نابشو القبور

> د. هشام محسن السقاف:

> العبرة في أن تحاجج بأدوات المنطق دون أن تنطلق -أنت-مجتازاً عقال أخلاق المهنة الصحفية وأدبياتها، وليس هناك ما هو أعلى من سقف النقد، ولكن ضمن الضوابط الأخلاقية المتفق عليها بحيث لا نتحول إلى قطعان تتصيد بعضها بعضاً بلغة الاتهام والابتذال والاستعداء، وكأننا في غابة استوائية.

لقد قرأت مقالين للأخ ياسر اليماني - وهو من خارج أهل الكتابة، وكنت أتمنى أن يبقى في نطاق أخلاقياتها- ففي مقاله الأول (لماذا الإجحاف بحق فخامة الرئيس) وبغض النظر عن مضمونه، فإن أسلوبه قد أوضح جهد صاحبه، وأنه دون غيره قد اجترح معجزة الكتابة لتلك المقالة، فبدت ركيكة في مبناها (الأسلوب) أما المعنى (المضمون) فإنه كما عبر عن ذلك الأخ صالح محمد صبري «عودة صريحة إلى شريعة الغاب، ونبذ الخير والقفز فوق منطق العقل والحكمة، والسير في طريق الشر، من خلال نبش الماضي وإيقاظ الفتنة وإشعال فتيل الحرب، وإضرام النار لتحرق الجميع» («الأيام» 17 نوفمبر 2007).

وكان الأخ العزيز الزميل نجيب محمد يابلي قد بادر بغمز قناة اليماني في صلته بالمقالة الموسومة (ما أشبه الليلة بالبارحة) المقالة الثانية المنشورة في صحيفة «الأيام» يوم 11 نوفمبر 2007م، وهو ما يلمسه كل ذي عقل من الأسلوب الذي كتبت به المقالة، بحيث بدت وكأنها لا تمت بصلة لأسلوب كتابة اليماني كما تبدت في مقالاته السابقة.

وحقيقة الأمر أن مقالة اليماني المشار إليها قد حفلت بكثير من التهم الجزافية للأخ علي صالح محمد واستعداء السلطات عليه، وتجاوزت النقد الموضوعي الهادف إلى إصلاح الحال، واتجهت بشخصنة مقصودة لتمس الرجل وتكيل التهم إليه، وتتعداه لتنبش في ماضي الجنوب المرير- الذي بمفهوم الوفاق الذي كرسته الوحدة في 22 مايو 1990م وبطرح فخامة الأخ الرئيس في غير محفل (أن الوحدة تجب ما قبلها) يكون قد أغلق تماماً- إلا أن يكون اليماني أقدر على أن يتسلح بالماضي في وجوه الآخرين غير مدرك لمخاطر ذلك. وهو- الوحدة تجب ما قبلها- ما كان ينبغي أن يتمثله اليماني قبل أن يجرد قلمه من أخلاقيات الكتابة.

والأمر المهم في تقديري أن هذا الظرف الزمني العصيب الذي تمر به بلادنا بحاجة لا إلى حفاري القبور ونابشي الجثث والمتسلين بالعيش الرخيص من بين أنين المعاناة وقسوة الحياة وصراخ الجائعين، وإنما إلى الأصوات الناضجة المتزنة التي تقدر حجم المعاناة وتضع أو تساهم في وضع الحلول والمعالجات الكفيلة بإخراجنا من نفق الأزمة التي خلقها شياطين الإنس من المفسدين والعابثين بمقدرات الوطن الذين يسدون الطرق في وجه الإصلاحات الحقيقية التي يأملها شعبنا اليمني بعد انتظار طويل، ومنها ما ورد في مبادرة فخامة الأخ الرئيس وبرنامجه الانتخابي بالإضافة إلى كل المبادرات الوطنية الأخرى من داخل أطياف العمل الحزبي أو من خارجه، إذ لا يفيد مطلقاً أن يلوح فلان ممن يدسون أنوفهم دون دراية في المداد الأسود الذي يخضبون به الوريقات البيضاء بالقوة والإرهاب، نافخين في كير الفتنة ونبش ثارات الماضي التي ألمت بالجميع في وطننا منذ فجر الثورة في الشمال والجنوب، وليس في الجنوب فحسب يا أخ ياسر.

نريد لكل ذي قلم شريف أن يكتب بتجرد تام من النزعات والنزاعات الجانبية، ونذهب لنبحث عن حلول لمشاكل وطننا التي قطعاً صنعها المفسدون والناهبون، وليس الشعب الذي يعبر عن رفضه للمظالم بطرق سلمية قانونية كفلها الدستور اليمني، ودون حاجة لكيل التهم والاستقواء بقوة الدولة وتأجيج الصراعات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى