عدن والجنوب ليست «فضاءً مفتوحاً» لحل بطالة الشباب

> د.محمد علي السقاف:

> تحقيق الوحدة في 22 مايو 1990م في مفهوم النخبة الحاكمة في الشمال هو بمثابة عودة الفرع إلى الأصل، الفرع هو الجنوب، والأصل هو الشمال.

الفرع بما يمتلكه من الثروة، واتساع المساحة الجغرافية والموقع الاستراتيجي وقلة الكثافة السكانية هما من العناصر المشجعة للتوحد معه والمطالبة بعودته إلى الوطن الأم، ليعزز من مكانته ويسد من نواقصه في الثروة والمساحة والموقع الاستراتيجي.

أما لو كان الجنوب يفتقر لتلك المزايا لاعتبرت الوحدة معه إضافة أعباء جديدة إلى الأعباء التي يعاني منها أصلا الوطن الأم، هو في غنى عنها بما لديه من مشاكله الذاتية لتلبية احتياجات مواطنيه في الشمال، ولذلك أغلب الظن أن النخب الحاكمة كانت ستكتفي برفع شعار الوحدة اليمنية دون السعي إلى تحقيقها فعلاً ، مثل رفع شعار الوحدة العربية والوحدة الإسلامية لدغدغة مشاعر الأمتين العربية والإسلامية..!!

ولكن يختلف الأمر حين يكون الفرع (الجنوب) يمتلك مخزوناً نفطياً يفوق بكثير مخزون النفط المتواضع في الشمال، وكثافة سكانه محدودة %19 مقابل %81 في الشمال ، واتساع مساحة الجنوب ثلتي المساحة مقابل ثلث المساحة في الشمال، فإن الوحدة مع الجنوب بعودة الفرع إلى الأصل تبدو أمراً ضرورياً وملحاً ومغرياً.. فالوحدة مع الجنوب هي الحل للمشاكل والتحديات لقسوة الطبيعة الجغرافية التي كانت أكثر كرماً نحو الجنوب وقسوة نحو الشمال..! فالنمو السكاني مخيف بسبب ارتفاع نسبة الخصوبة السكانية في الشمال التي تصل إلى %3.2 وهي تعتبر من أعلى معدلات النمو في العالم (ما يساوي نحو 6.1 طفل لكل سيدة يمنية) وتشير دراسات حديثة («الثورة»، بتاريخ 2007/11/14م) أنه من المتوقع في غضون عشرين عاماً (في العام 2023م) أن يتجاوز عدد سكان اليمن الخمسين مليون نسمة، مما يشكل الكثير من التحديات والصعوبات، ليس فقط بسبب محدودية الموارد الطبيعية فحسب، بل أيضاً بسبب محدودية المساحة التي سبق الإشارة إليها.

من هنا فإن تحقيق الوحدة اليمنية لم يأت لتحقيق حلم شعبي مخلص لفكرة الوحدة، وإنما كحل لنقص الموارد والمساحة في الشمال، لهذا السبب استغلت التحولات الإقليمية والدولية في نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات للتعجيل في تحقيق الوحدة وترجمتها من شعار إلى أرض الواقع وقبول مبدأ التقاسم في السلطة بين شريكي دولة الوحدة (دون الحديث عن التقاسم في الثروة.. ولهذا الإغفال مغزاه الكبير في الكشف عن دوافع تحقيق الوحدة)، رغم أن مبدأ التقاسم في السلطة والثروة يتفقان مع مبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة اللذين على أساسهما وقعت جميع اتفاقيات الوحدة، فالقبول بمبدأ التقاسم في السلطة دون التقاسم في الثروة يعتبر مكسباً للنخبة في حد ذاته، وبرغم ذلك رأوا في تقاسم السلطة إجراء مؤقتاً لإنجاز صفقة الوحدة، لأن وفق مفهوم النخبة مبدأ التقاسم يتعارض مع مبدأ عودة الفرع للأصل اللذين لا يمكن تحديد علاقتهما ببعض على أساس المساواة بينهما وإنما بعلاقة التبعية، تبعية الفرع للأصل، من دون ذلك سيكون من الصعب بمكان استغلال مزايا الجنوب من الثروة والموقع والمساحة وفق رؤية النخبة في كيفية استغلالها لمصلحتهم، مما يتطلب ذلك إنهاء التقاسم بنهاية الفترة الانتقالية، وقد تحقق لهم ذلك بغفلة من شريكهم الجنوبي في الوحدة من خلال تقسيم الدوائر الانتخابية وفق معيار الكثافة السكانية دون الأخذ بعين الاعتبار أيضاً معيار المساحة في تقسيم الدوائر، مما ينتج عنه تخصيص (56) دائرة انتخابية لدولة الجنوب بأكمله ومساواتها تقريباً بعدد دوائر أمانة العاصمة ومحافظة صنعاء (54) دائرة بفارق دائرتين عن دولة الجنوب..!! في حين لو كان الطرفان حريصين على الوحدة والشراكة بينهما لعملا على الأقل في تكييف قانون الانتخابات الأول لعام 1992م، ليعكس نصوص اتفاق الوحدة الذي يشكل مجلس نواب دولة الوحدة على أساس دمج السلطتين التشريعيتين للبلدين (الجنوب111 مقعدا والشمال 159مقعدا) مضاف إليها 31 مقعداً يقره مجلس الرئاسة بإجمالي 301 مقعد وهو العدد الحالي لمجلس النواب وعليه كان المفترض أن يكون عدد دوائر الجنوب 111 15+=126 مقعداً مقابل 175 مقعداً للشمال، مما يقلص الفرق بين الشريكين عن الرقم الذي نتج عن قانون الانتخابات منتهكاً بذلك نصوص الاتفاقية الدولية للوحدة، بإنهاء مبدأ التقاسم وفق قواعد القانون الدولي كانت الخطوة التالية لضمان تبعية الفرع الأصل وضمان الهيمنة المطلقة على مفاصل السلطة في الدولة الجديدة والعمل على نحو عاجل على دمج المؤسستين العسكرية والأمنية اللتين ظلت كل منهما تخضع لقيادتها الشطرية، ولتحقيق هذا الهدف وأهداف أخرى أشعلت حرب صيف 1994م وتبين بتحقيق الانتصار العسكري في 7/7 أن هذا لا يكفي ولا يمكن الركون عليه لضمان سيطرة الوطن الأم على الفرع ولا الحيلولة دون إمكانية استعادة الجنوب لسيادته ودولته لفترة ما قبل الوحدة، وهذا هو الخطر الأكبر فما العمل لقطع الطريق أمام تحقيق احتمال كهذا؟ ماهي السياسات الواجب اتباعها وماهي آلياتها؟ فإذا كانت مكونات الدولة هي: السكان/ الإقليم/ الحكومة (أو السلطة السياسية المجسدة للسيادة) فيجب العمل في إطار هذه المعايير، أو ما له علاقة غير مباشرة بها، فقرارات التسريح الجماعي لأفراد القوات المسلحة والأمنية الجنوبية التي اتخذت بعد الحرب مباشرة برغم صدور قرار العفو العام في مايو 1994م وإشراك بعض القيادات المؤهلة والجنود الذين لم تشملهم التسريحات وأعيدوا إلى وحداتهم للمشاركة في الحروب الداخلية التي خاضتها السلطة بعد حرب صيف 1994م تهدف إلى حرمان الجنوب من امتلاكه قواته المسلحة والأمنية، فدولة من دون جيش وقوات الأمن هي دولة ناقصة فحتى الدول المحايدة كسويسرا والنمسا تمتلكان قوات مسلحة وأمنية كأداتين في يد الحكومة للدفاع عن أراضيهما وسيادتهما، ولضمان الأمن والاستقرار في الداخل لبلديهما، من هنا جاء مغزى إجراء التسريحات الجماعية بعد الحرب مباشرة، ودولة من دون موارد مالية في حدها الأدنى تفتقر لمقومات الدولة إذا لم تستطع ممارسة وظائفها من دفع أجور موظفيها، وتلبية الاحتياجات المعيشية لمواطنيها وإقامة المشاريع التنموية لبناء اقتصادها الوطني، ولأن النفط يشكل أحد المصادر المهمة لتوفير موارد مالية سريعة للدولة يغذي خزينتها المالية اتبعت سياسة استنزاف منهجي ومبرمج لمخزون النفط في المناطق الجنوبية فهو واحد من الأسباب التي شجعت للوحدة مع الجنوب وهو عامل رئيس بإنضابه واستنزافه سيحرم الجنوب من هذا المورد الرئيس للثروة (راجع مقالنا في «الأيام» في 10/27و2007/11/1م ولاحظنا بهذا الصدد التركيز في الاستكشافات البترولية في المناطق الجنوبية وغياب شبه كامل للبحث عن البترول والغاز في المناطق الشمالية، وفي الوقت الذي تعتمد ميزانية الدولة على نحو %72 من موارد النفط وكامل صادرات النفط هي من إنتاج الجنوب، فإن الغاز المكتشف في منطقة مأرب/ الجوف والمعلن عنه في أواخر الثمانينات لن يبدأ في استغلاله وتصديره إلا في مطلع عام 2009م، حيث تم الاحتفاظ به كاحتياطي استراتيجي طيلة هذه الفترة. ولعل مخاوف قرب نضوب نفط الجنوب أدى إلى التسريع في تشغيل المشروع. التباطؤ والتأخير في مشروع غاز مأرب/ الجوف لا يخدم نفس هدف التباطؤ والتلكؤ في تنفيذ المشاريع الاستراتيجية في الجنوب كمشروع المنطقة الحرة في عدن الذي أخذ في المد والجزر أكثر من 15 عاماً ولا يزال متعثراً حتى اليوم وبهذا التعثر ليس الجنوب وحده هو الخاسر، بل اليمن كله، حيث طغت الاعتبارات السياسية على المردودات المالية والاقتصادية التي كان سيوفرها المشروع على المنطقة. التوزيع السكاني من مناطق الكثافة السكانية في الشمال إلى مناطق القلة السكانية واتساع مساحتها الجغرافية هو الوجه الآخر للسياسات المتبعة لقطع الطريق أمام احتمال عودة الجنوب إلى وضعه السابق ما قبل الوحدة..! وباتباع هذه السياسة تحت تبريرات مختلفة وهي الأخطر من جميع بقية السياسات المتبعة، لأنها مرتبطة بمعيارين أساسيين لمكونات الدولة الممثلة في السكان والإقليم (المساحة الجغرافية) نتناولها في أولاً : تحقيق التوازن في التوزيع السكاني بين الشمال والجنوب.

-1 التبريرات والآلية.

-2 الحصاد الأول: نزوح مليون نسمة من الشمال إلى الجنوب!

أولاً : شعار تحقيق التوازن في التوزيع السكاني بين الشمال والجنوب

تشير نتائج التعداد العام للسكان 2004م الصادرة حديثاً عن الجهاز المركزي للإحصاء أن إجمالي سكان الجمهورية قد بلغ 19.597.290نسمة، منها 3.780.357 وبنسبة %19.3 لسكان المحافظات الجنوبية مقابل 15.816.933 وبنسبة %80.7 لسكان المحافظات الشمالية، في الوقت الذي تمثل فيه مساحة المحافظات الجنوبية ثلثي المساحة الإجمالية للجمهورية،مقابل ثلث المساحة في الشمال.

هذا التفاوت في السكان والمساحة بين الشمال والجنوب وتفاوت المخزون النفطي بينهما لصالح الجنوب كانا ضمن العوامل المشجعة لوحدة الشمال مع الجنوب، فمفاوضات الوحدة بين الدولتين التي دامت نحو ثمانية عشر عاما(-1972 1990م) لم يتعرض فيها ممثلو الطرفين إلى كيفية معالجة وتنظيم قضية تفاوت السكان والمساحة والثروة في إطار دولة الوحدة، ما الذي سيحصل عليه كل طرف مقابل المزايا التي يستفيد منها الطرف الآخر سواء على مستوى التمثيل السياسي أو في طريقة توزيع الثروة، فالوحدة التي لا تقوم على تبادل المصالح وتنظيمها وتقتصر على قناعات ايديولوجيا وعواطف إنسانية فهي وحدة هشة لا تقوم على أرضية صلبة، و سنرى لاحقاً في الحلقة الثانية كيفية معالجة عودة المستعمرتين البريطانية (هوج كونج) والبرتغالية (ماكو) إلى الوطن الأم الصين الشعبية بطريقة مرضية للصين الشعبية، ولمواطني المستعمرتين دون هضم لحقوقهما ومكاسبهما التي كانا يتمتعان بها قبل عودتهما إلى الصين الوطن الأم، علما أنهما كما ذكرنا كانتا مستعمرتين وليستا دولتين قامتا بتوحدهما مع الصين مثل وحدة دولتي الشمال والجنوب، فالقضية السكانية وموضوع المساحة بغيابهما عن مفاوضات الوحدة لم يعلن عنها ولم تظهر علناً على السطح إلا بعد نهاية حرب صيف عام 1994م وهو ما سنتناوله الآن على مستوى التبريرات والآلية التي استخدمت في تحقيق إعادة توزيع السكان من الشمال إلى المحافظات الجنوبية.

-1 تبريرات إعادة توزيع السكان وآليته:

يجب التمييز هنا بوضوح بين إعادة النظر في التقسيم الإداري للجمهورية لإزالة آثار التشطير كإجراء إداري باستحداث محافظات جديدة، أو محافظات تتبع أحد الشطرين سابقاً، تضاف إليها مديريات من محافظات تتبع الشطر الآخر، وبين تبني سياسة نزوح سكاني من منطقة لأخرى، وهي في الغالب في اتجاه المحافظات الجنوبية بسبب اتساع مساحتها، كما أشرنا إلى ذلك فشتان بين الحالتين في أهدافهما وتداعياتهما.

(أ) التبريرات:

ثلاثة مصادر وجهات تعاطت مع موضوع إعادة توزيع السكان نشير إلى المصدر الأول وهو البرنامج الرئاسي للرئيس صالح في انتخابات الرئاسة لعام 2006م لتوزيع أراض سكنية وزراعية للشباب ومحدودي الدخل للحد من البطالة ومكافحة الفقر الذي لم يوضع تحت يافطة إعادة توزيع السكان، وسيتم تناوله في حلقة أخرى، والمصدران الآخران في شكل تصريحين، الأول جاء على لسان أحد القادة البارزين لحزب التجمع اليمني للإصلاح في فترة ائتلافه الثنائي مع المؤتمر الشعبي العام بعد حرب 1994م وقبل تشكيل اللقاء المشترك، الذي طالب علناً بتوطين مليوني نسمة من المحافظات الشمالية في الجنوب «لتهجينه» وضمان عدم تكرار محاولة انفصاله مرة أخرى (عن الوطن الأم)؟ وقد أثارت هذه التصريحات الضجة وإن تميزت وكشفت بصراحتها ما يدور في تفكير النخبة الحاكمة دون الإفصاح عنها وأثارت ردود فعل ساخطة ضدها من بعض كتاب ومفكري الجنوب، وتم «احتواء» الموضوع مؤقتاً دون التخلي عن مشروع تنفيذ الفكرة والتوسع في وضعها موضع التنفيذ، أما التصريح الثاني فتم تغليفه باعتبارات وتبريرات فنية ومصدره الدكتور عبدالرحمن فضل الإرياني وزير المياه والبيئة في مقابلته الصحفية مع صحيفة (26سبتمبر) بتاريخ 2 أغسطس 2007م العدد (339) حيث قال إنه يرى ضمن الحلول لأزمة المياه أن «يتم إعادة توزيع السكان في الجمهورية، حيث هي موزعة بدرجات متفاوتة جداًً فالمناطق الغربية المرتفعة ومنها: صعدة، عمران، صنعاء، ذمار، إب، وتعز تبلغ نسبة التجمع السكاني فيها أكثر من %80 من سكان اليمن أي أن الكيلومتر المربع الواحد في هذه المناطق يتجمع عليه أكثر من 330 نسمة بينما في المناطق الشرقية يوجد في نفس المساحة حوالي 31 نسمة وبالتالي غياب التوازن السكاني!! وهنا وضع الوزير الإرياني المعطيات أمام القارئ كرجل تكنوقراط دون أن يذهب إلى الدعوة صراحة لما ذهب إليه القيادي في حزب الإصلاح برغم وضوح فكرته ومقاصده، والرئيس صالح كزعيم سياسي كان أكثر صراحة وذهب أبعد في صراحته من القيادة في الإصلاح، ففي خلال لقائه بقادة منظمات المجتمع المدني في عدن في يوم الأحد 25نوفمبر الماضي قال:«لدينا أراضي ما شاء الله من عدن إلى باب المندب، ممكن نسكن فيها 20 مليون مواطن فلماذا التزاحم على الجبال ولماذا التقاتل على الأراضي»؟! فرقم عشرين مليوناً سمعته مباشرة من الخطاب وأعيد نشره في صحيفة «الثورة» العدد (15720) بتاريخ 26 نوفمبر 2007م. وليست خطأ مطبعياً، وهذا الرقم يمثل عشرة أضعاف مطالبة القيادي الإصلاحي ويمثل إجمالي عدد سكان الجمهورية!! وفق تعداد 2004م وربما يتم ذلك تدريجياً في إطار توقعات بلوغ عدد سكان الجمهورية أكثر من خمسين مليون نسمة في العام (2023) أي بعد نحو 15 عاماً!!

(ب) الآليات:

استخدمت عدة طرق وآليات لإعادة توزيع السكان من تصدير الأيدي العاملة غير المؤهلة لتنفيذ المشاريع الحكومية في عمليات البناء للمباني الحكومية والمدارس، ومقاولات المجاري والتي في أغلبها تقوم بتنفيذها شركات ومؤسسات شمالية تجلب عمالتها من مناطقها وحتى وإن وجدت قوى عاملة محلية في الجنوب لا يتم استخدامهم سواء على مستوى المشاريع الحكومية ومشاريع القطاع العام أم المختلط أم حتى على مستوى مشاريع القطاع الخاص التي تسيطر على غالبيتها البيوتات التجارية الشمالية.

والأدهى في الأمر مسايرة الشركات الأجنبية هذه السياسة خاصة على مستوى شركات النفط العاملة في مناطق الإنتاج النفطي التي تقع غالبيتها في المناطق الجنوبية حيث يرى أبناء مناطق إنتاج النفط(حضرموت، شبوة.. إلخ) أنهم لا يستفيدون بنسبة معينة من موارد النفط في تنمية مناطقهم فحسب، بل بلغ الأمر حداً إلى استقدام العمالة البسيطة مثل سائقي السيارات وحراس مقار الشركات من خارج محافظاتهم..! فهذا الحراك السكاني من المحافظات الشمالية إلى المحافظات الجنوبية ليس له طابع مؤقت لفترة محدودة ولا يبدو أنه عفوي وإنما يدخل ضمن سياسة غير معلنة رسمياً حتى وقت قريب، الهدف منه تخفيف الضغط السكاني على المحافظات الشمالية بتوجيه الفائض السكاني من شرائح معينة إلى المحافظات الجنوبية!!

تشريعات التقسيم الإداري:

هنا أيضاً تشريعات التقسيم الإداري اتخذت اتجاهاً واحداً باقتطاع مديريات المحافظات الشمالية وضمها إلى المحافظات الجنوبية ولم يتم في الاتجاه المعاكس حتى الآن.. فأهمية التقسيم الإداري مرتبطة بتقسيمات الدوائر الانتخابية في الانتخابات البرلمانية وفي انتخابات المجالس المحلية سواء على مستوى انتخاب أعضاء المجلس المحلي للمحافظة التي تتكون من عدد من المديريات، أم على مستوى المجالس المحلية للمديريات في كل محافظة، وبالتالي فإن عملية إضافة مديريات شمالية إلى المحافظات الجنوبية دون عمل الشيء نفسه في الاتجاه المعاكس، تعني ترشيح مواطنين من تلك المديريات للحكم المحلي في المحافظات الجنوبية.. إلخ ذلك من الأهداف السياسية لمثل هذه التقسيمات، ولهذا برغم نص المادة (6) من اتفاقية الوحدة بتاريخ 22 أبريل 1990م طلب من مجلس الرئاسة تكليف فريق فني لتقديم تصور حول إعادة النظر في التقسيم الإداري للجمهورية، إلا أن ذلك لم يتم الاتفاق حوله، وجميع التشريعات التي صدرت جاءت بعد حرب 1994م وبشكل جزئي وليس شاملاً لجميع مناطق الجمهورية، مما يخضع عملية التقسيم للاعتبارات السياسية لمتطلبات كل مرحلة، فقد استحدثت ثلاث محافظات هي عمران، الضالع، ريمة.

فالضالع التي كانت مديرية في إطار محافظة لحج، حين استحدثت كمحافظة أضيفت إليها من محافظة إب/ مديريتان هما:(قعطبة،دمت).

ومن محافظة البيضاء/ مديرية واحدة وهي:(جُبن).

ومن محافظة تعز/ مديرية واحدة وهي:(الحشاء) .

ومحافظة لحج: أضيفت إليها من محافظة تعز/ مديريتان وهما (القبيطة، المقاطرة).

ومحافظة شبوة:أضيفت إليها من محافظة البيضاء/ مديرية واحدة وهي: (مرخة العليا).

التشريعات الخاصة بتوزيع أراضي وعقارات الدولة:

تعتبر التشريعات اليمنية بهذا الخصوص من بين التشريعات النادرة المعمول بها في عدد من الدول المتقدمة والنامية، فيما يخص الجهات المعنية بتوزيع أراضي وعقارات الدولة والشروط المفروضة على عملية التوزيع فقد أعطى المشرع اليمني بعد حرب 1994م لرئيس الدولة الحق في التصرفات في أراضي وعقارات الدولة الخاصة بتوجيهات منه دون قيد أو شرط لتحقيق المنفعة العامة، مما يشكل ذلك أمراً خطيراً للغاية، فقد قضت المادة (8) من القانون رقم(21) لنسة 1995م بأنه «لا يجوز التصرف في أراضي وعقارات الدولة الخاصة إلى أي شخص طبيعي أو اعتباري بالمجان إلا بقصد تحقيق نفع عام أو بتوجيه من رئيس الجمهورية».

وذهبت اللائحة التنفيذية للقانون رقم (170) لسنة 1996م أبعد من ذلك حين نصت المادة (14) من اللائحة غلى أنه «لا يجوز التصرف بالمجان في أراضي وعقارات الدولة إلى أي شخص طبيعي أو اعتباري للأغراض التالية:

-1 تنفيذ مشروعات ذات نفع عام بتمويل كلي أو جزئي من قبل الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين.

-2 بموجب توجيهات من رئيس الجمهورية.

-3 لاحتياجات ومتطلبات الجهات الحكومية».. إلخ ويلاحظ هنا أن المادة (14) من اللائحة لم تبدأ كالمادة (8) من القانون بأنه (لا يجوز) وإنما بجواز التصرفات من جهة، ومن جهة أخرى لم يتم حصر إجازة التصرف بأراضي وعقارات الدولة الخاصة فقط وفق القانون بل يعني إمكان التصرف أيضاً بأراضي وعقارات الدولة العامة، لأن المادة (14) من اللائحة اكتفت بذكر أراضي وعقارات الدولة دون إضافة (الخاصة) كما وردت في القانون..!! والنص المشترك في القانون واللائحة تمكين رئيس الجمهورية من الصرف بتوجيهات وليس في شكل قرارات رئاسية التي تتطلب نشر القرارات الرئاسية والقرارات الجمهورية في الجريدة الرسمية!! بعكس «التوجيهات» الرئاسية مما يفتح الباب على مصراعيه لغياب أي رقابة برلمانية أو حكومية وإمكان حدوث أخطاء أو تجاوزات لا علاقة لها بالنفع العام وفق تعريف وتحديد اللائحة لمعاييره وشروطه التي لم يقيدها القانون ولا اللائحة بأن التوجيهات الرئاسية ذات علاقة بالنفع العام، فوحده الرئيس يمتلك هذا الحق، وما أعلنه في عدة مناسبات مثل خطابه أمام مقاتلي المنطقة الجنوبية العسكرية بقوله:

«منحنا لمدينة عدن 40 ألف قطعة أرض 40 ألف لسكان مدينة عدن من أراضي محافظة عدن، ويضج المتقولون أننا منحنا المؤسسة العسكرية 20 ألف قطعة ليبنوا لهم مساكن قالوا نهبوا الأراضي، شلوا الأراضي، لأنهم يحسدون المؤسسة العسكرية أنها حصلت على 20 ألف قطعة.. وأنا أتذكر أنا ممن منح أراضي لقيادات سياسية وعسكرية وأمنية وحزبية بعد حرب صيف 1994م وذلك في إطار المعالجات ومعظمهم ممن أشعلوا فتنة وحرب صيف 94م وباعوها بالملايين أمامكم في مدينة عدن وكريتر وفي المنصورة..» نص الخطاب في صحيفة «26سبتمبر» بتاريخ 2007/10/25م العدد (1356). وفي إطار السطو على الأراضي في محافظة عدن كانت عبارة للزميل العزيز الأخ هشام باشراحيل رئيس تحرير صحيفة «الأيام» في منتدى صحيفته بعدن حين أطلق أمام ضيوفه وزير الإدارة المحلية (عبدالقادر علي هلال)، وزير الخدمة المدنية(حمود خالد الصوفي) بقوله:«أن الأراضي التي استولى عليها مجموعة أشخاص وبمساحات واسعة وخيالية بأن هذه الأراضي تساوي في مساحتها أكبر من مساحة دول مثل قطر أو البحرين وبطريقة غير شرعية أو قانونية»..!!

هذا التشبيه الرائع وإن كان محزناً يجسد حجم المأساة والكارثة التي حصلت بعدن وأرضيها والمضحك والمبكي في هذا الموضوع أن عمليات البسط لم تقتصر على أراضي البسطاء من المواطنين، بل شملت أراضي الدولة..! («الأيام» بتاريخ 2007/8/1م، العدد 4160).

-2 أول الغيث لحصاد السياسي السكانية

زيادة مليون نسمة في الجنوب..!!

أعطت السياسة التي اتبعت بعد حرب 1994م ثمارها الأولى، فقد أظهرت نتائج التعدد السكاني لعام 2004م مقارنة بتعداد عام 1994م تراجع معدل النمو السنوي للسكان في تعداد عام 1994م من%3.7 إلى %3.0 في المتوسط لتعداد العام 2004م باستثناء 7 محافظات منها 4 محافظات جنوبية ارتفع فيها المعدل السنوي للنمو السكاني عن المعدل الوسطي للنمو على مستوى الجمهورية في أمانة العاصمة، حيث بلغ معدل النمو حوالي (%5.5)، المهرة (%4.5)، عدن(3.8)% صعدة (%3.7)، الضالع(%3.5) الحديدة (%3.3)،حضرموت (%3,1).

* الأرقام مستخلصة من كتاب النتائج النهائية للتعداد العام للسكان والمنشآت ديسمبر 2004م الصادر من الجهاز المركزي للإحصاء، التصنيفات والمعالجات من عمل الكاتب.

مما يجعل الزيادة في عدد سكان المحافظات الجنوبية ترتفع من 2.8 مليون نسمة في عام 1994م إلى 3.8 مليون نسمة في تعداد 2004م بفارق نحو مليون نسمة وتحديداً 983 ألف نسمة وهو مؤشر أولى لتأثير سياسة تشجيع الهجرة الداخلية التي بتنفيذ برنامج رئيس الجمهورية ستؤدي إلى ارتفاع كبير في سكان الجنوب وهو الهدف الأول من سياسة التوطين تحت مبررات ومسميات مختلفة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى