كــركــر جـمـل

> عبده حسين أحمد:

> هل لأننا لم نعد نثق ببعضنا.. أم أن الثقة معدومة بيننا من وقت طويل.. أصبحت الوجوه جامدة بدون حياة.. وكان الدم لم يعد يتدفق فيها.. فهي بلا رونق وناشفة؟.. حتى الابتسامة التي تدل على الفرحة والترحيب وعلى نوعية الكلام ونبرة الحوار قد غاضت من الوجوه.

> ولابد أن الكلام لم يعد نافعاً.. حتى لو كان المتكلم عاقلاً.. فالذي يستمع إليه ليس عنده الوقت لكي يفهمه.. وإذا فهمه لم يستفد منه في أسلوب حياته.. ولكن الذين يتكلمون بدون حساب.. لا يفقه أحد من كلامهم شيئاً.. كأنما يستعصي علينا فهم هذا الكلام.. فالظروف قاسية.. والحياة صعبة ومعقدة.. والشباب ضائع بلا مستقبل.. والطلبة في المدارس تائهون لا يعرفون ماذا يصنعون.. والمدارس عاجزة عن تلبية احتياجاتهم وهي (عريانة) لا أثاث فيها ولا نوافذ ولا مراحيض نظيفة ولا تهوية ولا إضاءة كافية.. والجدران والسقوف مهدمة ولا شيء فيها يشجع على الدراسة وفهم واستيعاب الدروس.. هذا هو حال أكثر المدارس في المدن.. أما في المناطق النائية فحدث ولا حرج.

> كنا ونحن أطفال نتعلم ونلعب في المدرسة.. والكتب والدفاتر والأقلام وعلب الهندسة توزع مجاناً.. كل طالب يحصل على كتاب خاص.. ودفاتر بعدد المواد الدراسية.. وأكثر من قلم رصاص وقلم حبر ومحبرة يملؤها فراش المدرسة بالحبر كل صباح.. ويخرج الطلبة صفوفاً ليحصلوا على كأس من اللبن وحبتين من الموز.. وكنا نلعب لكي نتعلم.. ونلعب بالطين ونصنع منه أشكالاً مختلفة.. وكنا نرسم ونلصق الورق ونحرث حديقة المدرسة ونزرعها ونرويها بالماء.. وكل مدرسة فيها أكثر من ميدان لممارسة كرة القدم والسلة والطائرة والتنس.. ويعقد في آخر كل عام دراسي (أولمبياد) مصغر يتسابق فيه طلبة كل المدارس الحكومية والأهلية في عدن.. في ألعاب القوى والعدو والقفز العالي والطويل وقفز الحواجز وشد الحبل.. أين ذهب التعليم؟.. وأين ذهبت الحدائق والميادين المدرسية؟.. وأين ذهبت الألعاب والمسابقات الرياضية؟.. وأين ذهبت المدرسة التي يولد فيها مستقبل اليمن؟

> كل هذا كان يحدث أثناء الإدارة البريطانية في عدن.. كان التعليم في المرحلة الابتدائية -أربع سنوات- مجاناً.. وكان التعليم في المرحلتين المتوسطة والثانوية -سبع سنوات- في فترتين صباحية ومسائية.. وكنا نبقى في مدرسة الحكومة الثانوية في كريتر من الثامنة صباحاً إلى الخامسة مساءً.. وكنا بعد الدراسة في الفترة الصباحية نتناول طعام الغداء من اللحم أو الدجاج أو الخضار والفواكه في قاعة المدرسة.. وفي الفترة المسائية نتلقى بعض الدروس أو نؤدي فروض الواجب Home Work.. ثم يبدأ النشاط المدرسي من ألعاب مختلفة أو مشاركة في جمعيات أخرى مثل التصوير وتجليد الكتب والرسم والتمثيل والخطابة وغيرها.. وكانت المدرسة توفر لنا الباصات من الشيخ عثمان والتواهي والمعلا وكريتر.. وعندما انتقلنا إلى كلية عدن عام 1952م بقي النظام نفسه.. وكنا ندفع رسوماً رمزية مقابل كل ذلك قدرها (عشرون شلناً) في الفصل.. وكان يدفعها للطلبة الفقراء حينذاك رئيس الجمعية الإسلامية الشيخ محمد عبدالله المحامي رحمه الله وجزاه عنا خيراً.

> الاعتمادات الإضافية بالمليارات التي (أكلناها) لو صرفناها في التنمية وعلى تحسين مستوى التعليم والصحة.. لكانت الدنيا بخير!!..

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى