المكاوي وبافقيه.. وصدى الصوت في عدن وحضرموت

> علي سالم اليزيدي:

> رجال أحبوا الوطنية النقية واعتنقوا أفكار العشق السياسي والتدثر به وليس لديهم النوايا ضيقة الذات، لم يجنح أحدهم إلى دس لعبة الشهرة ولم يخطر بخلد أحدهم ولو للحظة الاتجاه صوب المكسب والثراء، هؤلاء كانوا وحدة وطنية تألقت وعكستها مرايا الصدور الصادقة، وهي كذلك، من المناضل والزعيم السياسي العدني عبدالقوي مكاوي إلى السياسي والمفكر محمد عبدالقادر بافقيه إلى الرجل الوطني النظيف فرج بن غانم وعباس العيدروس ومحمد محفوظ باحشوان وسعيد النوبان وغيرهم، كل هؤلاء ورجال آخرون رافقوهم تمسكوا بما لديهم، وما لديهم هو مطلب الجميع، إنها أدبيات النضال السياسي ومطالبه في عدن والمكلا ولحج وسيئون، وسارت بهم الأيام ولم تخب بعدئذ آمال الرجال وكان هذا يكفي، وقالوا لا يعنينا من يصعد ومن يذهب وما ستبدي لنا الأيام.

ظاهرة عبدالقوي مكاوي في عدن والمواجهة البالغة الأهمية للإنجليز التي انسلخت به إلى التطلع إلى الاستقلال والإرادة الحقيقية أرادها في قرارة نفسه أن تبدو واضحة جنباً إلى جنب مع كل المناضلين الجنوبيين من عدن إلى حضرموت والمهرة، هذه الظاهرة الوطنية جعلت منه جدلاً موضوعياً، ربما لم يفهمه غيره عندئذ وفي لحظة الغليان، واقترب الزمن من إنصافه بوضوح من حيث الموضوعية والمعطيات التي تفاعل بها المكان والأشخاص والمتغيرات والآراء ما بين الموقف والتطورات آنذاك في عدن وما حولها وما بعد إلى يومنا هذا.

ألم تهتز مشاعر العدنيين عند الحدث الفاجعة الذي استهدف يوم 27 فبراير1967م منزل هذا السياسي في الانفجار الذي أدى إلى استشهاد ثلاثة من أبنائه رحمهم الله، إذ نظرت الأوساط يومئذ إلى هذا الحدث ومن خلاله إلى شخصية المكاوي واحتضان نضاله بقدر كبير دون النظر إلى التيارات المتصارعة وارتباط السياسيين بها، أبت عدن حينها إلا أن تجعل منه زعيماً نبع من وسطها، ولم تغير هذه الصورة طوال جهاده ومنفاه ثم رحيله.

ولم يقف السياسي الآخر محمد عبدالقادر بافقيه عند حدود وهو يتطلع إلى فكرة الاستقلال وتطور المنطقة الحضرمية، كان الفكر السياسي المستقل لديه أبعد من مكان وجوده ونشاطه، وهو لم يسبق خطواته حتى لا يتعثر فجأة، إذ وضع الشاب المتحمس بافقيه اهتمامه مع ظهور الحزب الوطني الحضرمي الذي أسسه الشعب عام 1947م وسحب منه الارتباطات الرسمية فيما بعد، حيث حقق هذا الحزب بشعبيته نجاحاً ملموساً، فقد أصبح له وزن ورأي في المكلا، وهو هنا لم يركب هذه الأفكار كسياسي مغامر، إذ ارتقت وزميله العدني المكاوي قدراتهما الفكرية والجسارة لديهما إلى مواقع المواجهة في رأي المحللين والمؤرخين في التتبع عن الاثنين، السياسي المكاوي الذي رفض الوزارة من إذاعة عدن في 1965 وأنه يؤيد الكفاح لإنقاذ بلاده، ورغب دون شك مع كل المكافحين يومها بأن يترك المستعمر بلاده وضرورة تقرير المصير، وبالمقابل ما قاله محمد عبدالقادر بافقيه من خطاب بمناسبة تعيين القدال باشا وزيراً للسلطنة القعيطية بحضرموت في 1950. هذا الخطاب البالغ المعاني وما حمل من إشارات هي أساس فكر هذا الرجل ونواياه الوطنية من بلاده حضرموت آنذاك قال:«بلادنا فقيرة، والفقر فيها بيت الداء ورأس كل مصيبة، قف على رأس شارع من شوارعنا وانظر إلى الجموع، لترى كيف الحفاة ونصف العري يكادان يصبحان رمزاً قومياً لنا، نحن لا ننسى أنك صاحب مشروع، ولكن ننتظر منك أن تتحفنا بمشاريع أخرى، إن عيون البائسين تتطلع إليك، والموظفون الصغار ينتظرون الإنصاف، والإدارة في حاجة إلى الإصلاح، لقد برهنت الأيام أن الاحتفاظ بالمنصب العالي من الصعوبة بمكان، إلا أن قلم التاريخ لا يكف عن الكتابة حتى في الظلام».

وإن كان السياسي والمؤرخ والمثقف بافقيه قد اعتمد المواجهة والأفكار من أجل دولة تعنى بشؤون أبنائها في الأمن والتعليم والمدنية، لا نقول إنه كان لوحده، إذ اتحد معه كل الحضارم المتنورين، وبعد أن ظهرت في حضرموت الأفكار العصرية وأخذ الناس يتكلمون عن الوطنية والعروبة والتقدم الاجتماعي.

وسجل المؤرخ الراحل محسن عبدالقادر بامطرف إحداثيات تلك المرحلة بصدق وعمق، ثم عمد مثله المؤرخ الشهير سعيد عوض باوزير إلى ما يكفي من تدوينات حول مراحل التطور والمدنية الحضرمية.

لحظة أتاح لها الزمن أن تظهر جرأة ومقدرات الزعيم العدني العربي عبدالقوي مكاوي، مكنت هذا السياسى من حقيقة التبصر اللائق ليقف إلى جانب عدن وشعب عدن وعروبتها في وقت كانت عدن مصدراً للفكر الحديث والثقافة للمناطق المجاورة من لحج إلى دثينة والعوالق وحضرموت، أراد بعزيمة الوطنيين إلا أن يقف في خط النضال، وهو المكان الذي انتسب إليه عدد كبير من عدن والمكلا ويافع وجعار وردفان، وكانوا يدخلونه من أبواب مختلفة وبأفكار ورؤى متعددة، ومنهم عبدالله باذيب وعبدالله عبدالمجيد السلفي ومحمد باسندوة وقحطان الشعبي وعلي حسين القاضي، كل هؤلاء أدارت لهم الأيام ظهرها وهبت الرياح بما لا تشتهي سفنهم، إلا أنهم لم يكونوا قناصي ثروة ولا عشاق سلطة وهو ما ينصفهم ويصدق عليهم جميعاً.

خرج عبدالقوي مكاوي من عدن وعاد ذات يوم إلى المكلا، حيث ركع يقبل تربة عزيزة عليه، رأيت المنظر لرجل طاعن في السن! أهي لعبة الأقدار أم من محاسن الصدف أن ينشأ في عدن وينتهي به المقام في حضرموت، وفي الطرف الآخر ينشأ ويجاهد بافقيه في المكلا وينتهي به المقام في عدن، والاثنان مكاوي وبافقيه ينطبق عليهما ما جاد به الشاعر المحضار: قسا علي دهري..!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى