كــركــر جــمــل

> عبده حسين أحمد:

> نامت الدموع فترة من الزمن.. ثم أفاقت من جديد ونزلت وحدها أكثر غزارة.. بعد أن نعى الناعي الكابتن الكبير علي محسن مريسي رحمه الله.. وكأن هذه الدموع تريد أن تلحق به.. أن تجري وراءه وتتعلق به.. أن ترده إلينا بخطوات أوسع وأسرع.

> عاش الكابتن علي محسن هذه الحياة بالطول والعرض.. فلم تكن هذه الحياة تضايقه أبداً.. فهو لا طلب منها شيئاً.. ولم يكفلها أي شيء.. لذلك رضيت بأن تكون له كل شيء وأي شيء.. الذي أراد.. والذي أحب.. بعد أن أخلصت له.. فكانت له الشهرة والمجد والحرية والحب.

> ولكن في لحظة خاطفة خسر كل شيء.. ضاع قلبه.. وهرب منه جسمه.. والحياة التي أحبته وأحبها بسبب قرار عسكري أحمق وغيور.. شطب اسمه من نادي الزمالك المصري.. وحكم عليه بالإعدام رياضياً في مصر.. بعد مجد عريق في كرة القدم في مصر التي أحبها.. والشعب المصري العظيم الذي أحبه وصفق له طويلاً وكثيراً.

> وأنا لا أريد أن أكتب عن الكابتن علي محسن كلاعب كرة القدم العظيم أو كمدرب الفريق الوطني في اليمن.. ولكن أريد أن أكتب عن الكابتن المريسي الإنسان الذي عرفته في أحسن الظروف وأصعبها.. فالرجل كان مفرطاً في الحساسية.. وعانى كثيراً من مخاوف كثيرة جداً.. من الممكن أن تحدث لأي إنسان.. وقد سيطرت هذه الهموم عليه زمناً طويلاً.. وكان من عادته أن يطوي همومه في نفسه.. ولذلك كنا نعرف منها القليل.. وكان هو يحمد الله أننا لا نفهم منها الكثير.. فهو لم يعد يحتمل الكلام أكثر لكي لا نفسد عليه بقية حياته التي تراكمت عليها الآلام والأوجاع ومرض القلب والسكر وعشرات المشاكل الأخرى.. من الذين عرفوا فضله عليهم.. ومجدوه ثم خاصموه في أيامه الأخيرة.

> وبالرغم من ذلك كان الكابتن علي محسن رجلاً ودوداً لا ينفجر في وجه أحد إلا لأسباب معقولة جداً.. وهو مع ذلك كان إنساناً طيب القلب.. كريماً.. يحب النكتة.. وهادئاً جداً.. ولكن مرضه الأخير ثقل عليه ودفعه إلى اعتزال الناس.. والفرار من حياتهم.. لأنه كان يكره المرض.. وكان لفرط حساسيته لا يحب أن يراه الناس مريضاً.. لأنه كان يكره الشماتة في عيون الذين أحبهم والذين لم يحبوه..

> وكان الكابتن علي محسن من أكثر الناس لطفاً ومرحاً.. بالرغم من أنه عاش معذباً بعيداً عن مصر.. ولذلك لم يكن في حاجة إلى أحد يضاعف عذابه.. ولم يفكر في أن يحمل إنساناً آخر هذا العذاب.. فقد عرف الحب.. وعرف أن الحب أعمى بعض الأحيان.. وأن هذا النوع من الحب قد يكون مجرد تمثيل في تمثيل.. ولكنه لم يشعر بالخوف أبداً من أن يتهمه الناس بأنه عاجز عن الوصول إلى من أحب.. بعد أن وصل إلى من كانت معدته تعصر القلوب وتمضغ العطف والحنان.

> المهم دخل علي محسن في غيبوبة تامة.. فلا شعر بأحد ولا شعر بنفسه.. ثم غادر هذه الحياة.. وتركنا وكل شيء يدور في رؤوسنا بلا ترتيب ولا نظام.. وترك المجد والشهرة والقسوة والألم والحياة التي لا ترحم أحداً.

> رحم الله الكابتن علي محسن.. فقد عاش عظيماً.. ومات عزيزاً

نشرت في 1 ديسمبر 1993م مع التعديل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى