الجود من الموجود

> د. عبدالباري دغيش:

> اللاجئون القادمون من القرن الأفريقي إلى بلادنا اليمن، هم إخوة لنا، وطالما لجأ آباؤنا وأسلافنا عبر التاريخ، قديمه وحديثه، إلى بلدانهم، خاصة في الأزمنة العجاف التي عاشتها مجتمعاتنا المحلية.

وكانت أول هجرة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بلاد الحبشة قبل أكثر من 14 قرناً هرباً من ظلم وطغيان مشركي قريش، حيث كان ملك الحبشة (النجاشي) لايضام ولا يظلم عنده أحد، فلقد جاءه سفير قريش (عمرو بن العاص) طالباً استعادة من هاجروا إلى الحبشة كي تسومهم قريش سوء العذاب وتجبرهم على ترك دينهم الحق فلم يسلمهم النجاشي، بل إنه أكرم مثوى أولئك المهاجرين من المسلمين الأوائل. وهكذا كان الأمر مع آبائنا وأجدادنا اليمنيين الذين هاجروا إلى دول القرن الأفريقي، فقد عوملوا معاملة كريمة، بل إنهم مُيزوا إيجابياً في كثير من الأحوال ووصلوا إلى سدة الحكم في بعض تلك البلدان، وما زال هنالك من التلد اليمني حتى يومنا هذا من يشغل مناصب رفيعة في تلك الأمصار.. لقد أحاطونا بالحب والقبول وأدمجونا في مجتمعاتهم بلا منّ ولا أذى، فهل لنا أن نرد الجميل بلا منّ ولا أذى؟

نحن ندرك أن إمكاناتنا متواضعة ومواردنا محدودة، وهذه حقيقة يعلمها الجيران الأقربون والأصدقاء الأبعدون، ومع ذلك فنحن نقدم ما بوسعنا، فالجود من الموجود، وكي لا نبطل هذا العمل الطيب والجميل تجاه إخواننا وجب علينا أن نجعله خالصاً لوجه الله وحباً فيه، فلا نفسده بممارسة التمييز السلبي ضد هؤلاء المستضعفين أو حتى بسوق الاشتراطات القاسية خارج حدود الاتفاقيات الدولية التي وقعتها بلادنا بشأن التعاطي مع مشكلة اللاجئين، كالقول باشتراط خلو اللاجئ من الأمراض لقبول حقه في اللجوء، فاللاجئ إن كان مريضاً فهو بحاجة إلى تقديم العلاج والرعاية الطبية منا، فليس هو بالمتقدم للانتساب إلى واحدة من الكليات العسكرية كي نشترط خلوه من الأمراض لقبول لجوئه! إنه بكل بساطة إنسان أجبرته ظروف قاهرة هددت حياته ووجوده البيولوجي، واضطرته لمغادرة وطنه طلباً للجوء، لم يلجأ إلينا ترفاً ولا بطراً، فهاهو البحر يلفظ أجساد المئات إلى شواطئنا.. إنهم كائنات بشرية مقهورة وبائسة تحتاج رعايتنا واهتمامنا في مؤسسات دولة الجمهورية اليمنية في المقام الأول، وكذا رعاية واهتمام الأشقاء والأصدقاء ومنظمات المجتمع المدني والدولي العاملة في هذا المضمار، وفي المقدمة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي وغيرها من الجهات ذات العلاقة.

إننا ندعو لعقد مؤتمر دولي لمناقشة مشكلة لاجئي القرن الأفريقي ومناقشة مضاعفات هذه المشكلة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وكذلك دراسة وبحث أوضاع القرن الأفريقي بما يهيئ للمعالجة الجذرية لمشكلة اللاجئين بشكل عام، وليشارك في مؤتمر كهذا ذوو العلاقة السابق ذكرهم من الجهات الحكومية والمنظمات الدولية والأهلية وذوي القربى من الأشقاء في الخليج والجزيرة من أجل معالجة أسباب اللجوء، ومن أجل العمل على حل المشكلة جذرياً في بلدان القرن الأفريقي نفسها، وذلك من خلال إحلال السلام في ربوع تلك الأوطان، ومن خلال العمل على تنمية تلك المجتمعات، وضمان الشروط الضرورية للحد الأدنى من العيش الكريم، كي يستطيع إخوتنا حينئذ الاستقرار في أوطانهم وعلى أرضهم، فلا تنمية إلا بالأمن والسلام والاستقرار.

كما أننا نشدد ونجدد الدعوة حالياً لكل المعنيين ذوي العلاقة خاصة في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية والجهات الحكومية المحلية والمانحين ودول الجوار في الخليج والجزيرة للمساعدة من أجل ضمان اللجوء الكريم لمستحقيه في بلادنا اليمن، وهذه واحدة من المعالجات العرضية لسوء الأحوال التي يعيشها اللاجئون مع الحرص على الرقابة وضمان وصول تلك المساعدات لمستحقيها وصيانتها من أنياب وبراثن الفساد الدولي والمحلي.. في الأخير نسأل الله العلي الكبير أن يجنبنا اللجوء إلا إليه ويتقبل عملنا هذا قُربة خالصة لوجهة الكريم، ويحفظنا أفراداً وجماعات مما ابتلي به إخوتنا في القرن الأفريقي، ونسأله جل شأنه أن يرزقنا جميعاً، نحن وإخوتنا في القرن الأفريقي الأمن والأمان والإيمان، إنه سميع قريب مجيب الدعوات!

عضو مجلس النواب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى