تحريف المصطلحات اللغوية لتشويه الإسلام والعروبة

> امذيب صالح احمد:

> والمعنى الوارد في هذه الآيات القرآنية من الكلمات المشتقة من (رَهِب) يتراوح بين التعبد والزهد والخشية في أضعف معانيها إلى معنى التخويف النفسي بغير اعتداء مادي في أقوى معانيها وبما ان معجمي «لسان العرب» و«تاج العروس» اتفقا في معاني الكلمة إلا أن «تاج العروس» أضاف كلمة الارهاب بمعنى الازعاج والإخافة. وإذا كانت الرهبانية تعني الزهد والترك والتخلي عن الدنيا في المسيحية فإن عكسها هو الجهاد في الاسلام. جاء في «لسان العرب» وفي الحديث: «عليكم بالجهاد فإنه رهبانية أمتي، يريد ان الرهبان، وان تركوا الدنيا وزهدوا فيها وتخلوا عنها فلا ترك ولا زهد ولا تخلي اكثر من بذل النفس في سبيل الله وكما انه ليس عند النصارى عمل افضل من التٌَرهُب ففي الاسلام لا عمل افضل من الجهاد. ولهذا قال ذروة: سنام الاسلام الجهاد في سبيل الإسلام». «فالقرآن الكريم استخدم «ترهبون» خاصة في سورة الانفال بمعنى ان يستعد المسلمون بالقوة العسكرية وخلافها لتخويف أعدائهم حينما يتهددون المسلمين. فمعنى الإرهاب هو تخويف عدوك حتى لا يعتدي عليك كمسلم شعباً او دولة. فالإرهاب في الإسلام بلغة العصر هو «توازن الرعب» بينك وبين عدوك أي ان تجعله يتردد ويرتدع عن عدوانه عليك. إن الإرهاب في الإسلام يعني الاستعداد العسكري لردع نوايا الشر لدى العدو. اما رد العدوان والدفاع عن الأرض والعرض والعقيدة فهو جهاد بالنفس والمال. ولذلك لابد لاعداء الاسلام من تحريف مصطلحي «الجهاد» و«الإرهاب» وخلطهما وتشويه المصطلحين بدلالات لغوية صهيونية توحي بخلاف المعاني الإسلامية ولتطمس ايضاً المعاني الثورية للتحرر الوطني التي عرفتها شعوب العالم الثالث في القرن العشرين الماضي. واستطاع أعداء الإسلام ان يقلبوا هذا المصطلح رأساً على عقب فأصبح يوصف به من قبلهم ومن قبل الإعلام المضلل كل عربي او مسلم يدافع عن نفسه او وطنه في فلسطين او في جنوب لبنان ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي او في العراق ضد الاحتلال الأمريكي او كان يقاتل باسم الإسلام مع إخوانه في أفغانستان بموافقة امريكا ودعمها ثم أصبح هائماً او متخفياً في بلده او كل من يحاول توزيع أموال الزكاة والصدقات على أيتام المسلمين وأراملهم من ضحايا العدوان اليهودي او الصهيونية المسيحية او استخدامها للنهضة الاجتماعية. إن «الثائر» او «المقاوم» او«المجاهد» او «المناضل» قد أصبح في عرف اليهودية الإسرائيلية والمسيحية الصهيونية وأذنابهما إرهابياً ولم يعد يفرق بين الجهاد وبين الإجرام وبين المقاومة وبين العنف وبين الإرهاب وبين الإرعاب في قاموس التضليل الإعلامي للقوى الاستعمارية وقوات الاحتلال التي تنشر الرعب والقتل والفتك والدمار في بلاد المستضعفين من العرب والمسلمين.

ان الهدف هو تشويه المفاهيم الإسلامية حتى نتقبل المفاهيم الصهيونية فكراً وسلوكاً وننسلخ عن هويتنا العربية والإسلامية تدريجياً فنطبخ على نار الاستكبار العالمي ونشوى بها لنصبح لقمة سائغة للاحتلال الصهيوني والاستغلال الأمريكي والنفوذ الغربي عامة.

(5) الظلام للجاهلية والعدوان والنور للهداية والاسلام:

ومن مظاهر تشويه الإسلام بالمصطلحات المدسوسة ما يروج له بعض الكُتَّاب العرب عن جهالة او سوء قصد او تقليد أعمى مصطلح «الفكر الظلامي» و«الظلاميون» لوصف المتطرفين في الحركات الاسلامية فالربط هنا بين الظلام وبين الإسلام هو نزعة صهيونية دفينة لإبعاد صفة «النور» عن الإسلام التي تشيع دائماً في وصف الإسلام من دعاته وكتابه على مر العصور حسبما ورد في آيات القرآن الكريم العديدة التي تؤكد ان الإسلام نور الله الذي جاء ليخرج الناس من الظلمات الى النور. وقد ذُكِرت كلمة النور في ثلاث وأربعين آية. كما قُرنت كلمة «النور» بكلمة «الظلمات» في بعضها للدلالة على ان الإسلام نور وعكسه ظلام. ان كلمة الظلام وردت في ايات القران الكريم بمعنين اثنين فقط:

الأول هو الظلام الذي يعني انعدام النور في الرؤية كما في قوله تعالى: سورة( البقرة2/ 19-20)أَوْ كَصَيِّبٍ مِنْ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنْ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ(19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(20).والرعد (13/ 16) ?{? قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلْ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ(16)?}? و(الزمر39/ 6) ?{?خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ(6)?.

أما المعنى الثاني لكلمة الظلام فهو الكفر بالاسلام اي البقاء على الجاهليه وعدم الاعتراف به وقبوله كما في قوله تعالى سورة (البقرة2/ 257) ((اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(257) و (ابراهيم 14/ 1) الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(1) و(الإنعام6/ 39) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأْ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(39). ان الواضح من هذا الامر ان اعداء الامة العربية الاسلامية يريدون تحريف المصطلحات الاسلامية والباسها مقاصد معكوسة ودلالات ذميمة تسئ الى الهوية العربية الإسلامية. ان الدين الإسلامي كغيره من الأفكار والنظريات قد يتعرض الى تقصير في الفهم او تحريف في القصد او تعسير في التطبيق ينتج عنه تشدد او غلو او تنطع او خروج عن الملة ولكن لايمكن وصفه بالظلام والفكر الظلامي وإلا لاستخدمنا هذا الوصف على كل انحراف فكري في النظريات الإنسانية وعلى كل سلوك منكر في الفكر والعمل في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. إن وصف أعمال من يعمل باسم الإسلام عن حق وباطل بالظلام والظلامية لا يخلو من نزعة شريرة معادية للإسلام والمسلمين او غفلة او مجاراة فكرية او عمالة مأجورة.

(6) مصطلح «الشرق الأوسط» بدلاً من الخلافة الإسلامية او البلاد العربية:

كان تطويق الخلافة العثمانية لأوروبا من الجنوب والشرق بهلال إسلامي يؤرق أوروبا لعدة قرون.فلما توجت تآمرها الدول الأوروبية في إسقاط هذه الخلافة الإسلامية في الحرب العالمية الأولى بعد خلخلتها من الداخل في القرن التاسع عشر حينما قلصت نفوذها في دار الخلافة قام الأوروبيون بصك مصطلحات «الشرق الأدنى» و«الشرق الأوسط» و«الشرق الأقصى» في ذلك الوقت للعالم المحيط بأوروبا وخاصة العالم الإسلامي. فكان «الشرق الأدنى» يطلق على الأقاليم الإسلامية حول البحر الأبيض من تركيا الى المغرب. أما بعد الحرب العالمية الثانية فصاغت بريطانيا مصطلح «الشرق الأوسط» بديلاً «للشرق الأدنى» بعد أن أطلقته في البداية على مركز قيادة قواتها العسكرية في مصر. وكان الهدف من هذا المصطلح الجديد هو استمرار طمس مصطلح الخلافة الإسلامية وحجب أي وصف لكيان عربي اواسلامي ينشا بعد الخلافة الاسلامية وإشارة في نفس الوقت الى أن محتوى المنطقة يشمل بلدانا اخرى كما انه قد تغير بزرع جسم سياسي صهيوني يختلف قومياً ودينياً عن طبيعة المنطقة. أما تجديد المصطلح الان بوصفه «الشرق الأوسط الجديد» فهو تعبير عن سياسة إعادة الاستعمار الغربي الأمريكي إليه ومحاولة تحطيم مناعته الإسلامية والقومية في الجهاد والمقاومة وتكييف الوطن العربي الإسلامي «بالفوضى الخلاقة» لتقبل الخنجر الصهيوني في وسطه بالتطبيع الاستسلامي بعد تفكيكه حتى تصبح اوطان العرب لا هي بالإسلامية ولا هي بالعربية بعد إتمام تغريبها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى