عيد الحرية والجلاء والمجد والإباء

> يحيى عبدالله قحطان:

> (?من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا)

إن لكل أمة من الأمم أمجاداً ومحطات تاريخية ومناسبات وطنية تحتفل بذكراها كي تأخذ منها العظة والعبرة وتستفيد من تجاربها وتضحياتها وتتعلم منها دروسا لرسم حاضرها ومستقبلها وبناء حياتها العادلة والراقية وتجعل منها حافزاً ودافعاً للمضي قدماً من أجل إكمال تلك المسيرة الخالدة التي دشنها أولئك المجاهدون الأحرار والمناضلون الأبطال الذين يأبون الضيم والطغيان ويرفضون الظلم والاستبداد مضحين بمهجهم الغالية ودمائهم الزكية من أجل تحرير شعوبهم من أسر التخلف والاستعمار ومن الذل والاستعباد.

وكم هو عظيم أن يحتفل شعبنا اليمني العظيم هذه الأيام بأعياده الوطنية عيد ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر المجيدتين والعيد الأربعين للاستقلال الوطني الثلاثين من نوفمبر عام 67م وجلاء آخر جندي أجنبي من أرضنا اليمنية ومن عدن الباسلة ثغر اليمن الباسم والتي نتمتع اليوم بحضنها الدافئ ورحابها الحاني ونتدثر بردائها الوحدوي بعد ليل الاستعمار البهيم. وعندما نحتفل بهذه الأعياد الوطنية فإنما نحتفل بتلك المواقف الوطنية والملاحم البطولية التي سجلها وخاضها شعبنا اليمني المجاهد على مر التاريخ.. نحتفل بأصالة هذا الشعب وفدائيته وبذله وعطائه ودوره التاريخي الحضاري. لقد كان شعبنا اليمني من جملة شعوبنا العربية والإسلامية التي كانت ومازالت هدفاً لأطماع قراصنة الاستعمار والصهاينة على مر القرون والأزمان، إلا أن شعبنا اليمني العربي المسلم كان قد فطر على حب الحرية والعدالة والولاء المطلق لله وللوطن وظل شعبنا وفياً لمبادئه وتراثه محافظاً على خصائصه وأصالته كيف لا وقد عرف عن هذا الشعب الكريم في كل الأزمان الشجاعة والإقدام والإباء والاعتزاز بعقيدته الإسلامية وعروبته وسيادته الوطنية، وفي سبيل ذلك قدم قوافل من المجاهدين الفاتحين ومن الدعاة المرشدين على مر التاريخ وهو ينشر وينصر مبادئ الإسلام العظيمة ويذود عن حريته وكرامته واستقلاله الوطني ولم يفرط في شبر واحد من الأرض اليمنية رغم جبروت المستعمرين الغاصبين .

لقد كان الاحتلال البريطاني الغاشم لجنوب اليمن في 19 يناير عام 1839م ولقد كان الهدف من هذا الاحتلال هو إذلال شعبنا ومحو هويته العربية والإسلامية عبر الجمعيات التبشيرية التنصيرية ولقد قالها الكولونيل (هنس) قائد الحملة الغازية عند احتلال عدن «لعل نور الإنجيل ينتشر بين أولاد إسماعيل».. وكان من أهداف الاحتلال تنفيذ المخططات الاستعمارية الغربية والصهيونية العالمية في السيطرة على شعوبنا العربية والإسلامية ونهب ثرواتها وجعل أراضينا قاعدة استراتيجية لضمان الهيمنة على شعوبنا والتمهيد لاستيلاء دولة الصهاينة سفاحاً في فلسطين قلب أمتنا الأسلامية. إسرائيل النازية التي تعيث اليوم في أرضنا فساداً وتقتيلاً وتخريباً وإرهاباً وبدعم الاستعمار الغربي والنظام العالمي الجديد .

لقد عاش شعبنا اليمني طيلة 129 عاماً في ظل الحكم الاستعماري الذي جعل من نفسه الوصي على شعبنا وسخر أدواته القمعية وأسلحته التدميرية لقتل مواطنينا وتخريب قرانا ومزارعنا وقهر شعبنا وسلب حريته وكرامته وإشعال نار الفتن (فرق تسد) وفرض التخلف والتجزئة على شعبنا اليمني.. وأمام تلك الوضعية الاستعمارية الفاسدة التي أنهكت كاهل شعبنا في جنوب الوطن وكتمت أنفاسه، وانطلاقاً من مفاهيم العقيدة الإسلامية عقيدة الحرية والعدالة والمساواة .. عقيدة البذل والعطاء والتضحية والفداء والجهاد والإباء قام شعبنا المجاهد بعدة انتفاضات شعبية طيلة فترة الاحتلال وتوج ذلك الكفاح الجماهيري بقيام ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر المجيدتين حيث جسدتا الوحدة الوطنية بأهدافهما ونضالهما المشترك وتآزرهما وتناصرهما .

ولقد تجلت قدرة الله وإردته فأعانت ونصرت إرادة شعبنا المجاهد بثورة 14 أكتوبر الخالدة التي انطلقت من على قمم جبال ردفان الأبية عام 63م بقيادة الجبهة القومية رائدة الكفاح المسلح ومعها الحركات الوطنية المناضلة وجماهير شعبنا بكل شرائحه الاجتماعية والمناضلون في القوات المسلحة والأمن.. وقف هؤلاء الثوار والمناضلون الأحرار أمام أكبر قاعدة استعمارية في الشرق الأوسط يخوضون أشرف وأنبل وأشرس معركة شهدتها الساحة اليمنية.. وعبر هذه التضحيات الجسام قضى شعبنا بثورته المنتصر على الاستعمار ومخططاته وعلى التشطير ومساوئه وسقط الأسد البريطاني العتيق تحت ضربات المناضلين الموجعة وتحقق الاستقلال الوطني الناجز عنوة في الـ 30 من نوفمبر عام 67م .

وبذلك انتصرت إرادة شعبنا اليمني المسلم التي هي من إرادة الله وصدق الله القائل:??وكان حقاً علينا نصر المؤمنين. وبيوم الاستقلال المجيد ولد شعبنا من جديد حيث تنفس الصعداء بعد أن نال حريته وسيادته الوطنية وبعد أن تلاشت جلابيب غيوم ليل غسق الاستعمار البهيم. وكان أول إنجاز قامت به الثورة بعد الاستقلال مباشرة توحيد المناطق الجنوبية التي كانت مشطرة إلى حوالي 23 ولاية وسلطنة ومشيخة وكان ذلك هو الخطوة الأولى التي مهدت لقيام الوحدة اليمنية المباركة. وهكذا فقد كان لثلاثين نوفمبر بعده الوطني ودلالاته التاريخية الوحدوية حيث تمت اتفاقية الوحدة في مدينة عدن في الثلاثين من نوفمبر عام 89م وكانت الوحدة هي الهاجس والهدف الاستراتيجي لثورتي سبتمبر وأكتوبر باعتبار الوحدة هي قدر شعبنا اليمني ومصدر قوته وأمنه وازدهاره والتي تحققت بفضل الله تعالى ثم بفضل قيادتنا السياسية ممثلة بالأخ الرئيس علي عبدالله صالح وزملائه الوحدويين في قيادة الحزب الاشتراكي في 22 مايو الأغر عام 90م .

إننا ونحن نحتفل هذه الأيام بالعيد الأربعين للاستقلال الوطني 30 من نوفمبر عام 67م فإن الواجب يحتم علينا الترحم على أولئك الشهداء الأبرار وأولئك الغر الميامين الذين قدموا أرواحهم الغالية ودماءهم الطاهرة ثمناً لحرية شعبنا واستقلاله ووحدته.

إن شهداء مسيرة شعبنا الجهادية والثورية وإن كانوا قد فارقونا بأجسادهم فإنهم بمبادئهم الإيمانية التحررية ومواقفهم الوطنية الوحدوية أحياء، إنهم في قلوبنا رحمة، وفي أرواحنا ثورة، وفي ضمائرنا صحوة، وفي وجداننا وحدة، وفي مشاعرنا يقظة، وخير وفاء لهؤلاء الشهداء أن نكرم أسرهم وأن نعمل جاهدين لتحقيق مستوى معيشة المناضلين وأسر شهدائنا الأبرار في ذكرى عيد الحرية والجلاء والمجد والإباء. وفي هذا الصدد كأني بشهدائنا الأماجد شهداء سبتمبر وأكتوبر وهم ينادوننا من وراء الحجب الإلهية ومن أعلى عليين ينشدوننا العهد والميثاق الذي فارقونا عليه.. كأننا بهؤلاء الشهداء وقد أصبحوا جنوداً مجندة موحدة ومواكب خالدة متألقة ينادوننا من وراء الأفق أفق الحياة البرزخية قائلين: الوحدة الوحدة عضوا عليها بالنواجذ.. الوحدة الوحدة يا من تمثلون شرف وكرامة أمتكم .. اتقوا الله في مواطنيكم وفي وحدتكم ويمنكم لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ولا تمزقوا اليمن بعد توحيدها.. احرصوا على ترسيخ الوحدة الوطنية وتماسك الجبهة الداخلية.. سوروا الوحدة بالعدل والمساواة وقووا بنيانها بسيادة القانون والنظام ونقوا محافظاتها من المظالم والفساد وحصنوها بالإسلام عقيدة وشريعة فالإسلام هو الحصن الحصين والركن الركين وصمام الأمان لحاضرنا ومستقبلنا ومعاشنا ومعادنا.. انبذوا الفرقة والخصام والأحقاد والنعرات المناطقية والمذهبية والطائفية والمكايدات الحزبية المقيتة، لا تختلفوا فتختلف قلوبكم وتجهض إنجازاتكم وتضعف قوتكم ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقواصدق الله العظيم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى