الاستقلال الوطني

> د. هشام محسن السقاف:

> 30 نوفمبر 1967م دلالة وحدث يمتد عمقاً في حياتنا ليربط مسارات الحاضر بدروس الماضي، ولعل ما يميزه عن سواه من أيام الاستقلال العربي أن له ديناميكية صنعتها سنوات أربع من النضال الثوري العسكري امتد من المدينة (عدن) إلى الريف (المحميات) ومن (الريف) إلى (المدينة) في مضاهاة تاريخية تضع سفر النضال الوطني في جنوب الوطن جنباً إلى جنب الثورة في فيتنام والجزائر، ولعلنا بحاجة لدراسة موضوعية جادة ومحايدة تعيد قراءة وتقييم معاني التجربة الثورية في جنوب الوطن بعيداً عن أدلجة الأحداث وتجييرها، مستقاة من تطور الوعي الوطني في الوطن ودور مدينة عدن الرائد، ورصد الممهدات التي سبقت قيام الثورة من ردفان البطلة، بما في ذلك ملحمة الدفاع التي خاضها أبناء المدينة الباسلة عدن يوم 19 يناير 1839م وما تلاه وصولاً إلى مفردات وفرادة عدن المدينة في حرب الشوارع، بالإحاطة بها وبرجالها ونسائها وشبابها الكثر الصناع المجهولين لملامح وصفات التجربة، إلى انخراط قطاعات الأمن والجيش في صفوف التنظيمات السياسية بالثقل الذي رجح كفة فريق على آخر نهاية المطاف.

إن النهضة التي شهدتها عدن تحت ظل الإدارة البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية كانت بفضل جهود سكان هذه المدينة الشاملة، واستعداد النخب المثقفة لبلورة وعي وطني وقومي بل وإنساني من خلال الجمعيات والصحف والمدارس والنقابات والأحزاب، واحتضان المدينة للأحرار اليمنيين (الفصيل المتقدم في الحركة الوطنية اليمنية في شمال الوطن)، وتدافع المئات من أبناء عدن وجنوب الوطن للدفاع عن ثورة 26 سبتمبر 1962م مشكلين ملحمة وطنية وحدوية نقيس منها الجذور الواحدية للثورة اليمنية شمالاً وجنوباً، وما مثلته تلك الثورة العظيمة من بعد وعمق إستراتيجي لثورة 14 أكتوبر 1963م، تلك الثورة الشاملة التي نال بموجبها شعبنا اليمني الاستقلال الناجز قبل أربعين عاماً من الآن.

لقد جاء الاستقلال الوطني المجيد في أوقات عربية عصيبة بعد النكسة الكبرى التي ألمت بالأمة العربية في حزيران 1967م واحتلال الأراضي العربية العزيزة (سيناء والجولان والضفة الغربية وغزة) ناهيك عن (القدس الحبيبة)، وكان ذلك ثمناً باهظاً للدور القومي العروبي لمصر عبدالناصر في اليمن وغيرها من أقطار العروبة، فكان استقلال الجنوب وبحق رداً على ذلك العدوان وتلك النكسة.

لقد كان المرء في توق لأن يكون الاستقلال يوم أن تحقق في 30 نوفمبر 1967م مدخلاً لتأسيس دولة ديمقراطية تنهض على ما تحقق في الجنوب، وتحديداً في عدن، في مجال الحريات النقابية والصحافية والاقتصاد الحر، ومن ثم تطويره وتنميته، إلا أن ما جرى بعد ذلك كان مغايراً تماماً، في ظرفه وزمانه، دون أن تأخذنا العزة بالإثم لنحاكم الأمس بمنظور اليوم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى