نهنئكم بالانتقال إلى (المعبد) !

> علي هيثم الغريب:

> نشر في العدد (5159) من «الأيام» مقال للأخ محمد راوح الشيباني تحت عنوان (ما رأيكم هل نهدم المعبد؟!).. طرح راوح من خلاله قضية في غاية الأهمية، هي ما يتعرض له الجنوب من اجتثاث عظيم لم يحدث قط في تاريخ الحروب الداخلية، وعلينا نحن أبناء الجنوب أن نصغي بانتباه إلى هذه الأصوات الصادقة التي تنادينا وتعترف بالمحن التي نعانيها، ولكن كان الأجدر بهذا العنوان (مارأيكم هل نهدم المعبد؟) أن يخاطب به الكاتب من نهب وسلب وسفك دماء أبناء الجنوب لا العكس، فـ(راوح) بهذه الحالة يخاطب الضحية، ويطلب منها أن تحافظ على المعبد، وهو في هذه القضية معذور لأنه لولا نصف الحقيقة الذي تعودوا على قوله ما عاشوا، وانظروا الفرق الشاسع بين كتابات الدكتور محمد عبدالملك المتوكل وهذه الكتابات، فالمتوكل يقف إلى جانب الضحية بكل قوة ويحمل الجاني مسئولية (هدم المعبد) والشيباني يعرف جيداً أن الشعب في الجنوب كان قد طُعن كثيراً في تطلعاته وآماله الوحدوية، وقد غرر به عندما أعلنت عليه الحرب، وهو مايزال يرى في الوحدويين الحقيقيين الأمل في النهوض لإعادة وحدة 22 مايو 1990م، ولا نريد أن تضيع الفرصة المتاحة اليوم، فالظلم الذي يمارس في الجنوب لا يمكن أن يشكل مرتكزاً للوحدة، بل إنه يقوم على الافتراق وصنع ثقافة جديدة بدأت تتسرب إلى الأطفال قبل الشباب، فالوحدة مسئولية تاريخية وليست ضم أرض وكأنها بدون شعب، أما ذلك المشروع لوحدة الشمال والجنوب الذي أعلن في مايو ثم علقته حرب 94م فيجب أن يعاد للتداول والبحث بين أطرافه المعنية، والكل يعرف أن سنوات ما بعد الحرب قد فتحت وثائق كشفت بالتفصيل حجم المؤامرة والخطط التي نفذت ضد الجنوب من مختلف القوى في الشمال حتى تمنع الجنوب من أن يتحول إلى قوة مؤثرة بحكم إمكانياته، ولكن رغم ذلك استمر الجنوب بعد الحرب يتطلع إلى إحداث إصلاحات حقيقية معتبراً أعوام 93-90م تجربة غنية في تاريخ الوحدة، وإصراره على الوحدة مستمر ولكن في إطار المعالجات المطلوبة، وما أحوجنا اليوم إلى إعادة النظر في الوحدة في ضوء الحقائق التي أفرزها واقع ما بعد حرب 94م، وفي ظل المد الشعبي في الجنوب الذي رفض الاستسلام، وانحسار القوى الوحدوية الحقيقية في الشمال، بل وضعف التسامح والتصالح بين الشمال والجنوب، وعلى اليمنيين أن يفكروا جيداً أنه في ظل العولمة يكمن مخرجهم الوحيد في تكوين كيانهم الكبير، وهذه الأوضاع الدولية الجديدة التي تحوم حول الوطن العربي تجعل مبدأ التوافق بين الشمال والجنوب في إطار الوحدة ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها، وصحيح جداً أن قيادات بعض الأحزاب- وليس قواعدها- قد انحرفت عن الوحدة وفسدت سياساتها ومواقفها، لكن أساسيات الوحدة موجودة ومن الممكن الرجوع إليها، كانت كآلة تعطلت لكنها موجودة، ومن الأفضل إعادتها إلى أصلها، الآن زُيفت الوحدة.. شُوهت مقاصدها العزيزة علينا كلنا، ونحن الآن حين نريد إصلاح الوحدة وجعلها صالحة للاستمرار نستطيع ألف مرة إذا وُجدت الإرادة، لأننا لم نفقد النموذج الذي ينبغي أن نسير عليه، ولكنه معطل، ولا يملك أي طرف من الطرفين أي سبيل لفرض الوحدة بالقوة أو فرض النموذج الذي يراه لوحده، فالوحدة الحالية لم تعد تنهي عن الجرائم التي تمارس ضد الجنوبيين، بل إنها في أحيان كثيرة تستعمل كستار لتلك الجرائم، الشراكة بين الشمال والجنوب أفرغت من مضمونها، أما الدين وأركانه وهو أهم من كل شيء فقد أفرغ من التقوى والعظة والاعتبار ومشى بالفتاوي والتكفير والتسييس، فأي معبد يتحدث عنه الشيباني؟! وإذا كان ما يخيف الأخ الشيباني هو مضمون الوحدة لا الاسم فهل توافق إذا غيرنا المضمون، لو أننا قلنا إن مضمون الوحدة: الجنوب أرضاً وثروة بدون شعب، فهل توافق؟ ولو أننا ألغينا طريق النضال السلمي من أجل استرداد الوطن الذي يأوينا وقررنا الصمت أو الهروب، فهل هذا هو مضمون (المعبد) الذي تحافظ عليه؟ ولو أننا أبقينا على هذا (المعبد) ولكننا قررنا نحن أبناء الجنوب أن نعلم أطفالنا فيه هزائمنا ونهب تاريخنا وتخريب آثارنا، ونعلمهم فتاوي التكفير التي طالت كل حي في الجنوب لا حقائق القرآن وتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، والثورة الأم والثورة البنت والأصل والفرع، فهل هذا هو مفهومك للحفاظ على (المعبد)؟ أم أن المقصود بـ (المعبد) اغتصاب الجنوب وطرد أبنائه؟! فلماذا يا دعاة (المعبد) تطلبون من الجنوبي أن يفقد نفسه لكي يبقى (المعبد)؟! لماذا يا من تسمون أنفسكم وحدويين ترفعون على أعلى جبال الجنوب: أنا أنهب إذن أنا وحدوي، وأنا أكفر أخي المسلم إذن أنا وحدوي ومسلم.. فإذا أسكتنا أصوات الحق الجنوبية كنا وحدويين، أما إذا جرؤ الجنوب على مواجهة الظلم أو رفض تسليم أرضه ومأواه وحتى قبره فهو انفصالي وكافر ومرتبط بالصهيونية، كما قال عبدالوهاب الآنسي.

إن الحرف الأول للفكرة الوطنية هو الانتماء إلى موطن إلى بيت إلى أرض إلى قرية إلى مدينة إلى المحافظة والبلد.. ما تراكم قائلين لو تعصب أهل إحدى المحافظات ضد محافظة أخرى ونهبوا كل شيء فيها، وتعصب أهل بلد في الشرق ضد بلد آخر وقارة ضد قارة أخرى، كيف سيكون الوضع في العالم؟! فكيف تعمى بصائرنا عن هذه العصبيات.. فالسلب والنهب وإقصاء الآخر عصبية جاهلية للقبيلة، ونعرف بسبب الشعارات المزيفة كيف فقدنا في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي القومية العربية، حين رفعنا شعار القومية واعتبرناه مقدماً فقدنا القومية، وتفتتت الأوطان، وهاهي ذي الأوطان توشك أن تتفتت أكثر! هل كان يمكن أن يحدث للعراق ما يحدث اليوم لو أعطي لأهل البصرة أرضهم وثرواتهم والأكراد حقوقهم، واستبدلت الحرب والقمع بالسلام؟! هل كان يمكن أن يحدث للسودان ما يحدث لو لم تجتح الخرطوم عاصمة الجنوب ليخالفوا بذلك حكم الله في الأرض؟!

صدقني يا راوح إن حجم المأساة في الجنوب أكبر من أن يجد المواطن سبباً لتفسيره، حتى لو قيل إنه التعصب للوحدة كما تعصبنا للقومية، فحجم كارثة الحرب كبير، واغتصاب الأرض وتوزيعها أكبر، وابتكار وسائل غير مسبوقة في إذلال الجنوبي وامتهان كرامته وانتهاك حقوقه، لم نجد قط ما يفسر ما يحدث.. وبم تشعرون يا دعاة (المعبد) وأنتم تسمعون كل يوم الحكايات الآتية من الجنوب؟ بم تشعرون وقد أصبحت (الوحدة) ملكاً لمن يمتلك أكثر من أرض وثروة الجنوبيين؟ فكيف عميت بصائركم يا أصحاب (المعبد) ولم تسعون طول الوقت لتعموا بصائرنا؟ ولم تحاولون إغراءنا بـ (المعبد) وخداعنا عن أنفسنا والمساومة في أرضنا؟ وإلى متى ستستمر هذه المحاولات النظرية؟!

وأنت سمعت ورأيت يا أخ محمد راوح كيف تجرعنا كؤوس المذلة والهوان ونحن نحتفل بالذكرى 44 لثورة 14 أكتوبر والذكرى 40 لعيد الاستقلال، وشهداؤنا مايزالون في ثلاجة مستشفى ابن خلدون والجناة هاربون!.. فعن أي معبد تتحدث؟! أنتم تتحدثون بتعال وتميز وبغير لغتنا؟ ولم يعد الطلب اليوم نزع الأرض ولا تقسيم الثروة إنما أصبح الطلب نزع إرادة أبناء الجنوب.

وهكذا أصبحتم تملكون أجمل شواطئ عدن والمكلا بفضل هذا (المعبد) الذي تتحدثون عنه، ونحن بـ (مآزرنا) البالية نقف أمام تلك الشواطئ، نرثي أطلال مبانيها القديمة التي سلبت منا بالقوة، ونرثي قيم الوحدة التي حملناها داخل جوارحنا، وأشياء جميلة أخرى اندثرت في ثنايا تحويل حلم الوحدة إلى كابوس.. وانتهت قيم عظيمة كالوفاء والصدق في التعامل والعدل والشهامة.. ويستحيل يا أخ راوح أن ينشئ هذا (المعبد) الذي تتحدث عنه قيماً كتلك.. لا.. وما كتاباتكم هذه إلا دليل على ما أقول.

والله من وراء القصد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى