اللهم قني شر أصدقائي

> أبوبكر السقاف:

> عندما بدأت ببطء وثقة حركة الاعتصامات لتدافع عن الوطن وتدخل قضية الجنوب في المجال التداولي السياسي والفكري معاً ضن كثيرون ومنهم المشترك أنها سحابة صيف ستتمكن سلطة القمع من وأدها، ولم يدركوا أنها تجيء من غور عميق في الوعي والذاكرة يرفده واقع السحق، بألف زاد وزاد، وأن ما يأتي من ذلك المدى يتم نتاجه. وعندما تواتر حضور العمل الحي وأصبح يصنع الخبر وجزءاً كبيراً من الوعي اليومي للناس أراد كثيرون أن يكونوا أوصياء على سيل جارف، ولما تعذر ذلك بادروا بالخدمة الشفهية ثم بالتأييد المشروط، أما عندما تبين لهم أن السيل يشق طريقه وأنه أكبر من حيلهم أخذوا يقتربون من لغة السلطة ويغمغمون بأنهم يخافون على الوحدة، التي كانوا أول من غدر بها، و«يا أيتها الوحدة ما أكثر الجرائم والآثام التي ترتكب باسمك»* غدوت أسوأ من قميص عثمان الخليفة الشهيد، وأصحابك أكثر جرأة على الحق واجتراح الجريمة من معاوية.

أين كان الذين استيقظوا فجأة للدفاع عن الوحدة قبل نحو تسعة أشهر، بل قبل وبعد 2007/7/7م يوم بدأت السلطة بالقمع الدامي من ساحة الحرية بخورمكسر وانداحت موجة الدم إلى المكلا والشيخ عثمان وردفان الدامية التي قدمت شهداء عيد الاستقلال الذكرى والموعد معاً، أين كان «وعاظ السلاطين» والحاضنون لحلم الوحدة العربية والخلافة الإسلامية، أين كانوا عندما كان الشعب الحامل التاريخي لأي مشروع كبير يقتل أبناؤه وتنهب أراضيهم وتهدر كرامتهم في الشارع والساحة وفي ملاعب كرة القدم في المكلا وزنجبار وعدن؟!

تميز أحد كتاب «الثوري» منذ نحو ثلاثة أشهر بتقليد أسلوب السلطة في جانب مهم من حديثه عن الاعتصامات الجنوبية التي غدت اليوم انتفاضة سلمية، فهو مثلها تساءل ببراءة لا يحسد عليها ماذا يريد المعتصمون؟ لهم كل يوم قول وشأن جديد.. مع أنهم قالوا بوضوح «القضية الجنوبية» هي عنواننا و«الجنوب قضيتنا» وأسهبوا سرداً وشرحاً. وقد انتقل أخيراً إلى الهجوم الصريح بدلاً من التساؤل الذي طرحته السلطة عند بداية الأحداث الدامية في صعدة، ماذا يريدون؟ وبدأ أنها تقتلهم لتعلم ما يريدون. تطلع نبيل إلى المعرفة تمارسه المدنية الجاهلة. «يفاجئوننا كل صباح بتصريح جديد، وكل تصريح ينقض صاحبه، ويرتفع عنه بدرجات قياسية في الحدة والموقف» ولاعجب فهولاء الذين «يطرحون أنفسهم اليوم (زعماء) للحركة الاحتجاجية الجنوبية» «والذين يتسابقون على التصريحات اليومية» إلخ.. ولا يكتفي بكل هذه الأحكام والاتهامات القاطعة التي تنافس تصريحات المتحدث الرسمي بعد مذبحة الحبيلين، ويكرر نصوصاً من مقالات مدير وكالة سبأ الرسمية، بل يضيف متهماً (الزعماء) وواقع الحركة الاحتجاجية بأنها «تحرك الغرائز وتبعث على الكراهية والعنصرية خصوصاً بين الناس العاديين». إن الحديث عن عنصرية وكراهية الضحية لوم للضحية في سياق دفاع صريح ومضمر عن الجلاد أي سلطة 94/7/7 التي وصف حربها بالقذرة في بداية مقاله لينتصر لأصحابها الذين يوزعون الدم والجثث على جميع أصقاع الجنوب.

من العنصري؟ من يمارس لغة الكراهية وفعلها في الجنوب؟ لوم الضحية توحد بالجلاد.

إنه دفاع سافر عن الوحدة القائمة بمنطق الوحدة وكفى، الوحدة أو الموت، والوحدة بأي ثمن، وكلها أخوات للوحدة المعمدة بالدم التي يتمترس نظام السلطة القبيلية العسكرية وراءها وكانت ولاتزال راية حربه وسلمه، وهي استمرار وفق «نظرية الإذلال» التي دمرت في تاريخ أوروبا سلطة روما و«العالم المسيحي» الذي قادته، وخرجت من تحت أنقاض الإمبراطورية الدولة - الأمة، الحرة والمستقلة.

وبعد هذا العداء الصريح يظهر الكاتب بوجه المتعاطف مع «القضايا الكبيرة والصحيحة» ولكنه يشفق عليها من زلات لسان الزعيم وهذه الكلمة بالمفرد والجمع ترد بين قوسين، أي زعيم ولا زعيم، ليحتفظ الكاتب الكريم بصورة الزعيم في خياله وفكره.ومن علياء الناصح الأمين جداً يعلم أصحاب الحق . «رب كلمة لا يلقي لها الزعيم بالاً تقوده أو تقود غيره إلى الهلاك، وتجلب عليه وعلى قضاياه الصحيحة والكبيرة وبالاً كبيراً»، ويصل في خاتمة مقاله إلى الفحوى المضمرة فيعلنها غير هياب «وعند هذه النقطة بالذات يعرف الزعيم الحقيقي من غيره من (الزعماء) التقليد ولو بدون تصريحات نارية».**

ويتركنا في حسرة بالغة، فهو لم يومئ ولو باستعارة بعيدة ومرسلة عن بعض قسمات وملامح الزعيم الذي يريد. كل هذا القول يقوم في باب النصيحة.

إن الذين يعادون القضية الجنوبية صراحة في المؤتمر والإصلاح يبدون أكثر صدقاً من كاتب المقال، الذي يضمر موقفهم ويعلن الحب والتأييد والنصح، وهذا يذكرنا بقول ساخر للفيلسوف الألماني عمانويل كانت «اللهم قني شر أصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم». 2007/12/8

* تحوير تم باستبدال كلمة الوحدة بكلمة الحرية في قول مشهور لـ كاميل دي مولان ردده هو يصعد إلى منصة الإعدام بالجبلوتين في فترة إدارة الإرهاب من تاريخ الثورة الفرنسية العظمى.

** الفقرات بين الأقواس الصغيرة وردت في «الثوري» العدد (1986) الصادر في 2007/12/6م، فإن شئت ارجع إليه وتبدو مقحمة على موضوع المقال، يبدو أن صاحبه كالمصدور إن نفث استراح.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى