بمناسبة يوم الاستقلال ..محطات وحقائق تاريخية

> محسن محمد أبوبكر بن فريد:

> عند حلول الثلاثين من نوفمبر، يوم الاستقلال، تظهر نفس الوجوه.. وتتكرر نفس المقالات والطروحات المؤدية إلى أن ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر هما البداية والنهاية في تاريخ اليمن الحديث، نعم الثورتان محطتان رئيسيتان في تاريخ اليمن الحديث، إلا أن من الظلم لليمن وتاريخه ورجالاته ونضاله الطويل أن نختزل كل شيء بهاتين المحطتين. الأكيد أن 26 سبتمبر و14 أكتوبر هما تتويج لنضالات طويلة وانتفاضات عديدة في طول البلاد وعرضها.. توقاً وأملاً في مستقبل أفضل للوطن. ولتأكيد ما أقول إليكم المحطات والحقائق التالية:

-1 اجتمع في الأزهر الشريف، في القاهرة، في شهر سبتمبر 1940م، نخبة من طلبة اليمن، على رأسهم الفقيد محمد علي الجفري، الشهيد محمد محمود الزبيري، الفقيد أحمد محمد نعمان، وآخرون، واتفقوا على تكوين (كتيبة الشباب اليمني الأولى) للسعي من أجل نهوض اليمن الطبيعية، وتحريرها من الاستعمار والتخلف، وكتب مسودة نظامها الفقيد محمد علي الجفري (لدينا هذه المسودة).

-2 عاد أولئك الرواد إلى مناطقهم، وواجهوا ظروفاً اضطرت أبناء الشمال أن ينشئوا منظمات تعالج مشاكل الشطر الشمالي. فتم إنشاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. ثم تطور الأمر وتم إنشاء الاتحاد اليمني.. الذي تطور إلى حركة الأحرار.. وعاد أبناء الشطر الجنوبي إلى عدن ولم يكن أمامهم إلا تكوين كيان أو تنظيم يعالج مشاكل الشطر الجنوبي. وتم تكوين (رابطة أبناء الجنوب) في 29 أبريل 1951م.

-3 كانت الرابطة الأولى في الجنوب والرائدة في إذكاء المشاعر الوطنية ورص الصفوف من أجل التحرر من الاستعمار البريطاني ووحدت 23 سلطنة وإمارة ومشيخة في كيان سياسي واحد.. على طريق الوحدة اليمنية. وعندما استشعرت بريطانيا خطورة دعوة ونشاط الرابطة، قامت بنفي رئيسها ومؤسسها الفقيد السيد محمد علي الجفري.. وأمينها العام الفقيد الأستاذ شيخان الحبشي إلى مصر عام 1956م. وفي عام 1958م هاجمت القوات البريطانية سلطنة لحج (التي عاد إليها محمد علي الجفري ولكنه ظل ممنوعاً من دخول عدن) بهدف القبض على السيد محمد الجفري وإخوانه، ولكنه تمكن من الهرب إلى تعز.. وعلوي علي إلى العوالق، وألقي القبض على أخيهما عبدالله علي، ونقل ببارجة حربية إلى جزيرة سقطرى. وفي أعقاب ذلك تم نفي الشخصية الوطنية البارزة السلطان علي عبدالكريم العبدلي سلطان لحج.. ثم الشيخ محمد أبوبكر بن فريد إلى مصر أيضاً.

-4 خلال هذه الفترة كانت الانتفاضات القبلية قد انتشرت في كثير من مناطق الجنوب، وبالتحديد في العوالق العليا والسفلى والواحدي ودثينة والعواذل وبيحان ويافع والصبيحة. وفي شهر أبريل 1959م حاصرت الدبابات البريطانية منازل آل أبوبكر بن فريد في مدينة الصعيد في العوالق العليا، بهدف القبض على رموز الأسرة وأخذهم (رهائن) إلى عدن، وبذلك تأمن بريطانيا من أي انتفاضة مسلحة قد تتفاعل في المنطقة في ذلك الوقت. ولكن الرؤوس المطلوبة (الشيخ صالح بن أبوبكر والشيخ فريد بن أبوبكر والشيخ محمد أبوبكر بن عجرومة وعبدالله محمد «جعفان») تمكنت من الإفلات من وسط الحصار ولجأت إلى كور العوالق. وبالرغم من ذلك دكت الدبابات البريطانية المنازل بمن فيها من الرجال والنساء والأطفال، وأخذ محسن أبوبكر بن فريد كرهينة وسجن في أبين ثم في الضالع. وفي نفس الوقت تم حرق قلعة آل الجفري (القاهرة) في مدينة يشبم، وتم محاصرة ومتابعة الكثير من أعضاء الرابطة وأنصارها في منطقة العوالق وفي مختلف المناطق.

-5 تمركز الثوار في كور العوالق مدة عام كامل، من أبريل 1959م إلى أبريل 1960م في انتفاضة قبلية مسلحة جسورة، بدعم معنوي ومادي من حزب الرابطة. فنُصبت الكمائن وقُطعت الطرق وهوجمت الإدارات والمراكز الحكومية في المنطقة، وأخذت الحركة المسلحة تنمو وتكبر وتجذب اهتمام وتعاطف ليس أبناء منطقة العوالق فقط، وإنما أبناء المناطق الأخرى.

وأدركت بريطانيا خطورة هذه الحركة أو الانتفاضة، عندها قررت بريطانيا التخلص من هذا الخطر العسكري للرابطة كما سبق أن تخلصت من الخطر السياسي لها بنفي ومطاردة قيادتها السياسية في 1956م. ولهذا كثف سلاح الجو البريطاني من طلعاته وضرباته الجوية على كور العوالق إلى درجة إحضار حاملة طائرات إلى (عرقة) على بحر العرب تقلع منها الطائرات البريطانية وتصب حممها على جبال العوالق بشكل متواصل. ويمكن العودة إلى كتاب المندوب السامي البريطاني كيندي تريفاسكس Shades of Amber : A south Arabian Episode الذي أرّخ لهذه المرحلة. وبعد سنة من الصمود في جبال العوالق، في تلك المرحلة المبكرة، أي قبل ثورة 14 أكتوبر بخمس سنوات، أعدت بريطانيا حملة عسكرية (براً وجواً) ضد الثوار، بدأت في 27 أبريل 1960م. ويقول المندوب السامي تريفاسكس:«تمكن جيش الليوي وسلاح الجو الملكي البريطاني من نزع آل أبوبكر بن فريد وجماعاتهم من موقعهم المنيع ومتابعتهم خطوة بخطوة ومن منطقة قبلية إلى منطقة أخرى حتى وصلوا أخيراً وهم مرهقون ومنهكون إلى مدينة البيضاء».

وعند وصول هؤلاء الثوار إلى مدينة البيضاء كان في استقبالهم على مشارف المدينة حشد كبير على رأسه الرجل العربي المسلم الشهم النقيب صالح بن ناجي الرويشان محافظ البيضاء حينها، وأعداد كبيرة من الثوار من أبناء الجنوب الذين لجأوا إلى البيضاء بعد نضوب إمكانياتهم المحدودة في مناطقهم. وقد قيلت العديد من الأشعار في موكب الاستقبال.. منها ما قاله الشاعر محمد امفضل:

رحب بكم بن ناصر الجُعري

والحُصن ذي حليت في ضبارة

قالوا لنا الطيار والعسكر

تصـبح بـكم غـارة وراء غـارة

ياريت والله من حضر معكم

يـأخـذ من الـنامـوس مـقـداره

-6على الصعيد السياسي والإعلامي نقلت الرابطة قضية الاستعمار في الجنوب إلى كل المحافل العربية والدولية، وأدخلت القضية إلى الأمم المتحدة منذ عام 1959م، وخاضت نضالاً سياسياً وإعلامياً واسعاً حتى صدرت قرارات الأمم المتحدة في عام 1963م الملزمة لبريطانيا باستقلال الجنوب وضمان وحدة أراضيه وانتقال السيادة لشعبه (وحينها كان يفترض أن تستعد القوى الوطنية وتهيئ الوطن لمرحلة الاستقلال وما بعدها بدلاً من الاقتتال الأهلي للوصول إلى السلطة.. والانفراد بها).

-7 سنقف عند محطة يوم الاستقلال 30 نوفمبر 1967م. فبدلاً من أن تحتفل بهذا اليوم العظيم كل الأحزاب والجبهات والفصائل والقوى التي ساهمت وشاركت في تحقيق ذلك اليوم المجيد. انفردت بالاستقلال وبالوطن إحدى الجبهات الوطنية فقط،

ودخلنا ودخل الوطن حقبة ليس من حقنا نحن كحزب وليس من حق تلك الجبهة أن تؤرخ لها، وإنما يترك ذلك الأمر للمؤرخين المحايدين المنصفين.

-8 هناك حقيقة تاريخية ينبغي أن تكون واضحة وجلية لكل الأجيال ولكل المؤرخين، وهي أن حزب الرابطة كان بمثابة المدرسة والحزب الرائد في الجنوب.. الذي من تحت عباءته ومظلته خرجت معظم القوى والفصائل الوطنية الأخرى في أواخر الخمسينات وبداية الستينات. فاستقل الشيوعيون بتنظيمهم عام 1957م، واستقل الحركيون بتنظيمهم عام 1961م.

وأخيراً.. بعد 45 سنة على ثورة 26 سبتمبر و40 سنة على استقلال الجنوب ألم يئن الأوان أن نطوي صفحة الاستعمار البريطاني والسلاطين وآل حميد الدين، ونفتح صفحة (الثوار) لنرى ماذا فعلوا بهذا الوطن خلال العقود الأربعة الماضية؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى