كي لا ننسى .. الحضرمي وولاية القضاء

> نعمان الحكيم:

> كان الخليفة العباسي (الثالث) المهدي محمد بن جعفر المنصور جواداً، مليح الشكل، محبباً إلى الرعية، حسن الاعتقاد، أمّره أبوه على طبرستان، فتأدب وجالس العلماء، وتميز، وتولى الخلافة بعد موت أبيه فقال:«أيها الناس أسرّوا مثل ما تعلنون من طاعتنا، نهبكم العافية، وتحمدوا العاقبة، والله لأفنين عمري بين عقوبتكم والإحسان إليكم»!

والخليفة المهدي (أبو عبدالله) كان تقياً ورعاً يتفقد الرعية ويحسن إلى المحتاجين ويعتني بدور العبادة (المساجد والجوامع)، في حين كان الناس لا يعرفون عنه إلا الطرب والغناء والشعر، ولذلك فقد تأثر بذلك عدد من أبنائه وبناته.

صاح ذات يوم رجل بالمهدي في موكبه قائلاً:

«قل للخليفة حاتم لك خائن

فخف الإله واعفنا من حاتمِ

إن العفيف اذا استعان بخائن

كان العفيف شريكه في المأثم»

فقال المهدي: يعزل كل عامل لنا يدعى حاتماً ..!

من ذلك نستدل على أن الخليفة العادل الفاهم لأمور شعبه وبلده، يكون دائماً بينهم ومعهم، يسر لسرورهم ويحزن لحزنهم، يسخر الأموال لدعم محتاجيهم، ويمنعها عن أغنيائهم، يقيم ميزان العدل والإنصاف في كل صغيرة وكبيرة .. كان يستمع إلى المظالم وينصف أهلها، وكان يعنى بالشعراء والأدباء ولذلك كانت دولته ذات هيبة أدبية وعلمية وعسكرية، خاصة وأنه قد اعتنى بالعسكر وأدّبهم وثقّفهم لكي يواجهوا العامة بشدة لينة مؤدبة، فلا يكون القمع إلا للزنادقة والخارجين عن كتاب الله وسنة نبيه (ص) !

والمهدي اكتسب هذه الصفات الحميدة من أبيه الذي لم يبخل عليه بالتنشئة والتربية الحسنة المتشربة بالدم العربي الأصيل دم اليمانيين الأصلاء .. فالمهدي أمه أم موسى بنت منصور الحميري، ولذلك كان خالص النسب سليم التوجه، ملأ الدنيا عدلاً بعد أن كانت مملوءة ظلماً !

ولما ولى المهدي حمزة الحضرمي القضاء قال له:(أصلب في الحكم).. فإن أبي حدثني فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله: «وعزتي وجلالي لأنتقمن من الظالم في عاجله وآجله، ولأنتقمن ممن رأى مظلوماً يقدر أن ينصره فلم يفعل».

هذه سيرة مقتبسة من السلف الصالح نستنير بها اليوم ونحن في خضم الحياة التي ملئت بالمفاسد، وبعد أن عجزنا عن درء المخاطر، وبعد أن عجزت مساجدنا عن النصيحة والإشارة إلى مكمن الخطأ وإلى موضع الفساد .. عجزنا فأعجزنا الله سبحانه وتعالى عن قول الحق .. وغلبنا مصالحنا الآنية الفانية على مصالح الأمة التي نزل فيها الحديث القدسي أعلاه.

هذا هو الحضرمي الذي ولاه الخليفة القضاء بكلمتين فقط : (أصلب في الحكم) فكان نعم المولّى ونعم المؤمن، ولهذا يذكر التاريخ سيرة المهدي وعدله وورعه .. ما يعني أن النبتة فيها عرق يماني للحاكم، وعزوة للولاة اليمانيين على مر الدولة الإسلامية الخالدة .

فأين ذاك التاريخ منا .. وهل لنا من عودة تحفط الكرامة وتعزز المسار .. إلى يوم الدين؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى