مرة أخرى.. إلى الأخوة أعضاء لجنة دراسة الظواهر ..بعض مكونات القضية الجنوبية

> عيدروس نصر ناصر:

> كنت قد وعدت في مقالة سابقة بأن أتناول تصوري لما أسمته اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني في دورتها الخامسة بالقضية الجنوبية - هذا المفهوم الذي ما يزال يقابل بامتعاض من قبل البعض وبتشنج وردود أفعال عصبية من قبل البعض الآخر، فضلاً عن الرضا والموافقة من قبل طيف واسع من السياسيين والمواطنين وعلى وجه الخصوص من أبناء المحافظات الجنوبية الذين يعيشون يومياً معنى ومضاعفات هذه القضية بجميع مفرداتها ومكوناتها.

وقد كان وعدي هذا في سياق رسالة وجهتها إلى الأخوة أعضاء اللجنة الرئاسية المكلفة بدراسة ما أسمي بـ«الظواهر السلبية المؤثرة على الوحدة الوطنية والجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي».

ولأنني أؤمن بحق الآخرين في التمسك بفهمهم لكل قضية من قضايا المجتمع سأترك لكل مهتم أن يسمي هذه القضية بما يشاء من التسميات مع تمكسي بمفهوم «القضية الجنوبية» ذلك لأن ما شهدته الأشهر الأخيرة على الساحة الجنوبية أكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن هذه القضية ليست شيئاً مفتعلاً كما أنها لا تأتي في سياق المناكفات السياسية التي غالباً ما تكون عديمة المضمون، بل هي تجسيد لواقع حقيقي نجم عن جملة من التراكمات السلبية التي لم تجر معالجتها في وقتها بل جرى تجاهلها تحت تأثير نشوة النصر الذي غمر المنتصرين في حرب 1994م وظل المنتصرون، أو من حسبوا أنفسهم كذلك، يتجاهلون كل ما يطرح من قبل القوى السياسية ومن قبل الحزب الاشتراكي على وجه الخصوص في معظم دورات لجنته المركزية.

كيف نفهم القضية الجنوبية؟

إن امتعاض البعض من الحديث عن هذه القضية لا يأتي لأنه لا توجد هناك قضية ولكن تهرباً من حساسية التسمية (كما يرون)، حيث إن هذه التسمية تجعل البعض يعود بتفكيره إلى ما قبل 22مايو 1990م، ولذلك فإنني لا أملك الحق في إجبار الآخرين على تبني المفهوم الذي أؤمن به، والأهم هنا هو الاعتراف بأن آثار حرب 1994 لم تستمر فقط حتى اليوم.

بل تمادت واستفحلت حتى شملت كل شيء فخلقت هذه الموجة من الغضب العارم الذي اجتاح كل المحافظات الجنوبية، وكما سبق أن قلت إن من مصلحة السلطة الاعتراف بهذه المشكلة والبحث في مكوناتها بدلاً من المكابرة والنكران اللذين غالباً لا يؤديان إلا إلى استفحال القضية ودخولها نحو المزيد من الاستعصاء.

كما أن من واجب أعضاء اللجنة الرئاسية الكشف عن تلك المكونات والتعرف على مفردات القضية ووضع التصورات المساعدة على معالجتها، وفي نظري الشخصي المتواضع أن أهم عناصر القضية يكمن في التالي:

- تزييف التاريخ وتصوير تاريخ المحافظات الجنوبية على أنه مجموعة من الخطايا والضلالات جاءت حرب 7/7/1994م لتصحيحها وإعادة الناس إلى سواء السبيل. وهذا الموقف نجم إما عن التعبئة السياسية الخاطئة وإما عن التقارير المخابراتية المزيفة التي كانت تبنيها أجهزة الأمن على ما يصل اليها من مصادرها والتي في الغالب كان معدوها يضعون في مركز اهتمامهم رسم الصورة السيئة التي على أساسها يتم صرف المكافآت.

وفي هذا السياق تأتي الكتابة غير المحايدة وغير العلمية لتاريخ المحافظات الجنوبية الحديث، وكل من يقرأ مقررات التاريخ للمرحلة الأساسية والثانوية يرى حجم الإجحاف (والتجاهل في أحسن الأحوال) لكثير من الحقائق والأدوار التاريخية للقوى السياسية والشخصيات الوطنية لا لشيء إلا لأن هناك من يرى أن ذلك يتعارض مع التوجه الرسمي للسلطة.

- التعامل المتعالي مع أبناء المحافظات الجنوبية، وهذا سلوك يتجسد لدى الكثير من القادمين إلى هناك وخاصة من القادة العسكريين والأمنيين الذين ما يزالون يفكرون بعقلية الفاتحين والمنتصرين، وينظرون إلى المواطنين الجنوبيين على أنهم قوم كانوا يسيرون في طريق غير سوي جرى إعادتهم إلى رشدهم من خلال حرب 94م وفي هذا السياق يأتي المن على أبناء المحافظات الجنوبية بالقول بأن عليهم أن يشكروا القيادة التي لم تقم بأي تصفيات جسدية في صفوف المهزومين على أساس البطاقة الشخصية.

- محدودية المشاركة السياسية، ونشوء ثقافة التابع والمتنوع، وذلك يتجلى في سيطرة الأخوة الوافدين من المحافظات الشمالية على معظم المواقع القيادية العسكرية والأمنية والمالية، والتنفيذية في معظم المحافظات الجنوبية، وحتى حينما يكون المحافظ جنوبياً يحاط بعدد من المتنفذين العسكريين والأمنيين والوكلاء الذين معظمهم يرتبطون بالمؤسسة الأمنية ليحيطوا بنشاط هذا المسؤول والحد من قيامه بصلاحياته كما يخوله القانون وتقتضيه النظم واللوائح.

- النهب المنظم الذي جرى للأرض والممتلكات بدءاً بالشركات الحكومية مروراً بمقرات الوزارات والمؤسسات والمنظمات المهنية وأراضي الجمعيات السكنية وانتهاء بالممتلكات الشخصية من منازل وأراض وغيرها.

- قضية الإبعاد القسري للكوادر الجنوبية من كل الأجهزة والمؤسسات العسكرية والأمنية والإدارية (ماعدا القلة القليلة الذين أدانوا ماضيهم وأعلنوا الولاء بقناعة وبلا قناعة، لوضع ما بعد 7/7) وهذه القضية مشهورة ولا تحتاج إلى توسع في شرح تفاصيلها.

- ما تزال فكرة المنتصر والمهزوم هي السائدة حتى بعد أن أثبت الزمن أن نتائج الحرب كارثية على طرفي الحرب منتصراً ومهزوماً على السواء، وفي هذا السياق نلاحظ أن معظم الذين تمت إعادتهم إلى المؤسسة الأمنية والدفاعية والمدنية قد ارتبطت تلك الإعادة بضرورة الولاء للحزب الحاكم وكثيرون جرى إجبارهم على أخذ بطاقة العضوية في الحزب الحاكم لضمان حصولهم على وظائفهم.

- التخوين لقادة الجنوب ابتداءً من علي سالم البيض، وعلي ناصر محمد، وحيدر العطاس إلى عبدالله الأصنج وغيرهم كثر، والتهجم على شهداء الثورة ومناضليها وهدم المتاحف والنصب التذكارية وتحويل بعض المتاحف إلى مقرات للحزب الحاكم أو إلى معسكرات (متحف ردفان مثلا) وهو ما ولد شعوراً عارماً بأن القضية هي قضية تصفية حسابات سياسية وانتقام سياسي من قيادة الشطر الجنوبي السابقة ورموزه التاريخية ومن تاريخ الشطر الجنوبي بشكل عام

- محاولة إعادة استدعاء أحقاد الصراعات السياسية الماضية ودق أسفين بين أبناء المحافظات الجنوبية من خلال تحريضهم ضد بعضهم البعض وتذكيرهم بالصراعات السياسية التي تجاوزوها من خلال لقاءات التصالح والتسامح التي جرت تحت سمع وبصر الجميع.

- طمس معظم (إن لم يكن كل) التراث الثقافي المرتبط بفترة الكفاح المسلح وفترة ما بعد الاستقلال الوطني من غناء ومسرح ورقص ونصوص أدبية وروائية وقصصية وغيرها.

- ما يزال معظم أسر شهداء ومناضلي حرب التحرير يعانون من الحاجة نظراً لقطع ما كان يقدم لهم من إعانات هي أقرب إلى إعانات ذوي الاحتياجات الخاصة منها إلى حقوق قانونية لمناضلين أفنوا أعمارهم ونذروا أرواحهم في سبيل الوطن والثورة وأعرف كثيراً من الأسر تم إيقاف الإعانة المستحقة لها منذ يوليو 1994م وبعضها لا تمتلك أي مصدر للعيش سوى تلك الإعانات.

كما ترافق ذلك مع إحداث تغيير في المعالم والمشاهد التاريخية المعروفة حيث جرى تغيير أسماء الشوارع والمدارس والمرافق التي كانت تحمل أسماء شهداء أو رموز تاريخية لها صلة بتاريخ الثورة واستبدلت بأسماء مثل (شارع 7 يوليو)، (مستشفى 22 مايو)، (قاعة الرئيس)، (معهد الثلايا) وهي منتشرة في معظم المحافظات الجنوبية، بينما لا نجد معلماً واحداً يحمل اسم زعيم مثل سالمين، أو عبدالقوي مكاوي أو جاعم صالح أو محمد صالح مطيع، أو فيصل عبداللطيف، أو محمد علي هيثم، أو بامطرف، أو سالم بكير، أو سعيد عسكري، أو شيخان الحبشي، أو محمد علي الجفري، أو سيف الضالعي أو محمد صالح عولقي، أو غيرهم من القادة والرموز الوطنية ذات التاريخ الوطني المجيد على الساحة الجنوبية.

أتصور أنه بمقدور اللجنة الرئاسية وهي مكونة من العديد من العناصر ذات الخبرة والكفاءة أن تقدم رؤية وطنية متكاملة حول الظواهر التي تهدد الوحدة الوطنية وتشكل عاملاً معرقلاً للاستقرار والتنمية .

وليس بوسعي أن أزعم أن ما تناولته في هذه العجالة السريعة يمثل كامل المشكلة بكل تشعباتها ولكنها مساهمة متواضعة مع الأخوة أعضاء اللجنة الذين من غير شك إذا ما صدقت النوايا بإمكانهم أن يقدموا الشيء الكثير من أجل تجنيب البلاد الكثير من المكاره والصعاب.

والله من وراء القصد.

عضو مجلس النواب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى