المعاشات : ونظرية القهر النفسي للمتقاعدين

> م. سالم حسن بارعيدة:

> ذهبت لاستلام معاشي الذي يساوي راتب مراسلة أو مكنس رغم ماجستير التخصص.

وفجأة يسلمني الشخص المعني استمارة -ويالهول المفاجأة- مطلوب مني أن أثبت وجودي حياً بحضور شاهدين يوقعان ويعترفان بأني حي أرزق، وأن أذهب للبحث عن عاقل الحارة ليقابلني بحضور الشهود ليؤكد أني بشحمي ولحمي على قيد الحياة .

استمارة شيطانية تلغي قانون البطاقة الشخصية والعائلية وعدم اعتراف هيئة التأمينات والمعاشات بدفتر التقاعد الصادر منهم ومختوم عليه من قبلهم وعلى صورتي المرافقة بالدفتر، ومن هول الصدمة اعتقدت أنني في حلم ملعون يريد أن يلغي كياني وإنسانيتي ولا يعترف بحق وجودي أصلا في الحياة وفق قوانين الدولة وهذا ما حدث للمتقاعدين مثلي.. كيف يشككون في حياة المتقاعدين وهم يحملون كل وثائق الإثبات؟!

أخذت نفسي بل جرجرت جسمي وأتحسس أنحاء كلي وأسال هل أنا حي؟! وحاولت أن أتمالك تحكم عقلي بهذه الصدمة وجلست على كرسي في محاولة لاجترار أي سيناريوهات تبرر فعلتهم الجهنمية ولماذا يتعاملون معنا كمتقاعدين هكذا ؟!!

وتوصلت إلى بعض الاحتمالات :

- احتمال أن المتقاعد إنسان غبي وساذج لم يكتشف سر الفائدة العائدة لمصلحة عملية الإصلاح في بلادنا من هذه الاستمارة .

وسرعان ما سقط هذا الاحتمال، لأن الشعب كله يئن ويتألم بسبب غباوة وسذاجة السلطة وأن البلاد (ساعية تمشي بلا سكان) .

- احتمال أن زمرة قيادة المعاشات أبدعوا في إخراج هذا السيناريو النتن لإيهام القيادات العليا في الوزارة أنهم يطبقون مسيرة الإصلاح السياسي والمعاشي ولكن الآخرين مثلي يدركون أنهم (مافيا الفساد) التي تتلاعب بإيرادات واستقطاعات المعاشات بالمليارات واختلاساتها المعروفة والمنشورة علنا، ويفهمه كل الشرفاء في الوطن فسقط قناع هذا الاحتمال. فإذن أيُّ احتمال آخر يبرز ذلك؟ غير شيء واحد وهو أن عقولاً حجرية اخترعوها لأنفسهم وسيلة في تطبيق نظرية ماكافيلي (الغاية تبرر الوسيلة)، مهما كانت رذيلة وهمجية ولكن أي وسيلة هذه وأي هدف لها ؟ ترددت وأجزمت بالألف لا ثم لا لابد أن هناك شيئاً كبيراً لذلك .

وعزمت على القيام بعملية قاسية فقمت بعملية تشغيل دماغي وخلايا وفصوص مكونات المخ وبطريقة Brain Storming وتوصلت إلى اعتقادي الجازم أن زمرة المعاشات الحاكمة على أعقاب اختراع بشري هائل لم يحدث من قبل في التاريخ يغيرون به كل مبادئ علم الإدراة في العالم .

بشرى عظيمة لعالم العولمة واسمعي يا أمريكا واعترفي أن جهابذة لدينا يخرجون للعالم ما يمكن أن أسميه (نظرية القهر النفسي للإنسان المتقاعد)، طبعاً المتقاعدون عبء في نظرهم هم وعائلاتهم على تطور المجتمع وعائق يجب التخلص منه، فالمشكلة بالنسبة للمتقاعدين ليس في تعب الإجراءات ولا في شقاء الحصول على شهود أو البحث عن عاقل الحارة ولا في عدم تصديق الصديق للشهادة، وقد اعتبرني أحدهم عندما عرضت عليه الاستمارة الذي أعتبرها نكتة سخيفة تهين ثقافته التي لا يمكن أن تأتي بفعل مناف لأخلاقيات البشر في أن يشهد على متقاعد يجلس أمامه بأنه حي، واتهمني صديقي بتزوير الاستمارة وأنني انفصالي وليست المشكلة في تعذيب المتقاعدين الأحياء المسلوبة حقوقهم والمهدورة في جيوب أغبياء ومجرمي الفساد في المعاشات. كل هذا ممكن استيعابه في الهراء والتعجرف والتسلط والسيطرة على كل شيء في الجنوب من حرب 94م، ولكنّ المشكلة الخطيرة هي ما تحدثه الاستمارة من نار ملتهبة وانفجار نفسي يتفاعل داخل كيان المتقاعد، وكيف به ألا ينفعل عندما يطلب منه رسمياً وبوثيقة رسمية أن يثبت على نفسه أنه إنسان أعطاه الله -سبحانه وتعالى- حياة عزيزة شريفة رغم ضنك العيش والمآسي التي حوله .

وهيئة المعاشات تشكك في وجودك وتفترض أنك جثة هامدة رغم أنهم يرونك أمامهم ونأتي لنؤكد أن مبرر (نظرية القهر النفسي) لدى هؤلاء لها افتراضات هي :

- لا يكفي أن الله -سبحانه وتعالى- أبقاك حياً تعيش .

- لا يكفي الاثباتات القانونية من بطاقة شخصية وغيرها .

-ليس ضرورياً أن تكون النظرية في خدمة الشعب بل بإمكانها أن تكون بهدف تدمير كتلة المتقاعدين الأحياء، لأنهم يشاركون في الاعتصامات والمسيرات ...الخ ولديهم مبرر عالمي أن أغلب الاختراعات المدمرة للبشرية كالقنبلة الذرية على سبيل المثال أصبح اختراعاً عظيماً يعترف به العالم: أمريكا وأوروبا ومن هم في تحالف معهم. ولهذا فإن نظرية المعاشات هذه استخدمت نظرية (ميكافيلي) في جانب واحد وهو الجانب المهين للإنسانية أي استخدمت علم الفلسفة واستخدمت في جانب علم الاقتصاد (نظرية مالتوس) ومحتواها :«قتل أكبر عدد من السكان يكون سبباً لتطور المعيشة في العالم».

كما ضمت النظرية جانباً من علم النفس وما عليهم إلا فرض (قوة الاستمارات السلمية) لخلق عدم التوازن في نفسية المتقاعد .

ونحن نقول لهم إن هؤلاء المتقاعدين قد خدموا البلاد بلا فساد وقدموا إبداعاتهم المشهودة بلا رشوة وجابوا بوادي ووديان وجبال حضرموت سنين طويلة مشيا على الأقدام وركوبا على الحمير.

واعتصروا عقولهم ونسفوا قلوبهم منهم المدرس والطبيب والتربوي والمسؤول ..إلخ .

وخلقوا وقدموا أعظم ثروات الأمم وكانت الأجيال المتعلمة المثقفة النزيهة، هؤلاء المتقاعدون قدموا على صحن من ذهب أعظم الأجيال في تاريخ حضرموت التي تُحارَب الآن في علمها وفي تعليمها وفي صحتها وفي قضائها وفي إدارتها وفي زراعتها وفي كل شيء ليمحوا الجيل الأسطورة الإنسانية الخلاقة بكل تراثه الرائع والخلاق ومحاولات لقتل الضمائر فيها .

وفي زمن رديء ومنذ عدة سنوات يأتون الآن بأرذل وأهزل السيناريوهات وأجرمها لإلغاء قيمة الإنسان، إنهم الآن يدخلون (موسوعة جينس) ويتجهون إلى (جائزة نوبل العالمية) في نظرياتهم التي تقلب علم الإدارة العالمي رأساً على عقب لملكاتهم البالغة الذكاء في نشر ثقافة الفوضى الإدارية ومنها تعذيب المتقاعدين، حتى إنهم رغم لجان تظلمات المتقاعدين لم يفتحوا ولم يعالجوا ملفاً واحداً وهم يتشدقون بحل كل الملفات.. وأسال هنا أين رجال المشترك من هذه المسألة؟!

شيء واحد لم تنتبه له هيئة المعاشات لإكمال نظريتهم أن يضيفوا بنداً يقول: بعد تأكيد الشهود وعاقل الحارة وموظف الهيئة بان المتقاعد الذي أمامهم والذي لايزال على قيد الحياة أن يتأكدوا هل هو رجل فعلا أم امرأة؟ وهذا يتطلب منهم فحص الأعضاء التناسلية للمتقاعدين الأحياء .

ويبقى السؤال قائماً هل المتقاعد حي ؟!

فأجيبهم : أنا في الاعتصامات والمسيرات.. فأنا إذن أعيش .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى