إخضاع قضاة عدن للامتحانات

> د.سمير عبدالرحمن شميري:

> ذات يوم قريب كاد قلبي ينخلع مني، وأنا أرى حفنة من شيوخ عدن (المأذونين الشرعيين) يضربهم القلق، ويستبد بهم السؤال: لماذا نخضع لامتحانات؟! وهل نحن موظفون جدد في سلك القضاء؟! وهل من شك في مؤهلاتنا وقدراتنا الفقهية واللغوية والشرعية؟! وهل مازلنا أطفال مدارس نخضع لفحص بئيس وامتحانات، بينما الآخرون لا يخضعون لهذه الامتحانات سوى الدماء الجديد المنخرطة في سلك المأذونية؟! وهل يخضع المأذونون الشرعيون في المحافظات الأخرى لمن هم في مستوانا وعمرنا لمثل هذه الامتحانات؟!

فكظموا غيظهم واعتصموا بحبل الصبر متذكرين قول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه:(واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) صدق الله العظيم.

وبرغم الأشواك والكروب والمنغصات اجتازوا الامتحانات التي أشرف عليها شخصياً رئيس محكمة عدن السابق القاضي عصام السماوي، واعتقدوا أن السحابة انقشعت، وأنهم تجاوزوا حقول الألغام وساروا في طريق واضح المعالم، لأنه كما قال سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: «من سلك الطريق الواضح ورد الماء، ومن خالف وقع في التيه».

وما يدعو للحزن أن هناك من يأمر شيوخنا اللامعين اليوم أن يتجهوا لقاعات الامتحانات لاختبار مؤهلاتهم وقدراتهم الفقهية والشرعية، رغم معارضة نزر من الشخصيات المسئولة والفطنة لمثل هذه الأوامر، ويحاولون قدر المستطاع عدم الوقوع في الزلل بعقول نابهة وعواطف نبيلة ومشاعر صادقة لأن ذلك يعتبر مساساً صريحاً بشيوخنا واستخفافاً مفجعاً بمقدراتهم وحكمتهم وتميزهم في علوم الشريعة والفقه.

لو كان لي سلطان لما حولت هذه الصفوة المختارة من العلماء والشيوخ إلى تلامذة صغار في المدارس بملازمهم وحقائبهم المدرسية وأقلامهم وأوراقهم، يقفون أرتالاً لتأدية الامتحانات بوجوه عابسة وأجنحة مكسرة.

لقد اشتغل هؤلاء بمهنة الفقه والتشريع والقضاء قبل أن يولد البعض من المتنفذين، ورضعوا من ثدي المعرفة والعلوم الفقهية والشرعية منذ نعومة أظفارهم، في وقت كان فيه البعض في بطون أمهاتهم.

ولا نسرف إن قلنا إن قسطاً معتبراً من هؤلاء تتلمذوا على أيدي شيوخ أجلاء في مدينة عدن العامرة بالعلم والعلماء وجهابذة الفقه أمثال الشيخ أحمد محمد العبادي، والشيخ محمد بن سالم البيحاني، والشيخ محمد بن داود البطاح، والشيخ مطهر الغرباني، والشيخ عبدالله بن علي بن حامد الصافي، والشيخ كامل عبدالله صلاح، والشيخ علي محمد باحميش، والشيخ سالم عبدالله الشاطري.

وقد لا يدرك أهل القرار ما يحدثونه من هزات تزلزل أفئدة رجال العلم والورع والتقوى، فيصابون بنوبات من الكمد النفسي وبوخزات وجدانية وآلام روحية، وقد لا يدركون أن هذه القرارات غير المنصفة تؤدي إلى إفرازات خبيثة تحطم روح المواطنة الواحدة، وتعمق مناخ الكآبة، وتمزق نسيج اللحمة الوطني.

ماذا تريدون من هؤلاء؟! إنهم مؤهلون لممارسة وظيفة (المأذون الشرعي) وغير مؤهلين للسرقة والنصب والاحتيال.. وهناك قادحة كبرى في حياتهم هي أنهم لا يجيدون فن التزلف والإغواء والمتاجرة بالدين، ولم يطالبوا قط على غرار ما طالب به قسط من المتشددين بضرورة تجديد عقود النكاح لمن تزوجوا قبل الوحدة اليمنية لغرض في نفس يعقوب، ولم يقفوا في صف الفتوى الظالمة التي (تحلل نهب عدن وبيع نسائها وأطفالها كعبيد في المزادات) وتشكك في عقائد وضمائر الناس.

كفوا عن الذبح والطعن والتشكيك بعلمائنا.. فعدن ليست امرأة عاقراً.. فيها يشمخ العلماء والفقهاء ورجالات الفكر والأدب والثقافة والفن، فيها تولد العقليات الحرة والمبدعة، وفيها يولد الأحرار ولن تخسف شمس العقل في هذه المدينة، ولن تصاب بقحط ثقافي ومعرفي وفقهي، برغم الزلازل والهزات المرعبة ستظل ابتسامتها صريحة كمقلة شمس.

(?فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) صدق الله العـظيم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى