الهوية العدنية ليست إسرائيلية

> فريد الصحبي:

> عدن.. اسم في كتب السماء.. يقال إنها أول أرض وطأتها قدم الإنسان.. أي إنها مهبط آدم وزوجه حواء على الأرض.. أو هي جنة الله في أرضه، يوم كانت جزيرة العرب غابات خضراء كثيفة الأشجار.. وحكاية لجوء قابيل إلى جبل صيرة بعد أن قتل أخاه هابيل خوفاً من عقاب الرب حكاية من حكايات وأساطير تروى من أعماق الماضي السحيق عن هذه البقعة من الأرض التي اسمها (عدن) الاسم ذو الرنة الشجية كزقزفة عصفور حط على شُبّاك ذات صباح.. وكتساقط قطرات المطر على صفحة نهر رائق.. الاسم النغم الذي رددته كتب السماء! وستبقى عدن كما أراد الله لها أن تكون، عين اليمن على الدنيا وجنته في الأرض، جنة الرحمة والحب و السلام.

ومع ذلك هناك من يتحسس من مجرد ذكر اسم عدن.. ويتحسس أيضاً من الهوية العدنية.. وهو لا يعترف بأحد يقول إنه عدني.. سواء أكان مولوداً في عدن أم حتى أبواه وأجداده من مواليد عدن، الهوية العدنية في نظره هوية وهمية، وربما إسرائيلية.. فمن يسمون أنفسهم العدنيين ليسوا سوى صنيعة استعمارية، ومن مخلفات الجيش البريطاني التي نسوها وتركوها وراءهم بعد رحيلهم من عدن عشية الاستقلال الوطني.

في السبعينات من القرن الماضي وقف في مطار الكويت مسافران عائدان إلى عدن بعد دورة عمل تدريبية في الخارج.. أحدهما مثل صاحبنا أعلاه.. عنده حساسية من اسم عدن.. والثاني تذكر حقيبته المحمولة ضمن عفش الطائرة فأخرج قلمه وكتب على ظهرها عبارة (إلى عدن) خشية ضياعها.. هنا صاح زميله المريض بالحساسية إياها قائلاً ومعنفاً:

ماهذا الذي فعلته؟!.. المفروض أن تكتب جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، فأجاب زميله وقد استشاط غضباً:

وماذا تراني قد كتبت.. إسرائيل؟!

في أجواء التحضير للاحتفال بعيد الاستقلال الأربعين، وفي إحدى الجلسات الوطنية والودية كنت حاضراً وسط لفيف من أبناء وأهالي عدن.. وعندما حان دوري لأتكلم كنت قد أدركت أن غالبية الحضور من أبناء الريف والمحافظات الأخرى شمالاً وجنوباً، وإن كانوا من ساكني عدن والمستقرين فيها والمنقطعين لها منذ آماد بعيدة متفاوتة، وكان مما قلته: إنني لا أتفق مع إنشاء الجمعيات الخيرية داخل عدن بأسماء أبناء المحافظات الأخرى.. جميعها يجب أن تلغى.. وكذلك جمعية عدن الخيرية.. على أن يتوحد الجميع في جمعية واحدة يطلق عليها اسم (جمعية أبناء وأهالي عدن الخيرية) تضم هذه الجمعية تحت جناحيها كل أبناء عدن وأهلها وساكنيها المقيمين والمستقرين فيها والمنقطعين لها أياً كانت مناطقهم التي أتوا منها أو أصولهم وأعراقهم.. كل من استقرت به الحياة في عدن وانقطع لها فهو عدني.. (هنا قاطعني الحضور بتصفيق حار) وواصلت حديثي: شريطة أن يكون جاره العدني أحب إليه وأقرب مودة ورحمة من أخيه البعيد خارج عدن، وشريطة أن يكون ساكنو الشارع الذي يسكنه هم عشيرته، وأهل الحي الذي يعيش فيه قبيلته.. ليس العدني بالمولد وإنما بالعمل الصالح لعدن وأهل عدن، فمن الأبناء من يكون ابناً عاقاً وغير صالح لأهله ومجتمعه الذي يعيش فيه.. هذا الابن لا مكان له بين أهالي وأبناء عدن.

طالعتنا صحيفة «14 أكتوبر» يوم الأربعاء الموافق 2007/12/5م بمقال (لقطة) يلبي الرغبة الغريبة والطارئة في تشويه كل ما يمس أبناء عدن والهوية العدنية.. المقال لعبدالله باذيب كتب عام 1956م يدين فيه حسن علي بيومي رئيس الجمعية العدنية آنذاك لأنه يطالب الحكومة بتعدين الوظائف بدلاً من أن يطالبها بتعريب الوظائف.. هذا مع أن حقائق التاريخ الدامغة تقول إن من أهم أعمال السيد حسن علي بيومي رحمه الله بعدما اعتلى منصب وزير العمل والشؤون الاجتماعية هو (قانون تعريب الوظائف).. ليس الوظائف الحكومية فحسب بل ووظائف القطاع الخاص.

هذا لا يعني تسفيه مقال السيد عبدالله باذيب رحمه الله ابن عدن الوفي الذي عاش فقيراً ومات فقيراً، وهو من أصدق الوطنيين قولاً وعملاً، وأسبقهم وأعلاهم فكراً وثقافة.. لكن علينا أن نحذر ممن يحاول أن يضللنا فيخلط بين واقع وظروف الأمس وحالنا اليوم، أو أن يكيف أجواء وملابسات مرحلة وطنية سابقة مع مرحلة أخرى لاحقة مغايرة ومختلفة.. فمثلا- لمزيد من الإيضاح- أقول: لو أن عبدالله باذيب المفكر الماركسي اللينيني الحقيقي والرائد الوطني الصادق الذي- وربما أكون أول من يذيع هذا السر- كان يصلي بجوار سريره بعد خروج زواره من حجرته في المستشفى.. كان ذلك قبيل وفاته وبشهادة ممرضات المستشفى وآخرين.. أقول: لو أن الراحل عبدالله باذيب بعث حياً اليوم ورأى ما آل إليه حالنا بعد الاستقلال الوطني ورأى ما فعل (قابيل بأخيه) ورأى الوحدة وقد تحولت من حلم إلى كابوس بسبب الممارسات والإجراءات التي فرقت وميزت بين مواطن وآخر، ولم تتعامل معهم بالتساوي من خلال نهب ومنح الأراضي الشاسعة والوظائف لغير أبناء وأهالي محافظة عدن من قبل أشخاص من خارج المحافظة، وبكل بجاحة باسم الوحدة والاندماج السكاني، وكل ذلك بريء منه براءة الذئب من دم يوسف، وكل ذلك أيضاً وأبناء وأهالي عدن متفرجون ومحرمون من أراضيهم ووظائفهم، وهو الحال نفسه لبقية محافظات الجنوب.. لو رأى كل ذلك لكان في الصف الأمامي مع المعتصمين بساحة العروض في خورمكسر، ولكتب العديد من المقالات، وربما مجلدات ينتقد فيها بشدة هذه التصرفات الهوجاء.

أخيراً.. لماذا نشر مثل هذه المقالات التي كتبت قبل نصف قرن من الآن؟ هل المقصود منها أن نقبل بهذه السلوكيات والتصرفات الهوجاء تحت اسم الوحدة أو تحت أي اسم أو عذر آخر؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى