قضية (الجنوب) بين التهوين والتهويل

> عبدالله ناجي علي:

> لا يوجد مجتمع يعيش على هذه الأرض خال من المشاكل.. خاصة منها المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية فالمشاكل موجودة في كل المجتمعات البشرية دون استثناء.. فقط الفرق هنا يظهر من خلال درجات التفاوت في حجم المشكلة بين مجتمع وآخر.. وهذا الفرق يعود أساساً إلى طبيعة الأنظمة السياسية المناط بها إدارة شؤون مجتمعاتها، فنجد الأنظمة التي تعتمد على العمل المؤسسي في إدارة شؤون مجتمعاتها والمعززة بسلطة النظام القانون هذه الأنظمة تستطيع حل مشاكل مجتمعاتها بكل سهولة ويسر وتقوم بعلاجها أولاً بأول، بينما نجد في الجانب الآخر الأنظمة السياسية المصابة بمرض الفساد وسوء الإدارة وللأسف الشديد بلادنا واحدة منها.. نرى هذه الأنظمة تقوم بترحيل مشاكل مجتمعاتها إلى الأمام وتتركها حتى تتراكم وتتحول في نهاية المطاف إلى احتقان سياسي وهذا ما هو حاصل عندنا الآن في محافظات الجنوب.

ونعلم جميعاً حجم المشكلات التي يعانيها مجتمعنا فهي كثيرة ومتنوعة فنجد في المقدمة المشكلة الاقتصادية التي يعاني منها معظم السكان..إضافة إلى أن هناك مشاكل تخص بعض المحافظات مثل مشاكل الثأر ومشاكل المياه.. لكن المشكلة التي تخص أبناء الجنوب فقط هي مشكلة فقدان سكان الجنوب نظاماً إدارياً ومؤسسياً وقانونياً تعود شعب الجنوب العيش في ظله خلال عقود طويلة من الزمن.. وهذا النظام لم يأت من فراغ بل أن شعب الجنوب ورثه من الإنجليز، ويعرف الجميع أن هذه المشكلة قد ظهرت بعد الوحدة مباشرة وقد مثلت هذه المشكلة السبب الجوهري الذي أوجد أزمة 93 التي أوصلتنا إلى الحرب ثم الانفصال.

وبعد حرب صيف 94م المشؤومة ظهرت مشاكل كثيرة في الجنوب نتيجة لعدم تقبل سكان الجنوب السلوك غير القانوني الذي مارسه بعض المتنفذين من خلال نهب حقوق الناس سواء أكانت حقوق فردية أم جماعية.. وحدث السطو على الأراضي والمساكن والمزارع والمصانع وإحالة طابور طويل من الكفاءات القيادية - مدنية وعسكرية- إلى التقاعد، وتم أيضاً السطو على الوكالات التجارية لبعض التجار الجنوبيين.. إضافة إلى إضعاف منظمات المجتمع المدني في عدن.. وقائمة المشاكل طويلة وما هذا إلا قليل من كثير.

كل هذه المشاكل نبهنا لخطورتها منذ وقت مبكر.. وحذرنا من عواقبها الوخيمة على الوحدة الوطنية.. وقد كُتبت آلاف المقالات على صدر هذه الصحيفة الوطنية الوحدوية صحيفة «الأيام».. كل هذه المقالات كانت تطالب السلطة بوضع الحلول لهذه المشاكل قبل أن يقع الفأس بالرأس.. ولو كانت السلطة قامت بحل هذه المشاكل في وقتها لما كنا قد وصلنا اليوم إلى هذا الاحتقان السياسي الذي يعيشه الشارع السياسي في الجنوب.

والغريب في الأمر أننا نرى اليوم إعلام السلطة يتعامل مع هذه المشكلة برؤية سطحية.. أي أن إعلام السلطة (يهوّن) من حجم المشكلة فيما المشكلة كبيرة وخطيرة.. وفي المقابل نرى إعلام المعارضة ينظر إلى هذه المشكلة بنظرة (تهويلية) أكثر من اللازم كما لو أن الجنوب سينفصل غداً أو بعد غد.

ونعتقد أن المطلوب من الجميع سلطة ومعارضة وشخصيات مستقلة أن يتعاملوا مع هذه المشكلة بحجمها الطبيعي بعيداً عن تهوين السلطة وتهويل المعارضة فهناك ياعقلاء الوطن مشكلة حقيقية يعانيها أبناء الجنوب وهذه المشكلة لها أسبابها فقد أنتجتها حرب 94م والمعروف أن الحرب تعتبر أسوأ ظاهرة عرفتها البشرية لما لها من آثار تدميرية على المجتمعات.. وآثار حرب 94م تركت جروحاً كبيرة داخل المجتمع الجنوبي.. وما مشكلة المتقاعدين العسكريين إلا جزء من هذه المشكلة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى