التنين المخيف

> د.سمير عبدالرحمن شميري:

> تقول الأساطير إن التنين (حيوان يجمع بين الزواحف والطير)، ويقال (إن له مخالب أسد وأجنحة نسر وذنب أفعى) كما تشير الموسوعة العربية الميسرة، وفي اللغة يقصد به حسب ما تقول المعاجم اللغوية (الحوت أو الحية العظيمة).

والتنين في مسرح حياتنا العربية له قلب من حجر، ومشاعر متصلبة، وأذرع طويلة، وأظفار حادة، وأسنان حديدية، وتهضم معدته الحجر والشجر والحديد والرمل والبشر، ويحمل في دمه فيروسات الحقد والفهلوة والقرصنة لتدمير النفوس العامرة بالخير والمحبة والوداد.

فالتنين بهلواني بحركاته المسرحية، وشرير بنواياه، وثعلب بمكره وقسوته وخداعه، يسعى لعلو كعبه بكل السبل، فيأكل الثمرات بتبجح، ويحلب الضرع حتى آخر قطرة، ويضغط على الجراحات بعقلية بيروقراطية رعناء لتدمير القيم النيرة.

يقول الأستاذ محمد الحديدي:«أسوأ ما فينا هو أن نترك نفوسنا تتفكك، فنشعر بعقولنا، ونفكر بعواطفنا، ونترك غرائزنا تعود بنا إلى أصولنا القديمة».

فلماذا نكره أن نرى بين صفوفنا أصحاب العقول النظيفة والأيادي البيضاء؟ ولماذا يصر البعض على تكريس منهج المكر وقساوة الأوغاد؟ ولماذا يسعى البعض بكل ما أوتي من قوة إلى تدمير القيم النجيبة؟ ولماذا يسلك البعض مسالك غير حميدة، ويصرون على الأخطاء بطرق بغيضة وحاقدة ولا إنسانية؟ ولماذا تهفو نفوس البعض إلى الاستمتاع بآلام الآخرين وتهشيم الصور الناصعة؟

فمن الصعب على الطيبين أن يتطبعوا بطباع العصابات والغشاشين وقطاع الطرق وخفافيش الليل، ومن الصعب على إنسان عاش الحياة نظيفاً يأكل من خير أنامله أن يدخل في ملعب غير نظيف.

فعلى المثقفين- كما يقول نجيب محفوظ- أن ينشطوا لتطهير البشرية من التلوث الأخلاقي.. وغاية ما في الأمر أن الشر عربيد ذو صخب مرتفع، وأن الإنسان يتذكر ما يؤلمه أكثر مما يسره.

فكم تنيناً يعيش بيننا؟ وكم يأكل هذا التنين؟ وكم عدد ضحاياه؟ ولماذا ينتخب الضعفاء لمص دمائهم؟ ولماذا التنين غاطس في بحيرة الممارسات الاعتسافية؟ ولماذا هو فاقد لبوصلة التمييز؟

إننا نعيش حياة قلقة محفوفة بالمخاطر، ففي هذا الزمن غير الأصيل تتمدد البيروقراطية وتتفشى الأمراض المزمنة وتنمو عضلات التنين.

فمن العار أن تتحول حياتنا إلى ساحة للفساد والنهب والعض والوشاية، ومن العار على المنافقين واللصوص والضجاجين أصحاب العقد النفسية والأمزجة الخشنة أن يظلوا عبيداً لغرائزهم غارقين في مستنقع الأوهام، يلبسون ثياب الكهنة والمبشرين، ويقفزون من مربع إلى آخر بتحذلق وجموح وانتهازية بلا حدود، إنهم يضحكون على الذقون بالدعاية والبهرجة والكلام المعسول تحت سحابة من الغموض وبتحمس مفرط للباطل. ولقد قال الأستاذ محمد زفزاف لزميله:«أعتقد أنني أنا الوحيد الذي يفهمك، ليس لأن لدي القدرة على فهم بعض الأشخاص فحسب، بل لأني مسخوط، أو لأني ملعون، نحن الملعونين نفهم بعضنا من غير مشكلة».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى