الشعر في موكب الاستقلال (1)

> «الأيام» د. عبده يحيى الدباني:

> كان الشعر اليمني حاضراً في موكب الاستقلال الوطني المجيد، مثلما كان حاضراً في موكب الثورتين في شمال الوطن وجنوبه، وفي كل مراحل النضال قبل الثورة وبعدها، وكان حاضراً كذلك في موكب الوحدة في 22 مايو 1990م حضوراً مشرفاً يرتقي إلى مستوى الحدث، غير أن الشعر لم يكتف بحضوره خلال الأحداث الوطنية، ولكنه شارك في صناعتها مشاركة رائدة، من الثورة إلى الاستقلال إلى الوحدة .ومن باب التوقع والفرضية، ومن خلال بعض المؤشرات فإن المحطة المؤسفة التي مرت بها البلد في صيف 1994م لم يتمخض عنها شعر وطني إيجابي مشرق بل تمخض عنها شعر بكائي حزين فيه رثاء للمشروع الوطني الوحدوي وفيه تصوير ليوميات الحرب ونتائجها المدمرة على المستويات كافة كما فعل المقالح في عدد من قصائده خلال أيام الحرب. وهذه المحطة تشبه محطة 13 يناير 1986م المؤسفة من حيث علاقتها بالشعر، فليس ثمة إلا الدموع والأسى والندم، من جراء ما جرى.. أما ذلك الشعر الذي جاء يمجّد هذه المحطات المؤسفة في تاريخنا المعاصر فهو -كما عرفنا - بعضه لا يعتد به من حيث مضامينه الوطنية والإنسانية ومن حيث خصائصه الفنية، فهو في أكثره نفاق ورياء أو قصور نظر، أو انتقام شخصي، فكان ركيكاً ولم يثبت أمام البقاء وإن ظل مدوناً هنا أو هناك فإنما كان ضجيجاً سرعان ما تلاشى.

لقد ذكر المقالح يوماً أن حرب صيف 1994م لم تسفر عن الفصل بين شطري الوطن الواحد ولكنها استطاعت أن تفصل بين الشاعر والقصيدة ونقول نحن أيضاً إنها استطاعت أن تفصل كذلك بين أشياء كثيرة كانت موحدة، وعممت مشروعاً شطرياً عقيماً، فانعكس ذلك على الإبداع انعكاساً سلبياً، فخفتت جذوة الشعر خلال سنوات ما بعد الحرب، لأن الحرب نفسها مثلت صدمة سلبية للشعر والحركة الشعرية فالحركة الشعرية ذاتها كانت جزءاً من المشروع الوطني الثقافي الذي ألحقت به الحرب تصدعاً كبيراً، يشبه ذلك التصدع الذي حدث بعد فشل ثورة 1948م، وهاهي دعوة إلى الدراسين والنقاد أن يبحثوا في الشعر اليمني الذي كتب بعد الوحدة إلى اليوم، من حيث أبعاده وخصائصه وأثر الأحداث والمنعطفات فيه، مع الإشارة المهمة إلى أن المثقفين بمن فيهم الشعراء والكتاب في اليمن وفي الوطن العربي بوجه عام هم - في أكثريتهم - ذوو اتجاهات يسارية تقدمية واضحة، وأن اليسارية نفسها واجهت امتحاناً عسيراً منذ نهاية الثمانينات وما تزال، فكان لكل ذلك أثره العظيم في حركة الإبداع سلباً وإيجاباً إن لم نقل إن ذلك كان انقلاباً كبيراً في تاريخ هذه الحركة .

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى