المكلا من سبتمبر السقوط إلى نوفمبر الاستقلال

> صالح حسين الفردي:

> (1) ..جاء الاحتفاء بالذكرى الأربعين للاستقلال الوطني في الثلاثين من نوفمبر الفائت، حاملاً معه تنشيطاً لذاكرة أمة أدركت عظمة المنجز الذي مثلته في لحظة انكسار المشروع القومي العربي إثر نكسة حزيران يونيو 1967م، هذا المنجز الكبير الذي تعرجت به السبل في مشواره الأربعيني ظهر فتياً قوياً، لم تخبُ جذوته، ولم تفتر قوته، ليشكل- اليوم- حضناً آخر، وبلون أخضر، وبعبق عطر التاريخ القريب، في تماهٍ فريد مع حاضر الجيل الجديد، الذي لم يعش تلك الحقبة الثورية من تاريخه النضالي الطويل، فكانت العودة لتلك الأغاني والأناشيد الثورية التي توارت لزمن بعيد في أرشيف الإذاعات المحلية ملمحاً من ملامح عصر عصي على الرحيل دون أن يرسم ما تبقى من صورته النضرة تلك التي كانها في صبيحة يوم الاستقلال.

(2)

في التاريح الموثق في سفر الثورة، يمثل يوم السابع عشر من سبتمبر 1967م، يوم سقوط مدينة المكلا بيد ثوار الجبهة القومية، ثم تتابع السقوط لبقية سلطنتي حضرموت والمهرة، أي أن الاستقلال الحقيقي لجنوب الوطن قد بدأت بوادره الجلية من هذا التاريخ، ورسم شكل المرحلة القادمة من خلال سيطرة تيار الجبهة القومية على العمق الاستراتيجي لبقية مناطق الجنوب، من حضرموت إلى المهرة وجزيرة سقطرى، وكانت هذه السيطرة دليلاً آخر للإمبراطورية البريطانية على حتمية الرحيل، ومقياساً حقيقياً لقوة إرادة التغيير، وشدة الصراع الذي أدركته بريطانيا في حينها، فكانت رحلة (جنيف) التفاوضية لوفد الجبهة القومية وعودته بالاعتراف بقيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية بعد (43) يوماً من سقوط مدينة المكلا عاصمة السلطنة القعيطية، تلك الأيام التي شكلت علامة فارقة في تاريخ جنوب الوطن، لم يقف عندها الكثير من رجالها الذين مازالوا على قيد الحياة، ولم يشر إليها إلا لماماً دون فحص وتدقيق وتوثيق واعتراف بقيمة هذا الحدث الذي شكل المنعطف الأهم في التاريخ المعاصر لجنوب الوطن.

(3)

لم يكن سقوط مدينة المكلا هو الحدث الوحيد الذي عجل بالاستقلال الوطني، ولكن الشعور المتعاظم لدى المواطن بأهمية التغيير القادم، والاستجابة الكبيرة له، أعطى ثقة كبيرة في الثوار الجدد، ووضعهم أمام تجربة الممارسة الفعلية لتسييس الحياة اليومية لتلك المناطق دون توجس، أو خوف من فشل، أو تراجع، أو انكسار قد يودي بالقضية برمتها، ووضعهم في محك كبير يوجب عليهم التعامل بعقلية الدولة، مع الإبقاء على الزخم الثوري لدى الجماهير التي كانت قوة التغيير الحقيقي، فكانت تلك الفترة الزمنية الميلاد الحقيقي لدولة الجنوب، وإن تأخر إعلانها إلا أن صوتها ملأ الآفاق عبر أثير إذاعة المكلا، كأول إذاعة تصدح بـصوت الجبهة القومية في الثامن والعشرين من سبتمبر من عام الاستقلال، ومنها- أي المكلا- ذهبت الفرقة النحاسية السلطانية بقيادة الفنان الراحل عبدالقادر جمعة خان في التاسع والعشرين من نوفمبر لتعزف السلام الوطني للدولة الوليدة، وهو من تأليف الفنان الكبير عبدالقادر جمعة، الذي نجح فيه على غيره من الفنانين الكبار المتقدمين، فكانت مدينة المكلا بذلك المحطة الأولى للتحرر، وهي المدينة الأولى التي عزف أبناؤها لحظة الانعتاق في يوم الاستقلال.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى