أما زال المتقاعدون على قيد الحياة؟

> محمد سالم قطن:

> في كل بلدان الدنيا يحصل المتقاعدون على أفضل معاملة وأوفى معاش. فالعسكريون منهم يسمونهم (قدامى المجاهدين)، والتربويون منهم يحصلون على أوسمة (بناة الأجيال). معاملاتهم تنجز في سهولة ويسر، والرعاية الصحية لهم شاملة واستثنائية. ألا ترى أن أغلب السياح الغربيين الذين يفدون إلينا وإلى كل بلدان الخرافات والآثار، هم تلك الشريحة المرفهة المسماة شريحة المتقاعدين. فقد صار لهم من الوقت ما يتيح لهم الفرجة ومن المال ما يمكنهم من حجز مقاعد الطائرات واستئجار أفخم غرف الفنادق والأجنحة والشقق المفروشة.

عن هذه الشريحة في بلادنا وأشباهها حدّث ولا حرج، ولكن بالمقلوب. المعاشات متدنية؛ دراهم معدودة، ثمناً بخساً لرحلة عمر من المعاناة والتضحية والعطاء. نتركهم مركونين بالساعات على مصاطب مكاتب البريد، ينتظرون تسلم معاش الشهر، عندما يطيب مزاج هذا الصرّاف أو يعتدل كرسي ذاك الموظف. الظهور منهم منحنية، والأرجل من مشيهم الزاحف تكاد أن تتعثر. فمن نكد الدنيا، أن نسمع عن الرحلات السياحية التي تنظمها البلدان المتقدمة لمتقاعديها كي يتفرجوا في أربعة أقطار الأرض، فيما نشاهد بأعيننا ما يتعرض له متقاعدونا الذين صاروا تحت وطأة البيروقراطية والروتين السخيف فُرجة الفضوليين وشماتة العاطلين .

ليس هذا فقط، بل نجد أذهان عتاولة الروتين عندنا، تتفتق من فصل لآخر، ومن عام إلى الذي بعده، عن استمارات لا حصر لها من الأسئلة والبيانات يتوجب على المتقاعد الإجابة عنها وتعبئتها، ثم عليه أن يتوجه بها للبحث عن (عاقل الحارة) ليضع على الإجابات ختمه الطاهر البهي وتوقيعه السامي المهيب !!

أول الأسئلة التي تحفل بها تلك الاستمارات الإجبارية سؤال تعتبره كل القوانين، بدءاً من شريعة (حمورابي) وحتى الميثاق الدولي لحقوق الإنسان، سؤالاً استفزازياً، يستحق سائله عقاباً مقرراً في جداول العقوبات الملحقة بتلك القوانين. وهو سؤال : هل أنت حي أم ميت؟ (طبعاً مع تكييف صيغة السؤال وفقاً لطبيعة الاستمارة).

قبل يومين وأنا في معمعة تعبئة تلك الاستمارة سمعت متقاعداً يتمتم وهو يتأبط تلك الاستمارة بكلمات من جوامع الدعاء، يدعو بها في رحلة الطريق الشاقة للبحث عن عاقل الحارة، على من صمم تلك الاستمارة وعلى حاملها إلى المتقاعدين، وعلى من طبعها، أو أعان طابعها وبائعها وحاملها من يومنا هذا إلى يوم يقوم الناس لرب العالمين .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى