن وجهه شاحب!

- بلى! لكن عظامه تبدو متينة!

وعندما رحلوا، التفت الأب إلى أصغر أبنائه وقال له بحدة: إياك أن تكون قد أكلت شيئاً ممنوعاًَ!

أجاب الابن فزعاً: كلا يا أبي لم أفعل!

ثم هرول إلى غرفته وأقفل الباب على نفسه بإحكام، والتقط حذاءه من تحت السرير، أدخل يده في داخل الحذاء ليخرج ورقة مكومة بشكل كروي، فتح كومة الورقة بحذر ليخرج منها قطعة حلوى، راح يتأملها بسعادة وكأنها كنز ثمين، التفت إلى باب غرفته ليطمئن بأن أحداً لا يراقبه ثم نظر إلى قطعة الحلوى وقال بصوت خافت:

سانتظر اليوم الذي ألتهمك فيه!

2007/10/19م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى