وداعا.. (ثقافة الخوف)

> عبدالله ناجي علي:

> سيسجل التاريخ بأحرف من ذهب الدور النضالي السلمي والحضاري الذي قامت به جمعيات المتقاعدين العسكريين والأمنيين في المحافظات الجنوبية والشرقية، ذلك الدور التاريخي الذي صنع لنا صحوة وطنية حقوقية ترجمت بالفعل الملموس قاعدة (الحقوق تنتزع ولا توهب) ، وفعلاً انتزع المتقاعدون جزءاً كبيراً من حقوقهم والبقية إن شاء الله ستأتي.

المهم أن يستمر النضال السلمي الحضاري للمطالبة بالحقوق ومن قبل كافة شرائح المجتمع، مدنية وعسكرية.. خاصة وأن الإنجاز الأكبر الذي حققه المتقاعدون في حراكهم الحضاري يتمثل في كسر حاجز الخوف، وهذا ما دفع الشارع السياسي في الجنوب إلى أن يقول وداعاً للخوف، ولثقافة الخوف.

وحقائق التاريخ البشري- خاصة منها الحقائق التي أفرزها التاريخ الحديث- تعلمنا أن الشعوب الحية المستوعبة لحقوقها الحياتية ، هي وحدها القادرة على انتزاع حقوقها التي كفلتها لها جميع الشرائع السماوية، وأيضاً القوانين الوضعية.. وتتنوع هذه الحقوق الضرورية للإنسان بين حقه في أن يعيش بمستوى غذائي محترم يليق به كإنسان ميزه الله تعالى عن سائر المخلوقات، وأن يتمتع بصحة جيدة، ويحصل على تعليم ينوره ويجعل منه عضواً فاعلاً ومنتجاً داخل مجتمعه، وأن يسكن في منزل صحي، ويشرب مياها نقية ، ويتحرك في بيئة نظيفة، ومن حقه أيضاً أن يساهم، وبطريقة مباشرة في اختيار الحاكم العادل الذي يحقق له ولشعبه التنمية الشاملة والعادلة.

ومن حقه أيضاً أن يطالب بعزله إذا ما رأى فيه ظهور اعوجاج عن مسار الحكم العادل.. وحقه في أن يطرح الآرء الحرة التي تخدم المصالح العليا للوطن.

فالشعوب التي تتمتع بالحرية الهادفة إلى تحقيق العدل الاجتماعي داخل المجتمع، هي وحدها التي تستطيع طرح الرأي الحر وقول كلمة الحق ، وبكل شجاعة تجاه المظالم التي يعانيها عامة الشعب.. وهي القادرة - أي الشعوب الحرة - على نقد حكامها بكل صدق وشفافية بعيداً عن (ثقافة الخوف ، والنفاق السياسي) التي زرعتها في عقلياتها سلوكيات الأنظمة الاستبدادية.. علماً بأن الثقافة السلبية تجاه حقوق الإنسان نجدها تتنافى تماماً مع روح شريعتنا الإسلامية السمحاء التي تدعونا إلى تحقيق قيم العدالة والمساواة والسلام بين أوساط الناس.. فحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول :«المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف»، وهذا يعني أن المجتمع السلبي الذي يهمل المطالبة بحقوقه الحياتية يكون من الناحية الدينية ضعيف الإيمان.. إضافة إلى أن دروس التاريخ البشري تعلمنا أن الحقوق (تنتزع ولا توهب) ،وانتزاعها يتطلب نضالاً سلمياً شاقاً، ومستمراً.

فحقوق شعبنا الضرورية للحياة، والمذكورة آنفاً نجدها للأسف، في الغالب، إما مغيبة أو مهمشة.. والاهتمام بهذه الحقوق من قبل ولاة أمرنا ما زال ضعيفاً ، ويبدو أن هذا الضعف ناتج، وبكل تأكيد عن ضعف المطالبة الشعبية بهذه الحقوق.. لكن المشكلة الأكثر أهمية تجاه هذه الحقوق تكمن في ضعف الوعي الحقوقي عند غالبية المجتمع ، وهذا الضعف ناتج أيضاً عن انتشار الأمية بين غالبية السكان.

إضافة إلى أن الرسالة التنويرية للصحافة ومؤسسات المجتمع المدني - خاصة منها المنظمات الناشطة في مجال حقوق الإنسان - مازالت ضعيفة.

فهذه المنظمات مازال دورها تجاه المجتمع ضعيفاً ، ويعترضها كثير من العراقيل من قبل أعداء حقوق الؤنسان. والمطلوب اليوم من الصحافة، ومؤسسات المجتمع المدني الناشطة في مجال حقوق الإنسان أن تؤدي دوراً كبيراً في تنوير الشعب بحقوقه الضرورية للحياة، والمصادرة في غالبيتها من قبل أعداء حقوق الإنسان.. وعلى هذه المنظمات أن تقترب أكثر وأكثر من معاناة الشعب، وعليها أن تذهب إلى مواقع سكنهم ، وعملهم لا أن تنتظر من المواطنين أن يأتوا إليها.

فمعركتنا الحالية تجاه الاهتمام بحقوق الإنسان في بلادنا يجب أن تتجه أولاً إلى القضاء على (ثقافة الخوف)، فمن المستحيل أن يطالب أي شعب بحقوقه، وهو يعيش في حالة من الخوف، والحمد لله أن حركة المتقاعدين قد كسرت هذا الحاجز ، وما على الجميع إلا أن يواصلوا النضال السلمي الحضاري لنصل في نهاية الأمر إلى بناء اليمن الحديث.. يمن العدالة والحرية والمساواة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى