هل حقا نريد حل لمشكلة المياه والقات في اليمن

> أ. د. محمد فارع محمد الدبعي:

> سؤال في غاية الأهمية والخطورة بالنسبة لنا ولأجيالنا القادمة يوجه للقائمين على الأمر.

إن ما يتم القيام به لحل مشكلة المياه والحد من التوسع في زراعة القات لا يلامس حل المشكلة ولا يعطي الاطمئنان لتنمية مستدامة تبشر بمستقبل واعد.

لا أدري هل يريدون أن تبقى المشكلة لتنفجر بعد حين تماماً كما حصل لمشكلة المتقاعدين، وبعد ذلك تختلق الأعذار وينفضون أيديهم من المسئولية؟

مع بداية السبعينات من القرن الماضي بدأ التخطيط التنموي للموارد المائية في اليمن، وذلك عبر دراسات موجهة بصورة رئيسية نحو تنمية موارد المياه السطحية والجوفية في دلتا الوديان الساحلية والمرتفعات والسهول الداخلية المحاذية للصحراء. ومع بدء استنزاف المياه الجوفية في بداية التسعينات وزيادة عدد السكان غير المسبوق، بدأ العمل بإعداد دراسات التخطيط الاستراتيجي لإدارة الموارد المائية وتنميتها وربطها بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

لقد كان ذلك طبيعياً وملحاً، فلقد وصل النقص في إمدادات المياه في بعض المناطق والقطاعات المهمة مرحلة الحرج، كما تزايدت الخلافات بين المستخدمين نتيجة تنافسهم على الكميات المتضائلة من المياه، حتى بلغت هذه الخلافات حد انقسام بعض المجتمعات المحلية على نفسها بسبب حقوق المياه. وفي نفس الوقت تتعرض إمدادات المياه للمناطق الحضرية لقيود جادة ناجمة عن الضخ المفرط من الخزانات الجوفية لأغراض الري، كما أن استمرار التسابق بين المزارعين لضخ آخر قطرة مياه جوفية في أحواض صنعاء، وعمران، وصعدة، وتعز، يجعـل تكلفة الماء تتزايد باستمرار ويعرض هذه المدن الرئيسية وتحديداً العاصمة صنعاء لمستقبل بائس.

وما لم تتمكن الدولة من السيطرة على مواردها المائية من خلال خطوات جادة وحقيقية وعاجلة فإن إمكانية نموها الاقتصادي والاجتماعي و....الخ، سوف يكون مجهول العواقب. إن اتساع الفجوة بين الطلب على المياه وبين ما هو متاح منها يشكل تهديداً للتنمية الاقتصادية الاجتماعية المستدامة في اليمن. فاليمن تواجه تحديات بيئية خطرة، وأصبحت ندرة المياه والتلوث مشكلة خطيرة.

إنه وفقاً للتقارير الرسمية فإن القات يحتل المرتبة الثانية بعد الغذاء في إنفاق الأسرة اليمنية الذي يتراوح ما بين 26 - %30 من دخلها. وقدرت الخطة الخمسية الثالثة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية 2010-2006 حجم الإنفاق الشعبي على تعاطي القات بنحو 250 مليار ريال سنويا، مما يشكل عبئا على ميزانية الأسرة خصوصا ذات الدخل المحدود.

وبالإضافة إلى استنزاف شجرة القات أكثر من 30 40- % من المياه المستخدمة في الزراعة، هذا المحصول الذي تزداد زراعته بنسبة تتراوح بين 9 - %10 سنويا على حساب المحاصيل الأخرى، فإن الأمر لا يتوقف عند إهدار الوقت والمال بل امتد إلى الصحة. إذ تعد المبيدات الحشرية والمواد الكيماوية الخطرة التي ترش على نبتة القات بالذات سببا رئيسا لانتشار الأورام السرطانية الخبيثة، ووفقا لتقرير حديث لمنظمة الصحة العالمية فإن عدد من يصيبهم السرطان في اليمن يصل إلى نحو 20 ألف شخص سنوياً. ومعلوم أن أمراضا خطيرة (كسرطان الرئة واللثة والفم والقولون، الفشل الكلوي وتليف الكبد) بدأت تظهر في اليمن خلال الأعوام الأخيرة نتيجة استخدام مزارعي (القات) المبيدات والمواد الكيماوية السامة بهدف زيادة المحصول ورفع دخلهم منه، حيث تساعد هذه المستحضرات على نمو أغصان القات في أيام قليلة.

ويقوم المزارعون اليمنيون بقطفه وتحضيره للبيع بينما لا تزال العناصر السمية في أوراق القات فعالة، وتشير الدراسات إلى أن %70 من إجمالي المبيدات والمستحضرات الكيماوية المستخدمة للزراعة التي تدخل اليمن تستخدم في مزارع القات. وعلى الرغم من أضرار القات هذه، فإنه يعد نشاطا اقتصاديا مهما لنسبة كبيرة من السكان تتراوح ما بين %30-20، وبفعل عائداته الكبيرة فقد ارتفعت نسبة العاملين في زراعته إلى أكثر من 24 بالمائة من إجمالي قوة العمل في قطاع الزراعة.

لا يمكنك لوم المزارعين، كما يقول أحدهم، فزراعة القات تدر عليهم مكاسب تتجاوز الـ 20 ضعفا مقارنة مع الأرباح التي يجنونها من زراعة البطاطس مثلا.

كما أنه من غير المحتمل أن تلقي باللائمة على من يمضغون القات أيضا، ففي بلاد يعيش حوالي نصف سكانها على مبلغ دولارين للفرد الواحد يوميا، لا بد أنك ستبحث عن الترويح عن النفس والتحليق فوق الواقع أنّى وجدت إلى ذلك سبيلا، حيث بعد ظهر كل يوم يمكن للزائر أن يرى عدداً كبيراً من الرجال وهم يمضغون القات وقد انتفخت إحدى وجنتيهم بحجم كـرة الـتـنـس سواء أكانوا جالسين أم سائرين أم يقودون سياراتهم ويبدو له للوهلة الأولى أنهم يحتاجون لطبيب أسـنـان.

هناك إمكانية متاحة لترشيد المياه في اليمن، ومكافحة الفقر، واستبدال القات، وزيادة الإنتاج، وذلك من خلال خارطة طريق لحل مشكلة المياه والقات في اليمن يمكن أن توجه وتنظم وتسخر وفقا للآتي:

- إعداد خطة وطنية تعززها إرادة سياسة وتشريعية وإجماع وطني بخطورة الوضع وأهمية معالجته.

- العمل من خلال خطة خمسية أو عشرية لنقل الوزارات غير السيادية إلى مدينة أو مدن أخرى لتقليل الضغط على العاصمة صنعاء فمواردها الطبيعية والبيئية لا تحتمل أكثر من 800,000 نسمة.

- تعزيز اللامركزية الإدارية الواسعة الصلاحيات فعلياً من خلال إجراءات عملية، للحد الطوعي من الهجرة إلى العاصمة صنعاء، و تشجيع الهجرة الاختيارية إلى عواصم المحافظات الأخرى من خلال توفير فرص للعمل وتشجيع الاستثمار فيها.

- إقامة المشاريع التي تستوعب كثافة عمالية وتحديداً في المناطق الساحلية، وإيجاد مصادر للرزق والحياة الكريمة للمواطنين في مواقع سكناهم.

- إيجاد بيئة استثمارية حقيقية تشجع على الاستثمار وتحد من هروب رؤوس الأموال، من خلال تنفيذ القوانين ومحاربة الفساد وتفعيل مستوى الأداء للقضاء والاختيار الجيد للكادر، سعياً نحو خلق فرص عمل تستوعب مخرجات الجامعات وتحد من البطالة.

- رفع كـفاءة محطات المعالجة لمياه المجاري في المحافظات بحيث تكون مخرجاتها صالحة للري بشكل آمن للعديد من المحاصيل الزراعية وتساهم في التقليل من استخدام المياه الجوفية.

- إيقاف كافة مشاريع المياه ذات الطابع الاستثماري في حوض صنعاء، ونقلها إلى أماكن أخرى خارجه، ويحبذ أن تكون في المناطق الساحلية حيث يمكن استخدام تكنولوجيا التحلية لذلك. حيث من غير المعقول أن نشتكي من أزمة مياه في العاصمة صنعاء، ومشاريع المياه المختلفة فيها تـغـذي الجمهورية بكاملها من هذا الحوض، بل ودول الجوار كذلك.

- العمل على أن تكون عبوة قنينة الماء المعبأة نصف لتر فقط، حفاظاً على كثير من الماء المهدور.

- توطين تكنولوجيا تحلية المياه في المناطق الساحلية باعتبارها الحل الذي لا بديل عنه لمجابهة الحاجة المتزايدة لهذا المورد على الدوام.

- إيجاد البدائل لمُزارعي القات وتشجيعهم على ذلك من خلال زراعة محاصيل أقل شراهة للمياه ومفيدة للاقتصاد الوطني وغير مضرة بالإنسان والبيئة وفق خطة مدروسة يتم تنفيذها تدريجياً وعلى مراحل من خلال وزراعة الزراعة ابتداءً من حوض صنعاء.

- منع ري شجرة القات بالمياه الجوفية فالوضع لا يحتمل، واقتصار زراعتها في المناطق التي تروى بمياه الأمطار فقط كما كان ذلك قديماً.

- اجتماعات مجلس الوزراء والاجتماعات الموسعة في الوزارات ومرافق العمل والندوات والنشاطات في المراكز الثقافية يتم عقدها عصراً وبدون قات، توفيراً للوقت، وخدمة للمواطن من حيث وجود المسئولين الدائم في مكاتبهم، والحد من تناول هذه الشجرة الخبيثة من خلال تعود الناس في فترة مضغها الانشغال بما هو أهم.

- تفعيل قرار رئيس الجمهورية القاضي بمنع تعاطي القات في المعسكرات والمرافق الحكومية.

- منع استخدام المبيدات في زراعة القات لما تشكله من أضرار على صحة المواطنين وعلى البيئة بشكل عام.

- حصر أسواق القات خارج المدن ومنع بيعه في شوارعها وأزقتها حفاظاً على النظافة العامة وجمال هذه المدن، والمنظر العام للمواطن اليمني.

- النظر في إمكانية الاستفادة من التجربة السابقة التي تسمح بتعاطي القات في عواصم المحافظات في يومي الخميس والجمعة والعطل الرسمية فقط، وكآلية للتخلص التدريجي منه.

- التوسع في عمل المسطحات الخضراء والحدائق العامة والمتنزهات والنوادي الرياضية والمراكز الثقافية وملاعب كرة القدم ليقضي الناس أوقات فراغهم فيما يفيدهم وينمي مهاراتهم وقدراتهم العلمية والعملية.

- التفكير جدياً في إمكانية استيراد القات من دول الجوار على مراحل، كأن نبدأ بطائرة واحدة للعاصمة صنعاء يومياً، الأمر الذي يقلص مساحة الأراضي المزروعة بالقات في حوض صنعاء ويوفر كمية كبيرة من المياه، وباتجاه استبداله بمزروعات أخرى مفيدة وأقل شراهة للمياه.

ورفد الميزانية بمبالغ أكثر جراء الانضباط في تحصيل الضريبة المستحقة. ويمكن أن يكون ذلك من خلال شركة مساهمة يشارك فيها مزارعو القات والعاملون فيه كتشجيع لهم للتخلي عن زراعته.

وإذا نجحت التجربة يمكن التوسع فيها، المهم يجب البدء بشيء ما للقضاء على هذه الشجرة واجتثاثها من بلادنا في المدى المنظور، ولا أدري لماذا كل شيء يمكن استيراده في بلادنا (كل شيء) ما عدا القات؟؟

- الحفاظ على المياه وترشيد استخدامها على مستوى الحقل من خلال إدخال التقنيات الحديثة.

- العمل على تطبيق قانون المياه على الجميع للحد من عمليات الحفر العشوائي للآبار. وكذا العمل على إيجاد بنية لرصد مناسيب المياه في الأحواض وتحديد الكميات المسموح باستخراجها.

- بناء منشآت مساعدة لنظم تغذية الخزان الجوفي للأحواض وتنميتها من سدود وحواجز.

- تهذيب الوديان وحمايتها والاستفادة من كميات مياه السيول التي تهدر وتفقد معظمها حاليا.

- تشجيع الزارعة المطرية وتطوير تقنيات تحسين استغلال مياه الأمطار، والتوسع في استخدام أسلوب حصاد مياه الأمطار على أكبر مساحة ممكنة لأنها تشكل رافداً لا يستهان به في تنمية موارد المياه وتخفف من استنزاف المياه الجوفية والسطحية.

- إدخال طرق الري الحديثة وتحسين الري التقليدي كتقنيات وتكنولوجيا تنمي المورد وترفع كفاءة استخدامه، وقد أثبتت التجارب التي قامت بها وزارة الزراعة والري بأن إدخال طرق الري الحديثة تحقق كفاءة استخدام مابين 30 - 50 %.

بروفيسور الموارد المائية

جامعة صنعاء

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى