اليمن إلى أين؟

> عاد محمد علي هيثم:

> إن ما يحدث الآن على أنواع المساحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في بلادنا كافة يدعو إلى التساؤل: ما هو الفرق بيننا وبين ما يسمى العالم الغربي الديمقراطي؟ الإجابة هنا هي أن تلك الشعوب لاتختلف عنا في شيء، لأنهم مروا على مراحل تاريخهم بأمور مشابهة لما نمر به الآن، ولكنهم توصلوا إلى طريقة الاحتكام إلى قوانينهم التي وضعوها واحترموها ونفذوها وطبقوها على مختلف مجالات الحياة لديهم لتكون هذه القوانين هي مرجعهم لحل أزماتهم.

نحن أيضاً لدينا قوانين لكن لا يتم تنفيذها وتطبيقها إلا بمزاجات خاصة، لدينا مرجعية ممثلة بالدستور المستمد من اتفاقية الوحدة التي على إثرها ولدت الجمهورية اليمنية، فلماذا لا يتم الاحتكام لهذه الاتفاقية للخروج من المأزق الموجود على الساحة السياسية بشكل عام، وعدم اتباع سياسة التنافر والتصعيد لأخطاء الآخر وعدم تنفيذ الحلول المؤقتة التي تؤدي إلى ترقيع الأمور وليس معالجتها، فيجب أولاً الاعتراف بالخطأ قبل معالجته حتى تكون هذه المعالجات فعالة ودائمة وليست وقتية، والكف عن تبادل الاتهامات بين أبناء شعبنا لأن المزايدة على موضوع مهم وهو الوحدة أمر غير قابل للتداول، فهي ليست وليدة الـ 22 من مايو 1990م ولكنها أقدم من ذلك، فهناك شخصيات وطنية ضحت بالغالي والنفيس حتى تتحقق، ولم تتم بجهود شخص أو شخصين ولكن تمت بعد العديد من المراحل التاريخية من أكثر من شخصية كانت هدفهم الأوحد، وكللت أخيراً بقيامها في الـ 22 من مايو 1990، ولا ننسى تضحيات أبناء شعبنا كافة لتثبيتها.

لذا يجب أن ننظر بشكل واقعي وموضوعي لما يحدث في كامل الوطن حتى لا يتكرر مرة أخرى، وهنا لابد من تحديد أولويات لهذا البلد والشعب، فالمعاناة زادت وأصبحت عامة على أبناء الوطن كافة، وذلك في نظري يعود إلى عدم تطبيق وتطوير القوانين بالشكل المراد منها وأسلوب إدارتها على أرض الواقع، ولتجنب ذلك لابد من تطوير هذه القوانين وإدارتها بالشكل السليم عن طريق تصنيف وتوصيف كل مناصب الدولة العسكرية والأمنية والمدنية وتحديد مهام وواجبات وحقوق وحدود صلاحيات كل منصب، كبيراً كان أم صغيراً، ووضع لوائح إدارية وتنفيذية تنظم العمل اليومي لهذه القوانين وجهاز الدولة حتى لا تكون حكراً على مسئول أو وزير يدير الأمور كيف يشاء، مع تطبيق أنظمة للمتابعة والمراقبة، وأيضاً مبدأ الثواب والعقاب وتغيير أسلوب الإدارة في كل الوزارت والمصالح والهيئات التابعة لها بحيث تكون الإدارة بالأسلوب العكسي، أي من القاعدة إلى القمة، عن طريق مخرجات إدارية (استمارات) منوعة بحسب تخصص كل وزارة أو مصلحة أو هيئة، وتكون شاملة للشروط المطلوبة لإنجاز أي معاملة دون الحاجة إلى خرق القوانين واستعمال الوساطات، فمثل هذه الأساليب الإدارية ستحد الكثير من التلاعبات والفساد المنتشر في أجهزة الدولة والذي يثقل كاهل المواطن وخزينة الدولة التي تذهب نسبة كبيرة منها بسبب الفساد دون الاستفادة منها في المشاريع التنموية لمصلحة المواطنين، وكذا ما سيحدثه ذلك من أثر إيجابي في نفسية المواطن عندما يرى أن القوانين تطبق على الجميع دون تمييز، مما يعطيه شعوراً بوجود إنسانيته وحفظ كرامته.

لأن أي نظام سياسي قائم حالياً أو مستقبلياً لا يضع كرامة المواطن كأحد أهم أولوياته مصيره الفشل.

هذا الموضوع يدعونا إلى التفكير في كيفية ونوع نظام الحكم، هل نريده برلمانياً أم رئاسياً؟ في كلتا الحالتين يجب وضع أساسيات وثوابت لا يمكن تجاوزها وعدم السكوت في حالة التجاوز.

وأهم هذه الثوابت هو أن مجلس النواب هو الأساس في أي من الأنظمة، وله المرجعية الأولى وبالأخص المراقبة والمحاسبة ومحاربة الفساد، وليس تحت أي جهة أخرى، وأيضاً تكون جميع مصادر الدخل للبلاد تحت إشراف المجلس، وتسلم كعهدة للحكومة المنتخبة بحسب خططها المصدق عليها من المجلس.

تحديد مهام وصلاحيات منصب رئيس الجمهورية سواء في حالة النظام البرلماني أم الرئاسي، ويكون تحت المساءلة من قبل مجلس النواب، وكذا المناصب الرئاسية الأخرى (كأعضاء مجلس الرئاسة أو نائب رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء).

ويكثر الجدل عن مسألة تطبيق النظام والقانون، لذا يجب وضع آلية متحررة وفعالة لتنفيذ ذلك، وهي فرض هيبة الدولة، ولكن ليس بالأسلوب القديم، وإنما بالنظام والقانون، ومن أهم المؤسسات لتنفيذ هذا الغرض العسكرية والأمنية، لذا يجب الاهتمام بزرع روح الولاء لليمن والقانون والنظام وليس للقبيلة والنفوذ الشخصي في هاتين المؤسستين، والحفاظ على كرامة وسلامة منتسبي هاتين المؤسستين.

والنظام الذي سيقوم بهذه الإصلاحات سيكون منتخباً من قبل الشعب، لذا يجب تنظيم أسلوب الانتخابات وطريقة إدارتها، فالمسألة ليست مقتصرة على التمثيل في عضوية لجنة الانتخابات العليا ولكن أيضاً في آلية التسجيل والتوزيع والفرز أثناء عملية الانتخابات، فهناك آليات كثيرة في هذا المجال يمكن تنفيذها بموافقة الجميع للمصلحة العامة للبلاد، ومن أهم العوامل في الانتخابات والتصويت حيادية المؤسسة العسكرية والأمنية، وعليه وبشكل استثنائي يتم تشكيل لجنة خاصة للاقتراع والفرز لهاتين المؤسستين ليكون لمنتسبيها الحق بالقانون أن يصوتوا بأحقية مسقط الرأس وليس مكان العمل كون منتسبيها يخدمون في مختلف أنحاء الوطن، والتنقلات بسبب طبيعة العمل كثيرة، مما سيخلق حالة نفسية مريحة للمشاركة من قبل منتسبي هاتين المؤسستين في عملية الاقتراع دون ضغوط، وبالنسبة للجانب المدني للفرز لاحتساب النتائج يكون عند كل صندوق ممثلون عن كل مرشح بآلية يوافق عليها جميع القوى السياسية.

فإذا نحن لجأنا إلى أسلوب الحوار العقلاني ووضع قوانين نتفق عليها جميعاً ونلتزم بتنفيذها الكبير قبل الصغير سنتمكن حينها من مجاراة ما يدور من حولنا، وتتمكن الدولة من مراعاة جميع مواطنيها والحفاظ عليهم وحمايتهم من مختلف أنواع الأخطار السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتلبية جميع متطلبات الحياة الكريمة للمواطنين، وبالتالي سيكون هدف كامل الشعب هو الاستقرار للتنمية والرخاء.

وهذا لن يتم في ليلة وضحاها، ولكن لابد من الصبر والالتزام والتفاني لتطبيق هذه الأمور على أرض الواقع للمصلحة العامة لا الشخصية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى