مدن الغد المزعومة

> عبدالقوي الأشول:

> تعد اليمن من أفقر البلدان مائياً وهي بحسب الدراسات المتعلقة بهذا الجانب الأفقر من حيث منسوب المياه المتاحة لديها, وحجم المتجدد منها ضئيل للغاية ولا يوازي مستوى ما يتم استهلاكه. معضلة تشير إلى تفاقم المشكلة وتداعياتها، خصوصاً في المدن الرئيسية التي تعاني من انفجار سكاني وتوسع رأسي وأفقي مستمر، ناهيك عن الانتشار الكاسح لمدن الصفيح والأحياء العشوائية. وضع يزيد كل عام من الضغوط على الجوانب الخدمية ويسهم في خلق مدن مشوهة يعاني سكانها مشكلات البطالة والأمية خصوصاً بين وسط الفئات الأشد فقراً من السكان بحكم عدم قدرة تلك الأسر على تعليم أبنائها ما ولد انتشاراً واسعاً لمن يعيشون على هامش الحياة من بؤساء المجتمع الذين تكتظ بهم الساحات العامة، في حين بلغت الأزمة المائية في ضواحي عدن التي كانت تمد المدينة بالمياه حتى وقت قريب ذروتها، ففي لحج مثلاً تمارس الأسر نوبات سهر ليلية في تجميع ما يمكن من قطرات الماء من الحنفيات التي لاتجود بالماء إلا في الهزيع الأخير من الليل، إلا أن المفارقة العجيبة هنا تكمن في تلك التصريحات التي تطلقها السلطة بقرب انفراج أزمة الشباب في بلادنا بعد انتهت- أي الدولة- من تخطيط الأراضي الزراعية التي سيتم استصلاحها لتشكل عامل استقرار حياتي لشريحة الشباب، وهنا يبرز السؤال الذي نظنه منطقياً..

كيف يمكن لبلد يعاني أزمة مياه حادة أن يشرع باستصلاح ساحات أراض زراعية شاسعة ويعول عليها في حل مشكلة ملايين الشباب؟ هل سنشهد تحولاً مفاجئاً في طقس بلادنا، وبعد وقت قصير نسرح ونمرح في مروج خضراء بزرع بهيج تحت وابل المزن الممطرة؟.

أم أن تلك لا تعدو أن تكون أحلام يقظة تبددها حقيقة مناخ شديد القسوة ومكامن مياه شحيحة لا تكفي لسد الاحتياجات الخاصة.

علماً أن المقصود باستصلاحات الأراضي البراري المحيطة ببعض المدن الرئيسة في لحج وأبين وحضرموت، وهي المناطق التي مثلت لسكان تلك الحواضر وضواحيها مصدر عيش على مدى قرون مضت كونها مسرح وعيهم ومتنفس حياتهم المرتبطة بهذه الفلوات منذ عهد بعيد.

الحال الذي يجعل فكرة الاستصلاحات المرتقبة مشكلة يرى فيها الأهالي تعدياً على حقوقهم المكتسبة، ثم أن فكرة حل مشكلة الشباب من هذا المنظور تبدو فكرة غير واقعية لأن معاناة الشباب أكبر من أن تحل بهذه الطريقة.. أي أن الأجدر بالمعالجة الأخذ بأجندة الأولويات المتصله بالتعليم والعمل وتكافؤ الفرص، وهذه الأخيرة تعد جوهر المعاناة، خصوصاً وحالات التميز في المعاملة بدت جليه خلال السنوات الماضية ما أدى إلى حرمان الشباب في المحافظات الجنوبية تحديداً من فرص الحصول على العمل على أقل تقدير مثل أقرانهم.. شعور ولد نوعاً من الضغينة في نفوسهم يصعب تخيل أمر تجاوزه بحال المسكن الجديد الذي يوحي بتفجر الأرض ينابيعاً تحت أقدامهم في محيط الرمال والبراري الفقيرة.

حل يتجاوز بكل بساطة معاناة الأهالي في المدن الرئيسية من ندرة المياه.. وهو لا يكون حقيقة ملموسة إلا إذا آمنا بأحلام اليقظة، وماتمليه مخيلات لاتأخذ بخصائص الواقع ومشكلاته الراهنة ولا خير من ممارسة الهروب من حقائق الواقع بملامح الصور الوردية التي تضفي على الأشياء مسميات موحية بما لمدن الغد من هيئة وما في أكنافها من ترف العيش في استبرق إخضرارها وعرائش جنانها الوارفة، إلا أن الخشية تظل قائمة من سراب الحلم حين نجد ذاتنا في تيه صحراء العطش المنذرة في أفق حياتنا بخرس الحنفيات التي كانت تمدنا بالماء العذب، وما علينا إلا أن نرسم في مخيلاتنا صور مدينة الغد المرتقبة المنبثقة فكرتها من أتون العدمية المطلقة التي تكتنف حياة الأبناء ممن تعذرت إزاءهم فرص العمل والحياة على نحو غير مسبوق.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى